يؤكد خبراء ضرورة إصلاح الإدارة والجمرك في اليمن، توازياً مع ما يطالب به صندوق النقد الدولي من إزالة القيود المفروضة على استعمال العملة الأجنبية لزيادة حجم المشاركة في المزادات الخاصة بالعملة الأجنبية، وإجراء إصلاحات واسعة في القطاع المالي وإدارة الموارد العامة للدولة.
كذلك ينصح الصندوق بالاستمرار في تحقيق التقدم عن طريق اعتماد سعر الصرف السائد في السوق في احتساب الإيرادات الجمركية، وتسريع عجلة إصلاح إدارة الموارد العامة لأجل تعزير الحوكمة الرشيدة، والاستخدام الكفؤ للموارد النادرة.
ويرى فريق من خبراء الصندوق الذي زار اليمن في الآونة الأخيرة أن إصلاحات السياسات التي تحقّقت مؤخراً ساعدت في تعزيز سعر الصرف والاستقرار الاقتصادي، في الوقت الذي يواجه فيه اليمن صعوبات وتحديات بالغة لتنفيذ الخطط التي ينفذها في عملية الإصلاحات الاقتصادية والمالية والإدارية الشاملة لتحقيق الاستقرار على مستوى الأوضاع العامة وتعزيز وتنمية الموارد العامة للدولة.
في السياق، يتحدث الخبير في معهد العلوم المالية والاقتصادية، مجدي عامر، عن أن اليمن يعاني من مشكلة مزمنة تتمثل في ضعف قدراته الاقتصادية والإدارية والمالية وتأثير ذلك في صعوبة التعامل واستيعاب التمويلات الدولية الموجهة لدعم المالية العامة ومشاريع التنمية الاقتصادية.
ويوضح في حديث لـ"العربي الجديد" أن ذلك تجسد مؤخراً في طريقة التعامل مع المنحة المالية المقدمة من صندوق النقد منتصف العام الماضي والتي يطلب على إثرها تصميم خطط إصلاحية متعددة في الجوانب الاقتصادية والنقدية والتي تركزت مرحلتها الأولى في تصحيح اختلالات السياسة النقدية وضبط فوضى سعر الصرف وتضييق فجوة الانقسام المؤسسي والمالي في البلاد، والذي أدى إلى تنفيذ طريقة المزادات في العملة الأجنبية لتمويل الواردات السلعية.
ويؤكد مسؤول مصرفي انتظام صرف المرتبات لموظفي قطاعات الدولة، خصوصاً في المناطق والمحافظات الواقعة تحت سيطرة الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً والتي ساعدت فيها مزادات بيع العملة الأجنبية التي تقام أسبوعياً رغم شح الإيرادات التي يستقبلها البنك المركزي. وبحسب صندوق النقد، فإن العمل بإجراء مزادات العملة الأجنبية قد عزّز توفير المخصصات لموارد العملة الأجنبية بطريقة كفوءة، كما ساعد في تمويل الواردات بالغة الأهمية، رغم أن مشاركة المصارف في المزادات كانت ولا تزال غير متّسقة.
هذا إضافة إلى أن اعتماد سعر الصرف السائد في السوق في حساب الإيرادات النفطية في الآونة الأخيرة، مدعوماً بارتفاع أسعار النفط، قد خفّض الحاجة إلى التمويل النقدي لعجز الموازنة، في الوقت الذي وفّر فيه مساحةً في المالية العامة للإنفاق الاجتماعي بدرجة أكبر، ولإعادة تأهيل البنية التحتية، وهو ما يتطلب زيادة حجم المشاركة في المزادات.
ويرى مسؤول في القطاع الخاص في اليمن، تحدث لـ"العربي الجديد"، أن هناك تبعات مكلفة للقرار الخاص بتقييم الدولار الجمركي عند 500 ريال مقارنة بنحو 250 ريالاً سابقاً، بالنظر إلى الفارق الذي يعتبر كبيراً جداً.
كما يؤكد الخبير المختص بالقانون التجاري فهمي غالب أن الرسوم الجمركية تضاعفت بعد تنفيذ القرار وهو ما يخالف القوانين اليمنية النافذة في هذا الجانب وفق حديثه، والتي تشير إلى أن الدولار الجمركي يحسب وفقاً لسعر البنك المركزي والذي لا يزال عند حدود 250 ريالاً للدولار، إذ يتسبب في مضاعفة أعباء الرسوم الجمركية والضريبية التي تتطلب توحيد منافذها وقنوات توريدها.
وفق تقارير رسمية، لا تزال الأوضاع الاقتصادية في اليمن في تدهور مستمر مع بقاء الأزمة الإنسانية الحادة قائمة، في حين أدى انقسام المؤسسات الاقتصادية بين طرفي الصراع والقرارات غير المنسقة المتعلقة بالسياسات إلى تفاقم الأزمة الاجتماعية والاقتصادية الناجمة عن الصراع الدائر الذي تجاوز عامه السابع.
ويؤكد البنك الدولي في تقرير حديث أن ذلك يتسبب في إرهاق الجهات المانحة، والزيادة الحادة في الأسعار العالمية للسلع الأولية، والظروف المناخية المناوئة والتي تشكل تهديد خطيرا للأوضاع الاجتماعية والاقتصادية المتردية بالفعل.
وتشير المعلومات المتاحة إلى أن الاقتصاد اليمني استمر في الانكماش في عام 2021، متأثراً بعدم استقرار الاقتصاد الكلي، وتصاعد الأعمال العدائية، فيما ظل حجم إنتاج النفط أقل كثيراً من مستويات ما قبل الصراع، على الرغم من التحسينات الطفيفة التي شهدتها السنوات الأخيرة.
كما يعاني النشاط الاقتصادي في اليمن من الأعمال العدائية، وتوقف الخدمات الأساسية (الكهرباء والاتصالات)، والنقص الحاد في المدخلات، وهو ما تفاقم بسبب الازدواج الضريبي والتشوهات الناجمة عن قرارات السياسة غير المنسقة من قبل السلطتين.
ويشير الباحث الاقتصادي عصام مقبل، لـ"العربي الجديد"، إلى مشكلة أخرى تشكلت في اليمن إلى جانب الانقسام في السلطات المالية والنقدية تتمثل في النظام الإداري الرسمي المتبع والمتعمد على المحاصصة والذي يضاعف القيود البيروقراطية في هذا الجانب وتأثير ذلك على الإدارة الاقتصادية في البلاد، وذلك بالنظر إلى السياسات المنتهجة من قبل بعض الأطراف المشاركة في السلطات المتعددة في البلاد والتي تتصرف بطريقة الاستحواذ وأن لها حقاً في إيرادات بعض القطاعات العاملة في نطاق سيطرتها ووجودها الجغرافي.