انتعاشة النفط الجزائري: جيوب منهكة بالغلاء تترقب الاستفادة

08 أكتوبر 2022
ارتفاع الأسعار مستمر في أسواق الجزائر (Getty)
+ الخط -

تنتظر الجزائر انتعاشة تاريخية في صادرات سوناطراك النفطية، فيما يترقب المواطنون ارتدادات صعود أسعار النفط على معيشتهم، بعدما حاصرهم الغلاء ونغّص التقشف حياتهم اليومية على مدار السنوات الماضية. وفيما يؤكد الخبراء أن السوق النفطية تعطي بارقة أمل للاقتصاد الجزائري المنهك، يؤكد نقابيون أن مفاعيل ارتفاع النفط لا تزال غير منظورة.

واستفادت البلاد من ارتدادات الأزمة العسكرية بين روسيا وأوكرانيا على الأسواق والبورصات العالمية، وفي مقدمتها أسواق الطاقة التي تعد عصب الاقتصاد المحلي ومصدر العملة الأجنبية كونها تشكل جل صادرات البلاد، التي تعاني من عجز مركب في الموازنة العامة والخزينة والميزان التجاري.

وقفزت صادرات شركة النفط والغاز الجزائرية سوناطراك بمستوى قياسي خلال الأشهر الخمسة الأولى من العام الجاري 2022، مقارنة بالمدة نفسها من العام الماضي 2021، حسب الأرقام الرسمية، إذ بلغ الإنتاج الأولي من النفط نحو 79.2 مليون طن من نفط مكافئ بنهاية مايو/أيار الماضي.

وبلغت قيمة صادرات نفط الجزائر، حتى شهر مايو/أيار الماضي، 21.5 مليار دولار، مقابل 12.6 مليار دولار في نهاية شهر مايو/ أيار من العام الماضي، بزيادة بلغت نحو 70 في المائة. كما ارتفعت صادرات سوناطراك من الغاز من خلال خطوط الأنابيب بنسبة 54 في المائة، إلى جانب ارتفاعها بنسبة 13 في المائة من خلال ناقلات الغاز المسال".

وبهذه الأرقام، يكون ارتفاع أسعار النفط قد ساهم في إنعاش خزينة الجزائر، مع بلوغ سعر برميل البترول الجزائري أكثر من مئة دولار، ما يعني أن الخزينة الجزائرية ستستفيد من نحو 70 إلى 80 دولارا إضافية عن كل برميل نفط، إذا واصلت الأسعار في هذا المنحى، وهو السيناريو المرجح حسب مراقبين وبنوك دولية.

مكاسب ضخمة

لم تعرف الجزائر طفرة في عائدات النفط منذ عام 2014، وهو تاريخ الخروج من البحبوحة المالية ودخول عهد التقشف وترشيد الإنفاق، ولم يندرج هذا الارتفاع في حسابات الحكومة الحالية التي بنت ميزانيتها على سعر برميل في حدود 50 دولارًا.

ويتوقع الخبير في الطاقة ومدير معهد "إيمرجي" للأبحاث بباريس، مراد برور، أن "تكسب الخزينة العمومية بين 1.3 مليار وملياري دولار إضافية عن كل شهر، كفارق بين السعر المرجعي في الموازنة العامة والأسعار في الأسواق".

ويلفت إلى أن "توقعات الحكومة تشير إلى ملامسة عائدات النفط نهاية السنة عتبة 50 مليار دولار، وذلك قبل تجديد عقود الغاز ومراجعة الأسعار فيها مع ايطاليا وفرنسا سابقا، ومع إسبانيا في الأيام المقبلة، ما يعني عائدات أكثر من توقعات الحكومة".

ويضيف برور لـ" العربي الجديد": "لا ندري ماذا سيحدث مستقبلاً ولا مدة الانتعاش في الأسعار، لكن من المؤكد أن الجزائر، التي تضررت كثيرا منذ 2014 بتراجع أسعار النفط، تستفيد حالياً من صعود الأسعار".

ويتابع الخبير الجزائري أن "صادرات البلاد من النفط ارتفعت من 20 مليار دولار سنة 2020 إلى 35.4 مليار دولار السنة الماضية، إلا أن هذا لم يكن كافياً لإحداث توازن مالي، كما حدث سنة 2008 عندما لامس سعر النفط 148 دولارا، ما قفز بعائدات الجزائر النفطية إلى 80 مليار دولار".

