يخيّم الركود مجدداً على الحركة التجارية في العراق بسبب تعثر البنك المركزي في السيطرة على قيمة الدينار أمام الدولار الذي وصل إلى 1670 ديناراً في السوق الموازي فيما حدد البنك قيمته الرسمية عند 1331 ديناراً.
ولا تزال إجراءات الحكومة العراقية وسلطة البنك المركزي عاجزة عن إيجاد الحلول المناسبة لهذه المشكلة الخطيرة، بحسب مختصين، والتي يرجعونها إلى المضاربين بالسوق الموازي للعملة واستمرار الطلب الكبير على الدولار.
وأوضح ديوان الرقابة المالية، في تصريح صحافي صدر الثلاثاء، أن العراق يمر بمرحلة ركود اقتصادي بسبب تذبذب أسعار العملة، لأن الوضع الاقتصادي في العراق يعتمد بشكل أساس على واردات تصدير النفط الخام مقابل استيراد السلع والبضائع.
وأكد مدير ديوان الرقابة المالية صلاح نوري أن العراق يمر بمرحلة أشبه بالركود الاقتصادي بسبب تذبذب أسعار صرف الدولار، وأن تراجع نشاط التجارة يؤثر كثيراً بأسعار الصرف. وأشار نوري، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى تأثير انخفاض أسعار النفط الخام على تنفيذ الموازنة التشغيلية خصوصاً تعويضات الموظفين والرواتب التقاعدية، فضلاً عن تنفيذ المشاريع التي هي أصلاً من الصعب تنفيذها خلال المدة المتبقية من سنة 2023.
وقال عضو اتحاد غرفة تجارة بغداد حسن الشيخ إن الارتفاع الجديد في سعر الصرف أثر كثيراً على معدلات الأسعار في السوق. وأوضح الشيخ، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن الاقتصاد العراقي يمر بأسوأ الظروف، وسيقبل على انهيار كبير بسبب السياسات الاقتصادية الخاطئة التي تعمل عليها سلطة القرار الاقتصادي في العراق، فضلاً عن، التأثيرات السياسية والمحسوبية التي تنخر مختلف القطاعات.
وأضاف أن الركود الاقتصادي الذي تشهده السوق المحلية جاء بسبب العلاقة الطردية مع ارتفاع سعر الصرف، والكثير من جوانب التداول النقدي في العراق تتم عن طريق الدولار، حتى رشوة الموظفين المنتشرة في المؤسسات لا تتم إلا بالدولار، وهو ما زاد مستوى الطلب.
وبيّن أن البنك المركزي العراقي فشل في تحديد سعر الصرف والسيطرة عليه، ولا يمتلك قرار الحل الفني والإداري للحد من الارتفاع وتوفير الدولار بانسيابية لمستحقيه سواء كانوا من التجار أو المسافرين، مشيرا إلى أن هناك شبهات خطيرة ترتبط بعدد كبير من التجار الذين يشترون الدولار بالسعر الرسمي من نافذة البنك المركزي بحجة الاستيراد، لكن الحقيقة هم يقدمون فواتير مزورة ووهمية إلى البنك المركزي للحصول على الدولار بتواطؤ مع عدد من الموظفين الفاسدين.
وأفاد الشيخ بأن النظام المالي والمصرفي في العراق يعاني من فساد كبير، ولا يمكن إصلاحه في ظل استمرار النظام الحالي الحاكم في الدولة بسبب سيطرة النفوذ والأجندات على سلطة القرار الاقتصادي والنقدي، متوقعاً استمرار ارتفاع سعر الصرف إلى أكثر من 180 ألف دينار لكل 100 دولار خلال الأيام القادمة.
من جانبه، اعتبر الخبير الاقتصادي كريم الحلو أن ارتباط الركود والكساد الذي تشهده السوق العراقية بارتفاع سعر صرف الدولار هو المشكلة الأساسية لتدهور الوضع الاقتصادي العام في العراق.
وقال الحلو، خلال حديثه لـ"العربي الجديد"، إن السوق العراقي مفتوح تجارياً مع الدول المحظورة من قبل البنك الفيدرالي الأميركي، الذي منع تماماً تحويل الدولار إلى تلك الدول المتمثلة بإيران ولبنان وسورية.
وبيّن أن الدولار اللازم لاستيراد البضائع من هذه الدول يتم شراؤه من السوق الموازي بأسعار عالية، وهو ما يعني تزايد الطلب، الذي بدوره يؤدي إلى ارتفاع الأسعار.
وأوضح الحلو أن أكثر من 280 مليون دولار، هو معدل الحوالات الخارجية اليومية من العراق، يذهب إلى عمليات تحويل مشبوهة عبر أدوات تهريب العملة أو شراء بضائع وهمية، ما أثر بشكل كبير على مستويات الأسعار ورفع حجم الكساد والتضخم في السوق العراقي.
وأضاف أن الكثير من المصالح التجارية المحلية وأصحاب المحال والشركات البسيطة توقفوا عن العمل بسبب السياسة الخاطئة التي تتبعها إدارة البنك المركزي باتجاه عدم احتواء أزمة الركود التي تشكل خطراً اقتصادياً يضر بمصلحة الأمن الاقتصادي العراقي.
وبالإشارة إلى العامل الإقليمي، بين الحلو أن الكثير من المواطنين اتجهوا إلى طلب الدولار وشرائه بدافع الادخار على خلفية الحرب الدائرة في غزة تحسباً لأي انعكاسات سياسية واقتصادية على العراق.