انتعاش اقتصادي أميركي... ونصر مؤقت لـ"فيسبوك"

29 يونيو 2021
عكست مؤشرات سوق الأسهم الأميركية جزءاً كبيراً من الانتعاش في فترة ما بعد الوباء (Getty)
+ الخط -

في الوقت الذي ما زالت تعاني فيه أكبر الاقتصادات في أوروبا تبعات ظهور وباء كوفيد-19، وأوامر الإغلاق التي استهدفت الحد من انتشاره وتسببت في تراجع الطلب والعرض، ومن ثم انكماش أغلب اقتصادات العالم، أظهر الاقتصاد الأميركي، خلال الأسابيع القليلة الماضية، من علامات الانتعاش ما افتقدته أغلب البلدان، فخطف أنظار المستثمرين، لتكون السوق الأميركية هي الأقرب للحصول على أموال الصناديق والأفراد الراغبين في ركوب موجة الانتعاش الحالية.

وبعد انتهاء عام 2020، المعروف باسم عام الجائحة، والذي شهد ربعه الثاني أكبر تراجع للاقتصاد الأميركي بنسبة تقترب من 33%، وانخفض فيه الناتج المحلي الإجمالي بمعدل 3.5% مقارنة بالعام الذي سبقه، تمكن الاقتصاد الأميركي من تعويض كل ما فقده تقريباً.

وقال محللون إنّ الانتعاش الاقتصادي الحالي في الولايات المتحدة لا مثيل له في التاريخ الحديث، حيث يحركه إنفاق استهلاكي غير مسبوق، مدعوم بحزم حكومية بتريليونات الدولارات، وتتجاوب معه الشركات بالمزيد من التوظيف والتأييد التام للسياسات الحكومية وسياسات مجلس الاحتياط الفدرالي (البنك المركزي)، الأمر الذي ساهم في تخفيف حدة تداعيات الأزمة، مقارنةً بما حدث خلال الأزمة المالية العالمية في 2008 - 2009. 

ووفقاً لتوقعات حديثة صادرة عن الأمم المتحدة، فمن المرجح أن يجعل الانتعاش الاستثنائي للاقتصاد الأميركي من البلاد الوجهة الأولى في العالم للاستثمار الخارجي في 2021 و2022، حيث تسعى الشركات الأجنبية لالتهام قطعة من كعكة الرئيس الأميركي جو بايدن المعروفة بخطط تحديث البنية التحتية، والتي يتوقع أن تصل قيمتها إلى مليارات الدولارات.

وتظهر الأرقام، الصادرة أمس الاثنين عن المنظمة الدولية، تراجع الاستثمارات الخارجية للشركات في جميع أنحاء العالم بمقدار الثلث في عام 2020 مقارنةً بالعام السابق. ورغم انخفاض نصيب الولايات المتحدة من تلك الاستثمارات بنسبة 40%، وتوقع الأمم المتحدة، مطلع العام الحالي، تراجع ترتيبها، إلا أنها احتفظت، بصعوبة، بمكانتها طويلة الأمد كوجهة أولى قبل الصين. 

من المرجح أن يجعل الانتعاش الاستثنائي للاقتصاد الأميركي من البلاد الوجهة الأولى في العالم للاستثمار الخارجي في 2021 و2022

وتلمح نظرة سريعة على السوق الأميركية، خلال ما مضى من العام الحالي، الكثير من علامات الانتعاش التي لم يكن أحد ليتوقعها قبل عام، حيث انطلقت الشركات الجديدة بأسرع وتيرة لإنشائها على الإطلاق، وارتفع معدل ترك العمال وظائفهم، وهو أحد أهم مظاهر الثقة في الأسواق، لأعلى مستوياته منذ عام 2000 على الأقل، وتراجعت أعباء خدمة دين الأسر الأميركية، كحصة من الدخل بعد خصم الضرائب، لأدنى مستوياتها في أكثر من ثلاثة عقود، هي كل عمر سجلاتها.

وتسببت سرعة استعادة الاقتصاد الأكبر في العالم نشاطه المفقود في حدوث العديد من الاختناقات التي تظهر عادة عند لحظات التحول في الاقتصاد، فظهر نقص في العديد من السلع، النهائية والوسيطة، والمواد الخام والعمالة، وهو ما أدى إلى ارتفاع العديد من المؤشرات، التي يستخدمها مجلس الاحتياط الفدرالي لقياس معدل التضخم، أسرع وأعلى مما توقع الجميع.