مساعٍ حكومية

وسع انتعاش عائدات الطاقة هامش تحرك الحكومة الجزائرية، التي دخلت في سباق مع عقارب الساعة لامتصاص شيء من غليان الشارع الجزائري، الغاضب من التهاوي المتسارع في قدرته الشرائية المتأثرة بفقدان الدينار بريقه وارتفاع التضخم من 7 إلى 9.7 في المائة خلال سنة واحدة، حسب مؤشر الديوان الجزائري للإحصاء الذي حصلت عليه "العربي الجديد".

وقررت الحكومة بأوامر من الرئيس عبد المجيد تبون إقرار زيادات على أجور العمال والمتقاعدين ومنح البطالة بدءا من 2023، وإعداد موازنة السنة المقبلة برفع فاتورة الدعم، وخفض بعض الرسوم والضرائب غير المباشرة، كضريبة الاستهلاك على أسعار بعض المواد المنتجة محليا أو المستوردة.

وفي السياق، يقول الأمين العام للنقابة الجزائرية لعمال التربية بلعمري محمد إن "العمال ينتظرون أن تكون الزيادات في الأجور في مستوى طموحات وتطلعات موظفي القطاع، الأجور ستتضح بعد مراجعة النظام التعويضي ومراجعة المنح والنسبة المئوية لها بما يتلائم ومتطلبات الحياة المعيشية في الوقت الراهن، خاصة أن القدرة الشرائية خلال السنوات الأخيرة تعرف تراجعاً ملحوظاً".

ويدعو النقابي الجزائري في حديث مع "العربي الجديد" "الجهات الوصية إلى ضرورة التعامل مع الملف بكل جدية، وذلك لحساسية الملف، الذي من شأنه أن يضمن استقرار البلاد".

جيوب منهكة

ووسط تضارب أرقام عائدات النفط، وأمام نزولها وصعودها، يبقى المواطن الجزائري ينتظر تأثيرها وانعكاسها على واقع معيشته التي تتميز بالغلاء، حيث لا تزال قفزات الأسعار تتواصل في الأسواق الجزائرية، وسط استقرار الرواتب والمعاشات.

في ساحة "أول مايو" وسط العاصمة الجزائرية، يؤكد المواطن إبراهيم بن رياض لـ"العربي الجديد" أن "الجزائريين وبحكم التجربة باتوا لا يتفاعلون مع أخبار أسعار النفط، صعدت أم نزلت، لا شيء يتغير في حياتهم، وإن تغير فإلى الأسوأ". ويضيف المواطن الجزائري أن "الحديث عن رفع الرواتب هو حديث قديم-جديد، يسبقه دائما جدل كبير، وفي الأخير تُضاف دنانير قليلة في الرواتب، يلتهمها التضخم".

من جانبه، يقول مصطفى نايت مقران، موظف في القطاع الحكومي، إن "ارتفاع عائدات النفط لا يعني دخولها في جيوبنا لأنها لن تصل، ممكن أن تضخها الحكومة في ميزانية الدعم، أو لدعم الدينار وخفض تكلفة الاستيراد، وكل هذا لن يكون غدا، بل بعد أشهر، المواطن لا يجد ما يأكله اليوم، يريد حلولاً لحاضره وليس لمستقبله".

وبتحليله للأسواق الجزائرية، يؤكد مصطفى زبدي، رئيس جمعية حماية المستهلك الجزائرية، أن "الأسواق لن تستفيد عاجلا من طفرة عائدات النفط، لأن التدابير الحكومية ليست مباشرة إلى حد الساعة، يجب الانتظار حتى مطلع السنة، ونرى كيف ستُسير الحكومة ملف التجارة الخارجية، وكيف سيكون حال الدينار، ونسب النمو، أما في الوقت الراهن، فموجات الغلاء قد تتضاعف، بسبب تحرك بارونات الاحتكار لتحصين أسواقهم".

ويتابع نفس المتحدث لـ"العربي الجديد" أن "المواطن ينتظر أن يكون تأثير انتعاش عائدات النفط على معيشته مماثل لتأثير سياسة التقشف سابقا على حياته، وهذا من حقه، والكرة الآن في ميدان الحكومة التي وعدت بتحسين معيشة المواطن وقدرته المعيشية، حتى لا تهتز الثقة بينه وبين مؤسسات الدولة".

المساهمون