انضمام الجزائر لبنك بريكس: مزايا وتحديات

05 سبتمبر 2024
الخطوة تعزز التجارة الجزائرية (فتحي بلعيد/فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- **انضمام الجزائر إلى بنك التنمية الجديد لمجموعة بريكس**: أعلنت الجزائر انضمامها رسمياً إلى بنك التنمية الجديد لمجموعة بريكس، مما يعكس متانة اقتصادها ويفتح آفاقاً جديدة للنمو الاقتصادي.

- **مزايا الانضمام وتأثيره على الاقتصاد الجزائري**: سيمنح الانضمام الجزائر سهولة في الحصول على التمويلات بشروط ميسرة، ويعزز الشراكات الاستراتيجية مع دول بريكس، مما يحفز الاستثمار الأجنبي المباشر.

- **التحديات والآثار الإيجابية على العملة المحلية**: يفرض الانضمام تحديات تتعلق بالمواءمة مع سياسات بريكس، لكنه يُتوقع أن يعزز العلاقات التجارية والاستثمارية، مما يساهم في تنويع الاقتصاد واستقرار الدينار الجزائري.

 

عاد ملف "بريكس" إلى المشهد الاقتصادي والسياسي بالجزائر في عز حملة دعائية لرئاسيات 7 سبتمبر/ أيلول المبكرة، بعد مضي عام كامل على قمة جنوب أفريقيا، التي غاب فيها البلد العربي فيها عن قائمة الأعضاء الجدد المنضمين إلى هذا التكتل، وما أسالته القضية حينها من حبر، وكللت الجهود هذه المرة بالانضمام إلى بنك التنمية الجديد، الذي يُعتبر بمثابة "الذراع المالية" لهذه المجموعة.
وكما هو معلوم، فقد غابت الجزائر عن قائمة المنضمين الجدد إلى مجموعة بريكس خلال صيف 2023، وهم السعودية والإمارات ومصر وإيران وإثيوبيا بالإضافة إلى الأرجنتين، التي رفضت رسمياً الانضمام إلى بريكس، نهاية العام الماضي.
وأعلنت وزارة المالية الجزائرية في بيان مساء السبت الماضي، انضمامها رسمياً إلى البنك الجديد للتنمية (NDB)، التابع لمجموعة بريكس الاقتصادية، في ختام الاجتماع السنوي التاسع لمجلس المحافظين في كيب تاون بجنوب أفريقيا.
ورأى بيان الوزارة أن الانضمام إلى هذه المؤسسة المهمة، التي تُعتبر الذراع المالية لمجموعة بريكس، يعد "خطوة كبيرة في مسار الاندماج في النظام المالي العالمي"، ما يجعل الجزائر الدولة التاسعة التي تنضم إلى عضوية البنك الجديد للتنمية"، مشددة على أن هذا الانضمام جاء نتيجة "تقييم صارم"، ويرجع إلى حد كبير إلى "قوة مؤشرات الاقتصاد الكلي، ما يعكس متانة الاقتصاد الجزائري".

واعتبر البيان أن "أداء الاقتصاد الجزائري المتميز خلال السنوات الأخيرة من حيث نسب النمو، مدفوعاً بإصلاحات شملت عدة قطاعات، جعل من الجزائر شريكاً موثوقاً به وفعّالاً ضمن هذه المؤسسة، مضيفاً أنه "سيفتح آفاقاً جديدة لدعم وتعزيز النمو الاقتصادي للبلاد على المديين المتوسط والطويل".
والبنك الجديد للتنمية تأسس في عام 2015 من قبل مجموعة بريكس الاقتصادية التي كانت تضم حينها البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا، ويهدف إلى تعبئة موارد لتمويل مشاريع التنمية المستدامة في الأسواق الناشئة والدول النامية.
وقبل أشهر قالت الحكومة الجزائرية إن اقتصاد البلاد قد قفز إلى المرتبة الثالثة أفريقياً، بعدما تجاوز نظيره النيجيري، بناتج محلي إجمالي فاق 266 مليار دولار.
و"بريكس" تكتل أسس عام 2006، ويضم الصين والبرازيل وروسيا والهند وجنوب أفريقيا، قبل أن تنضم إليه مصر وإثيوبيا وإيران والإمارات مطلع 2024. وهذا التكتل ذو توجه اقتصادي، ويهدف أيضاً إلى حصول الدول النامية، التي تقاوم هيمنة الدول الغربية لا سيما الولايات المتحدة، على مزيد من التمثيل في القضايا الدولية.
 