وبينما أكد رئيس مجلس الاحتياط الفدرالي جيروم باول، في أكثر من مناسبة، قِصَر الفترات التي ستشهد ارتفاع معدل التضخم ومحدودية تأثيرها، يعاني الأميركيون حالياً ارتفاع أسعار كل شيء، من السيارات المستعملة إلى المنازل، ومن فنجان القهوة إلى تذكرة السينما، مروراً بالملابس التي يرتديها رواد المقاهي ودور العرض.

وفي حين تميز الانتعاش الذي تلا أزمات النشاط الاقتصادي الأميركي السابقة، كركود 1990 – 1991 وفقاعة الإنترنت مطلع الألفية والأزمة المالية العالمية في 2009، بمعدلات التوظيف المنخفضة، اختلف الأمر جذرياً في ركود الجائحة رغم تعويضات البطالة السخية التي قدمتها وما زالت الإدارة الأميركية الحالية.

وخلال الأشهر الستة التي مضت من العام الحالي، أظهرت بيانات وزارة العمل الأميركية تكالب الشركات على التوظيف لمقابلة الزيادة في الطلب على خدماتها/منتجاتها، وارتفع أجر الساعة في أغلب القطاعات، واضطرت بعض الشركات لدفع حافز تعاقد signing bonus لاجتذاب العمالة، ليرتفع مكون العمل من مؤشر التكلفة خلال الربع الأول من العام الحالي بنسبة 0.9% مقارنة بالربع الأخير من العام الماضي، وهو أعلى معدل ارتفاع له منذ عام 2007، رغم أن معدل البطالة ما زال في حدود 6%، بينما كان قد وصل إلى 3.5% قبل أن يضرب الوباء الأراضي الأميركية. 

يعاني الأميركيون حالياً ارتفاع أسعار كل شيء، من السيارات المستعملة إلى المنازل، ومن فنجان القهوة إلى تذكرة السينما

وعلى نحو متصل، عكست مؤشرات سوق الأسهم الأميركية الرئيسية جزءاً كبيراً من الانتعاش الأميركي في فترة ما بعد الوباء، حيث توالى تسجيلها مستويات قياسية جديدة حتى الأسبوع الماضي، فسجل مؤشر "داو جونز" الصناعي مكاسب تتجاوز 16% من قيمته مقارنةً بأعلى نقطة وصل إليها قبل انتشار الوباء في الأراضي الأميركية، واقتربت مكاسب مؤشر "إس آند بي" الأشمل من 27%، بينما قفز مؤشر "ناسداك"، الذي تغلب عليه أسهم شركات التكنولوجيا، بنسبة 49%، خلال نفس الفترة.

وبينما تعكس ارتفاعات مؤشرات الأسهم الضخمة صورة جماعية لتحركاتها، كانت هناك بعض الأسهم التي شهدت نقلات فردية نوعية، مثل أسهم شركات التكنولوجيا الضخمة، وعلى رأسها شركة "فيسبوك". 

وفي أول أيام الأسبوع الحالي، انضمت الشركة صاحبة موقع التواصل الاجتماعي الشهير إلى نادي شركات التريليون دولار، لتكون خامس شركة أميركية فيه بعد شركات "آبل" و"مايكروسوفت" و"أمازون" و"ألفابيت" المالكة لمحرك البحث الشهير "غوغل".

وتسبب قرار محكمة أميركية إسقاط تهمة الاحتكار عن الشركة، أمس الاثنين، في إنهاء تعاملات اليوم لسهمها على ارتفاع بأكثر من 4%، مسجلاً مستوى 355.64 دولاراً، لتتجاوز القيمة السوقية للشركة تريليون دولار لأول مرة في تاريخها الممتد لأكثر من ثلاثة عشر عاماً.

وطرحت الشركة أسهمها للاكتتاب العام الأولي في مايو/أيار من عام 2012، لتظهر في سوق الأسهم الأميركية للمرة الأولى بقيمة رأسمالية لا تتجاوز 104 مليارات دولار. وفيما يقرب من ثلاث سنوات، ارتفع سهم الشركة حتى نهاية تعاملات يوم الاثنين بأكثر من 90% من قيمته.

المساهمون