أثار توقيع الحكومة العراقية مذكرة تفاهم لاستيراد الغاز من تركمانستان بهدف تحسين الطاقة الكهربائية، جدلاً واسعاً في الأوساط الاقتصادية، ولا سيما في ظل تحذيرات من ارتفاع تكاليف إتمام البنية اللازمة للاستيراد، بينما يتم إهدار الغاز العراقي المصاحب لاستخراج النفط والذي يمكن الاعتماد عليه حال استغلاله.
ووفق بيان لوزارة النفط العراقية، الخميس الماضي، جرى الاتفاق مبدئياً مع تركمانستان على استيراد كميات من الغاز لتلبية جزء من احتياجات محطات الطاقة الكهربائية.
وارتفع استهلاك العراق من الغاز الطبيعي إلى 18.9 مليار متر مكعب خلال العام الماضي، مقابل 16.8 مليار متر مكعب في 2020، حيث يعاني العراق من عدم كفاية إنتاجه لتلبية الطلب المتزايد محلياً بسبب اعتماده الكلي في تغذية محطات توليد الطاقة الكهربائية، ما يدفعه إلى الاعتماد على الاستيراد. وسجل إنتاج الغاز 9.4 مليارات متر مكعب في 2022، مقابل 9.1 مليارات متر مكعب في العام السابق له، وفق بيانات رسمية.
ويرى مختصون في قطاع الطاقة، أن التوجه نحو استيراد الغاز من تركمانستان يعد بمثابة مجازفة اقتصادية، إذ سيتسبب في هدر كبير للأموال، بخاصة أنّ العراق يعاني من عجز كبير في موازنته، واختلال في هيكل ميزانه التجاري.
وقال الخبير في مجال الطاقة، كوفند شيرواني، في تصريح لـ"العربي الجديد" إنّ الاتفاق المبدئي مع تركمانستان لا يحتوي على أي جدوى اقتصادية إيجابية تجاه العراق، وإن عملية إنشاء شبكة خطوط نقل الغاز سوف تستغرق بحدود عامين على الأقل، وتحتاج إلى أموال طائلة بمليارات الدولارات.
وأشار شيرواني، إلى صعوبة توفير هذه الأموال في ظل العجز المالي الذي تعاني منه موازنة الدولة، الذي تتجاوز قيمته 50 مليار دولار، لافتاً إلى أنّ العراق يخطط للوصول إلى مرحلة الاكتفاء الذاتي من الغاز المحلي خلال خمس سنوات مقبلة، ومن الصعب جداً هدر الأموال في إنشاء الخطوط لفترة قصيرة من الزمن.
ولفت إلى أن العراق يحرق سنوياً بحدود 18 مليار قدم مكعبة من الغاز المصاحب لاستخراج النفط، ومن الضروري جداً العمل على استثمار هذا الغاز بالشكل الأمثل، بخاصة أنّ العراق وقع على مشاريع جديدة لفصل الغاز عن النفط، آخرها مشروع مع شركة توتال الفرنسية وأخرى مع شركات أميركية، حيث تمتلك الدولة احتياطيات تتجاوز 122 تريليون قدم مكعبة.
بدوره، يرى الباحث الاقتصادي، أحمد عبد الله، أن الخطوة الأنسب للعراق في هذه المرحلة تتمثل في توجهه نحو استيراد الغاز من قطر أو الجزائر، بدلاً من التوجه شرقاً والاعتماد على الأراضي الإيرانية التي تواجه مشاكل الحظر الدولي، أو عبر الأراضي التركية التي تشهد هي الأخرى مشاكل دبلوماسية تتعلق بالمياه من جهة وأنبوب نفط جيهان من جهة أخرى، ومن الصعب المجازفة بمد هذه الخطوط عبر أراضيها.
ويقول عبد الله لـ"العربي الجديد" إن الغاز القطري يعد الأنسب والأجدى اقتصادياً بالنسبة للعراق، حيث قرب المسافة الجغرافية، وإمكانية نقل الغاز عن طريق السفن عبر الخليج العربي باتجاه البصرة، بدلاً من صرف الأموال الطائلة على مد أنابيب بمسافات طويلة تستخدم لفترة مؤقتة.
ويضيف أن "خطوة نقل غاز تركمانستان إلى العراق عبر الأراضي الإيرانية ستواجه العديد من التحديات، بخاصة أنّ تركيا كانت قد طلبت من إيران السماح بمد أنبوب نقل الغاز عبر أراضيها في وقت سابق، وقوبل هذا الطلب بالرفض".
ويشير عبد الله إلى أنّ إيران هي الأخرى لن تسمح بمد الأنبوب، إلّا إذا دفع العراق أجوراً إضافية لها لتأمين أنبوب النقل والسماح بمروره عبر أراضيها، وهذه تعتبر مشكلة أخرى تضاف لمشكلة صرف الأموال الطائلة لإنشاء الأنبوب.
يتابع أنّ الحكومة العراقية وضعت البلد في مأزق خطير، باعتمادها على الغاز المستورد، على الرغم من توفر كلّ الإمكانات اللازمة لتوليد الطاقة الكهربائية محلياً، إذ يمتلك العراق كميات كبيرة من احتياطيات الغاز، فضلاً عن إمكانية توفير الكهرباء من خلال الطاقة المتجددة والنظيفة عبر الرياح والطاقة الشمسية.
ويضيف أنّ "هناك أطرافاً تعمل لمصالح وأجندات خارجية، تحاول إبقاء العراق على ما هو عليه، وأن يبقى الاعتماد الكلي على الغاز المستورد، إن لم يكن من إيران فعبر أراضيها".