الجزائر وجملة من المزايا 

في هذا السياق، يرى رئيس تنفيذي أسبق لبنك التنمية المحلي الحكومي، أحد أكبر المصارف في البلاد، محمد كريم، أن دخول الجزائر في رأس مال بنك التنمية الجديد التابع لمجموعة بريكس ستنجم عنه جملة من المزايا.
وأوضح كريم، لـ "العربي الجديد"، أن الجزائر ستكون لها سهولة في الحصول على التمويلات، بصفتها عضواً مساهماً في رأسمال هذا البنك، ما يمنحها أولوية الحصول على قروض لتمويل مشاريع التنمية، التي يمكن استخدامها لدعم البنى التحتية الحيوية والطاقات المتجددة والنقل وتكنولوجيا المعلومات وغيرها.
وأضاف كريم الذي يشغل حالياً منصب مدرس بالمدرسة العليا الحكومية للبنوك والصيرفة بالعاصمة، أن الدخول في بنك بريكس سيحسن القدرات التمويلية للبلاد، من خلال الحصول على قروض تكون في الغالب بمزايا أكثر وشروط ميسرة مقارنة بتلك التي تقدمها البنوك الأخرى متعددة الأطراف أو الأسواق المالية الدولية.
وذكر في هذا الشأن: "بالتالي، فإن مشاركة الجزائر في رأسمال بنك بريكس ستمكنها من تمويل المشاريع بأسعار فائدة أقل وبشروط أكثر مرونة، وخفض تكاليف الاقتراض في البلاد".
ويعتقد أن هذه الخطوة ستعزز الشراكات الاستراتيجية للجزائر، وخصوصاً مع الدول الأعضاء المؤثرة مثل الصين وروسيا والهند والبرازيل وجنوب أفريقيا، ما قد يفضي إلى استثمارات ثنائية واتفاقيات تجارية وشراكات في مجالات مثل الطاقة والصناعة والزراعة.
وخلص المتحدث إلى أن عضوية بنك بريكس من شأنها أن تحفز الاستثمار الأجنبي المباشر في الجزائر، فضلاً عن تعزيز موقعها الجيوسياسي لزيادة نفوذها في المنطقة.
 

تحديات عديدة

بالمقابل، يرى الرئيس التنفيذي الأسبق لبنك التنمية المحلية الحكومي بالجزائر، أن الانضمام إلى هذه المؤسسة المالية الدولية، يفرض مجموعة من التحديات، مثل الحاجة إلى المواءمة مع الأولويات والسياسات الإنمائية لأعضاء "بريكس" الآخرين، والالتزام المالي المطلوب للمساهمة في رأس مال البنك.
وتتطلب معالجة مسألة العضوية في التنمية الجديد لتكتل بريكس، وفق كريم، فهم أسباب رفض الجزائر تحمل الدين الخارجي ومحاولة إقناع السلطات العليا في البلاد برفع العقدة المرتبطة بهذا الرفض.
واعتبر كريم أن الجزائر غالباً ما تبرر رفضها للاستدانة (الاقتراض) الخارجية برغبتها في الحفاظ على سيادتها الاقتصادية، وعدم الخضوع للشروط التي غالباً ما يفرضها الدائنون الدوليون، وهذا يسمح للبلد بالحفاظ على درجة من الاستقلالية في خيارات سياسته الاقتصادية، فضلاً عن إدارة المخاطر المالية، من منطلق أنه يمكن للديون الخارجية أن تعرض البلد لمخاطر مالية كبيرة، خاصة في حالة تقلبات أسعار الصرف أو الظروف الاقتصادية العالمية غير المؤاتية، وبالتالي تجنب حدوث أزمة ديون، مثلما حدث سنوات التسعينيات.
ومن هذا المنظور، يشرح كريم أن الجزائر أعطت أولوية للموارد المالية الداخلية مقارنة بتلك الخارجية، واختارت السلطات التركيز على تعبئة مواردها الداخلية لتمويل المشاريع، وهو نهج يهدف، وفقاً له، إلى تشجيع المدخرات الوطنية وتحفيز الاستثمار المحلي والاستفادة القصوى من ثرواتها الخاصة، مثل النفط والغاز، لدعم اقتصادها.
وللتغلب على التعقيدات المرتبطة بهذا الموقف، أي الاقتراض الخارجي وما قد يسببه من أزمة ديون، يؤكد كريم أنه من المهم أن "نفهم أنه نهج مدروس يسمح للجزائر بالاستفادة من فرص التمويل متعدد الأطراف، مثل تلك التي يقدمها بنك التنمية الجديد لبريكس أو الوطني للتنمية أو بنك التنمية الأفريقي أو المؤسسات الأخرى التي تساهم فيها، مع الحفاظ على التوازن الاقتصادي وتعزيز نمو أكثر استدامة واستقلالية".
 

