انحدار معيشة عمال مصر: دائرة الغضب تتسع

11 مارس 2022
العمال يرزحون تحت وطأة أزمات معيشية متصاعدة (فرانس برس)
+ الخط -

بات عمال مصر يعيشون تحت وطأة أزمات معيشية متصاعدة في ظل ضعف الأجور وغلاء المعيشة الفاحش.

وما يفاقم من أزماتهم هو تأخر صرف الرواتب في الكثير من الشركات وعدم وفاء إداراتها بدفع الحوافز بانتظام، ما دفع آلاف العمال إلى اللجوء للإضرابات والاحتجاجات الساخطة من أجل استرداد حقوقهم.
قصص عديدة لشركات انتهكت مجالس إداراتها حقوق العمال ولم تستجب لمطالبهم، وفي هذا الإطار، رصدت "العربي الجديد" بعض هذه القصص التي تعد مؤشرا على انفجار اجتماعي وشيك، حسب توقعات عمال، إذا لم تسارع الحكومة من أجل وضع حلول لهذا الملف المعقّد بقرارات وإجراءات عاجلة.

تحركات لصرف الرواتب
تعد تحركات عمال الشركة المصرية لتصنيع المواد الغذائية (آيس مان)، والبالغ عددهم 520 عاملًا، من أحدث القصص التي تعبر عن تنامي الغضب العمالي ضد تدهور أوضاعهم المالية والمعيشية، إذ توجه، في السابع من مارس/آذار الجاري، عدد من العمال إلى مكتب عمل ثان مدينة أكتوبر بغرب القاهرة، وحرروا شكوى جماعية ضد إدارة الشركة لتأخرها في صرف راتب شهر فبراير/شباط وإعلان عزمها عن صرف 50% منه يوم 15 مارس/آذار الجاري.

كما حرر 50 عاملًا شكاوى فردية ضد إدارة الشركة لذات السبب، بالإضافة إلى مطالبتهم بصرف بدل المواصلات وبدل الوجبات التي تم منع صرفها من منذ شهر أغسطس/آب الماضي.
وكان عمال الشركة المصرية للمواد الغذائية "آيس مان" قد فوجئوا الاثنين الماضي بتعليق إدارة الشركة منشورًا بقرار صرف نصف راتب شهر فبراير/شباط فقط يوم 15 مارس/آذار الجاري، بالرغم من معاناتهم من تدني أجورهم وعدم بلوغها الحد الأدنى للأجور الذي صدر به قرار رئيس الجمهورية والذي يبلغ 2400 جنيه.
يذكر أن الشركة دأبت على تأخير صرف الأجور، وهو ما دفع العمال للتقدم بعدد من الشكاوى سابقًا. انتقل للشركة مكتب العمل وقامت الإدارة بصرف أجر يناير/ كانون الثاني يوم 9 فبراير/شباط، وتعهدت الإدارة بصرف بدلات الانتقال المتأخرة من شهر نوفمبر/تشرين الثاني خلال أسبوعين من تاريخه.
وحول العلاوة التي لم تصرف؛ فقد وعدت الإدارة صرفها بأثر رجعي عن الأشهر التي تلت إقرار العلاوة، على أن يتم صرفها وفقا لقرار وزيرة التخطيط بواقع 3% من الأجر التأميني بدلا من 7% من أساس الأجر.

فصل وإرهاب العمال
في سياق متصل، عمدت إدارة شركة النيل للمواد العازلة (بتونيل) إلى فصل ممثلي العاملين بالشركة وإيقاف العمل بجميع أقسام الشركة، في محاولة منها لإرهاب عمال الشركة وإثنائهم عن المطالبة بحقوقهم الاقتصادية والسعي لإنشاء منظمتهم النقابية المستقلة.
الشركة استمرت في تصعيد خطواتها المعادية للعمال، حيث أخطرتهم يوم 23 فبراير/شباط بفصل ثمانية من ممثلي العمال ومؤسسي اللجنة النقابية.

وحرر ممثلو العمال المفصولين محضر إثبات الحالة رقم 2286 لسنة 2022، بينما تابعت الإدارة تصعيدها، فأصدر مدير عام الشئون الإدارية بالشركة قراراً بإيقاف 14 عاملاً عن العمل، بينهم عامل مريض حصل على إجازة مرضية لمدة ثلاثة أشهر لم تنتهِ حتى الآن.

