في الوقت الذي تتسع فيه فجوة الهدر والفساد، تسارعت وتيرة التحركات في اليمن بأكثر من اتجاه للحصول على موارد مالية لمواجهة الالتزامات المتصاعدة لتلبية احتياجات الأسواق اليمنية من السلع الغذائية والاستهلاكية في شهر رمضان.
وترتبط عملية الحصول على أي مساعدات مالية بتضييق فجوة الهدر المالي المتسعة في اليمن وتطوير أداء الجهاز المصرفي والسياسة النقدية والاستخدام الأمثل لأي وديعة مالية وتجاوز ما رافق استخدام التمويلات السابقة من اختلالات وهدر وفساد، فيما بدأت بعض الخطوات والمؤشرات تلوح في الأفق للعمل على تضييق حدة الانقسام المالي والنقدي والمصرفي.
وقال مصدر حكومي مسؤول لـ"العربي الجديد" إنّ اليمن ينفذ منذ نوفمبر/ تشرين الثاني 2021، حزمة واسعة من الإصلاحات في الجوانب المالية والإدارية وسد منافذ الهدر والفساد وتفعيل الدورة النقدية واستعادة عملية التحكم في الإيرادات العامة.
وألمح المسؤول الحكومي إلى أنّ مسارات المفاوضات الهادفة إلى الحصول على أي وديعة مالية جديدة توضع في البنك المركزي اليمني، ترتبط بما تنفذه الحكومة اليمنية من خطط وبرامج في الإصلاحات الاقتصادية، وأيضاً في استعادة تصدير النفط من بعض الحقول التي يجري العمل على استعادتها حالياً كما هو حاصل في شبوة جنوب شرقي اليمن.
وأعلنت كلّ من الرياض وأبوظبي، أخيراً، منح اليمن مساعدة بوديعة مالية تقدَّر بنحو 3 مليارات دولار بواقع ملياري دولار من السعودية ومليار دولار من الإمارات.
ويعول اليمن كثيراً على الدعم الذي تقدمه السعودية لتعزيز الاستقرار الاقتصادي ودعم العملة المحلية وتحسين الخدمات المقدمة إلى المواطنين، وكذلك تنسيق الجهود المشتركة لهذا الغرض بين البنك المركزي اليمني والبنوك المركزية والمؤسسات المالية في منظومة دول مجلس التعاون الخليجي.
في السياق، تُبذل جهود بوتيرة بطيئة في الاتجاه الآخر المتمثل بتضيق الفجوة المتسعة في الانقسام المالي الحاصل في اليمن بين صنعاء وعدن، إذ سبّب هذا الانقسام جزءاً كبيراً من الكوارث الاقتصادية التي يعيشها اليمن منذ نهاية عام 2016.
وفي ما يبدو مؤشراً على بداية اختراق لحدة هذا الانقسام، كانت هناك إجراءات مشابهة يلاحظ مراقبون أنّها غير عفوية، كما الخطوة التي اتخذتها الحكومة اليمنية في عدن بقرار تحويل رواتب الموظفين المدنيين لصرفها عبر بنك التسليف التعاوني الزراعي "كاك بنك" الحكومي، فيما الخطوة نفسها اعتمدتها صنعاء التي صرفت خلال الشهر الماضي على غير العادة نصف راتب للموظفين المدنيين، مع حصر صرفها ببنك "كاك بنك" نفسه في العاصمة.
تتطلب المرحلة الراهنة في اليمن التركيز على الملف الاقتصادي ومواجهة الأزمات الملتهبة منذ بداية العام الحالي، في ظل انخفاض حدة المواجهات العسكرية في الجبهات المشتعلة.
ويقول رئيس جمعية البنوك اليمنية محمود ناجي، في تصريح لـ"العربي الجديد" إنّ جمعية البنوك بذلت الكثير من الجهود خلال السنوات الماضية لإيجاد نوع من التفاهم بين البنكين المركزيين (في عدن وصنعاء) على نطاق الدور الإشرافي والتنظيمي لكلّ منهما في القطاع المصرفي، ولم تكلل تلك المحاولات بالنجاح بسبب تصلب موقف البنك المركزي في عدن حول هذه القضية، وفق ناجي.
لكنّه يلفت إلى اختلاف الأمر في الوقت الراهن، بعد تعيين قيادة جديدة للبنك المركزي في عدن، إذ تبذل الجمعية، حسب ناجي، جهودها مع البنكين المركزيين لتسهيل ترحيل الرصيد النقدي من العملة الأجنبية في خزائن البنوك إلى حساباتها مع البنوك المراسلة لها في الخارج، حيث تأمل الجمعية أن تكلل تلك الجهود بالنجاح.
ويتطرق ناجي إلى الحرب الروسية في أوكرانيا ومدى تأثيرها في القطاع المصرفي اليمني، إذ يوضح أنّه تأثير محدود بالنظر إلى علاقة البنوك اليمنية بالبنوك الخارجية والتي كما هو معروف أصبحت محدودة بعد القيود التي فرضتها البنوك الخارجية على تعاملات البنوك اليمنية معها عند تفاقم الأزمة السياسية في البلاد.
ومنذ نحو أسبوع شهد الريال اليمني تحسناً ملحوظاً مقابل العملات الأجنبية؛ إذ بلغ سعر صرف الدولار الواحد 950 ريالاً في تداولات الأسبوع الماضي، مقابل 1270 مطلع إبريل/نيسان الجاري. وعلى إثر ذلك، أعلنت الحكومة اليمنية تخفيض أسعار البنزين في مناطق سيطرتها، إثر تحسن ملحوظ بسعر الريال أمام العملات الأجنبية.
وقالت شركة النفط اليمنية في العاصمة المؤقتة عدن (جنوب)، مساء الجمعة، في بيان، إنّه "تم إقرار خفض في أسعار الوقود إلى 20 ألف ريال (20 دولاراً) لصفيحة البنزين سعة 20 لتراً".
منذ نحو أسبوع شهد الريال اليمني تحسناً ملحوظاً مقابل العملات الأجنبية؛ إذ بلغ سعر صرف الدولار الواحد 950 ريالاً في تداولات الأسبوع الماضي، مقابل 1270 مطلع إبريل/نيسان الجاري
ويقول الباحث الاقتصادي مختار الدعيس في حديثه إلى "العربي الجديد" إنّ الحكومة اليمنية فشلت من ناحيتها في إحداث ردة فعل محفزة للمانحين والشركاء والمجتمع الدولي، مثل استيعاب منحة المشتقات النفطية المقدمة لمحطات الكهرباء العامة، والكثير من الإجراءات والخطط الإصلاحية التي يلاحظ بطؤها الشديد.
يتابع قائلاً إنّ ذلك يأتي إلى جانب الهدر والفساد في التعامل مع الموارد المتاحة أو في عملية استخدام التمويلات والمنح المقدمة لليمن، والموارد المحلية المشتتة بين أطراف الحرب، إذ ينعكس ذلك على محدودية تأثير هذه الإجراءات في وضع حد للاختلالات المالية والمصرفية المتفاقمة.