أثر إيجابي على العملة المحلية

من جهته، وصف البروفيسور والخبير لدى البنك الدولي وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، أمحمد حميدوش، هذه الخطوة بـ "المهمة" التي تحمل في طياتها العديد من النتائج المحتملة والإيجابية.
وأوضح حميدوش، لـ "العربي الجديد"، أن الجزائر ستحظى في المقام الأول بمقعد في مجلس إدارة البنك، مما يمنحها صوتاً مؤثراً في صناعة القرار الاقتصادي العالمي، مشيراً إلى أن هذا الموقع سيمكنها من توجيه الاستثمارات والتمويلات نحو مشاريع تتماشى مع أولوياتها الوطنية والإقليمية.
أما من الناحية الاقتصادية، فيتوقع أن يؤدي هذا الانضمام إلى تعزيز العلاقات التجارية والاستثمارية بين الجزائر ودول "بريكس".
وعلى سبيل المثال، يتوقع حميدوش أن تزداد صادرات الغاز الطبيعي الجزائري إلى الهند والصين، في مقابل زيادة في واردات التكنولوجيا المتقدمة من هذه الدول.
أما من الناحية المالية، فسيفتح هذا الانضمام آفاقاً جديدة للجزائر، كما يؤكد الخبير لدى البنك الدولي، وخصوصاً في مجال التمويل الدولي، ومن خلال إمكانية الوصول إلى مصادر تمويل متنوعة وبشروط تفضيلية لمشاريع التنمية الكبرى.
وقال في هذا الصدد: "يمكن للجزائر أن تستفيد من إصدار سندات بعملات دول بريكس، مما يقلل من الاعتماد على التمويل بالدولار".
وعن سؤال حول مدى تأثير هذا الانضمام على أداء الاقتصاد الجزائري، وخصوصاً على ‏العملة المحلية، رد حميدوش بأن هذه الخطوة قد تؤدي إلى زيادة تدفق الاستثمارات الأجنبية المباشرة إلى الجزائر، خاصة من دول "بريكس"، ما يساهم في تنويع الاقتصاد، وتحفيز النمو في قطاعات غير نفطية مثل الصناعات التحويلية والخدمات والتكنولوجيا.
ويمكن، وفق شرح الخبير حميدوش، توقع تأثير إيجابي على استقرار وقوة الدينار الجزائري، لأن ذلك سيؤدي إلى تنويع الشركاء التجاريين والاقتصاديين، وبالتالي تقليل الاعتماد على الدولار في التجارة الخارجية، مما قد يحد من تقلبات سعر صرف العملة المحلية.
كما يمكن لهذه العضوية أن تجلب تمويلات بعملات دول "بريكس"، ما قد يساعد في تنويع احتياطيات النقد الأجنبي للجزائر، وتعزيز استقرار الدينار.
وخلص حميدوش إلى أن التحسن المتوقع في الأداء الاقتصادي الكلي والتصنيف الائتماني للجزائر نتيجة لهذا الانضمام، قد يعزز من ثقة المستثمرين الدوليين في الاقتصاد الجزائري، وبالتالي في العملة الوطنية.
وعن سؤال آخر بخصوص الفوائد الملموسة التي يمكن أن تجنيها الجزائر من انضمامها إلى بنك التنمية الجديد لمجموعة بريكس، أوضح المتحدث أن انضمام الجزائر إلى بنك التنمية الجديد لمجموعة بريكس يمكن اعتباره بالفعل خطوة مهمة نحو تعزيز علاقاتها مع هذا التكتل الاقتصادي القوي، لكن مسألة العضوية الكاملة في المجموعة هي أمر أكثر تعقيداً ويعتمد على عدة عوامل.
وقال في هذا الصدد: "يمكن اعتبار هذا الانضمام مقدمة محتملة لعضوية كاملة في المستقبل، فمن خلال مشاركتها في أنشطة البنك، ستتمكن الجزائر من إثبات قيمتها المضافة للمجموعة وبناء علاقات أقوى مع الدول الأعضاء".
وأضاف: "إذا نجحت الجزائر في استثمار هذه الفرصة بشكل جيد، يزيد ذلك من فرص قبولها عضواً كاملاً في المجموعة، ومع ذلك، من المهم الإشارة إلى أن العضوية في بنك التنمية لا تضمن تلقائياً العضوية الكاملة في مجموعة بريكس".
ولفت إلى أن قرار توسيع المجموعة يخضع لاعتبارات سياسية واقتصادية معقدة، ويتطلب موافقة جميع الدول الأعضاء الحالية، بالإضافة إلى وجود عوامل أخرى قد تؤثر على احتمالية انضمام الجزائر الكامل، وتشمل أداء الاقتصاد الجزائري وقدرته على المساهمة في أهداف المجموعة، ومدى التوافق الاستراتيجي بين سياسات الجزائر وتوجهات مجموعة بريكس والتطورات الجيوسياسية العالمية والإقليمية.

المساهمون