عجز وانتحار
في 23 فبراير/شباط الماضي، أقدم عامل في شركة يونيفرسال للأجهزة الكهربائية على الانتحار بإلقاء نفسه تحت عجلات سيارة على الطريق السريع، تاركًا رسالة أنه لم يعد قادرا على تلبية احتياجات أسرته ولهذا أقدم على الانتحار.
تأتي هذه المطالب الملحة للعمال وسط أوضاع اقتصادية صعبة، والتي لا يستطيعون التعبير عنها نتيجة القبضة الأمنية المحكمة التي تحرمهم من الحق في الإضراب المكفول في كافة المواثيق الدولية، حيث نص العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في مادته الثامنة فقرة "د" على أن "تتعهد الدول الأطراف في هذا العهد بكفالة ما يلي: حق الإضراب، شريطة ممارسته وفقا لقوانين البلد المعني".

تقييد الإضراب
ورغم مشروعية الإضراب كحق أصيل للعمال كفلته المواثيق والمعاهدات الدولية؛ إلا أن قانون العمل المصري الحالي قام بتقييد هذا الحق. وبينما اعترف قانون العمل المصري بحق العمال في الإضراب السلمي في المادة 192 منه؛ عاد في المواد اللاحقة إلى إحاطة هذا الحق بقيود وشروط تعجيزية، حيث حظره في المنشآت الاستراتيجية أو الحيوية التي يتوقف على توقف العمل فيها الإخلال بالأمن القومي أو بالخدمات الأساسية التي تقدمها للمواطنين طبق (المادة 194).

ورغم مشروعية الإضراب كحق أصيل للعمال كفلته المواثيق والمعاهدات الدولية؛ إلا أن قانون العمل المصري الحالي قام بتقييد هذا الحق


كما ألزمت المادة 192 العمال بإخطار كل من صاحب العمل والجهة الإدارية المختصة قبل موعد الإضراب بعشرة أيام على الأقل، على أن يتضمن الإخطار الأسباب الدافعة للإضراب والمدة الزمنية المحددة له، حيث يتنافى ذلك مع طبيعة الإضراب كوسيلة للضغط من أجل تحقيق مطالب العمال، وهو من هنا لا يُفترض موعد انتهائه سلفاً.
ولعل أخطر ما في الأمر هو ما تنص عليه المادة 69 من القانون والتي تجعل من عدم مراعاة هذه الضوابط (أو بالأحرى القيود) أحد الأسباب المُجيزة لفصل العامل.

انتهاكات بالجملة
أبقت الحكومة في مشروع قانون العمل الجديد الذي يُناقش الآن في مجلس الشيوخ على ذات الشروط (في المواد 205، 206، 207 من المشروع) رغم مطالبة العمال ونقاباتهم المستقلة ولجنة الخبراء بمنظمة العمل الدولية [CEACR] بمراجعة هذه المواد.
وعلى هذه الخلفية القانونية، يتعرض العمال لانتهاك حقهم في الإضراب، ويضارون من جرائه. كما أنه بالرغم من كفالة الدستور المصري والمعاهدات الدولية واتفاقيات العمل الدولية الحق في تنظيم النقابات، إلا أن عمالاً ما زالوا يتعرضون للانتهاكات بسبب نشاطهم النقابي، بل ما زالت هناك العديد من المنظمات النقابية تواجه العديد الصعوبات.
هذا الأنين المكتوم ازداد مع تدهور أوضاع العمال في مصر كثيرًا بعد انتشار جائحة فيروس كورونا الجديد "كوفيد-19".
وحسب مراقبين، زادت معاناة العمال مع موجات غلاء المعيشة المتواصلة بسبب قيام الحكومة برفع أسعار الكهرباء والوقود وبدء التخلي عن دعم المواد التموينية الضرورية والخبز.

هذا الأنين المكتوم ازداد مع تدهور أوضاع العمال في مصر كثيرًا بعد انتشار جائحة فيروس كورونا الجديد "كوفيد-19"


وأكد تقارير دولية، مؤخرا، أن الأزمة الغذائية وارتفاع الأسعار قد يؤديان إلى خروج تظاهرات جديدة وعدم استقرار في عدة دول بالمنطقة ومنها مصر.

ورصدت دار الخدمات النقابية والعمالية، خلال العام الماضي، 8041 انتهاكًا لحقوق العمال في مصر، حيث سجل انتهاك تأخر صرف الراتب أعلى المعدلات، إذ يمثل 35.9% من إجمالي الانتهاكات بواقع 2891 انتهاكاً، يليه عدم وجود دار حضانة والذي مثل 27,2% من إجمالي الانتهاكات بواقع 2190 انتهاكاً.
كما شهد العام الماضي 254 حالة فصل تعسفي، بينها 253 حالة في القطاع الخاص. ورصدت كذلك دار الخدمات النقابية والعمالية 2891 حالة تأخر في صرف الرواتب.