تستمر مآسي اليمنيين في التنقل بين المدن والمناطق في مختلف المحافظات، مع تضخم الصعوبات المعيشية أبرزها معاناة الأسر من صعوبات خدمات النقل في ظل تواصل الاضطرابات في البلاد.
كما قفزت تكاليف النقل للبضائع في اليمن خلال السنوات الثلاث الأخيرة، وتحديداً منذ عام 2020، بنسبة 800% مطلع العام الحالي، وفق تقارير رسمية.
وتواجه مئات الآلاف من الأسر داخل اليمن، حسب بيانات رسمية صادرة في يناير/كانون الثاني الماضي عن الاتحاد العام اليمني للغرف التجارية والصناعية، اطلعت عليها "العربي الجديد"، صعوبات في الوصول إلى خدمات النقل والمواصلات الداخلية، في حين تعرضت أكثر من 300 مركبة مدنية للاستهداف المسلح، كما تعرضت حوالي 100 مركبة لانفجار الألغام الأرضية نتج عنها مقتل 920 مدنيا منهم 213 طفلا و70 امرأة، خلال الفترة الأخيرة.
يقول أحد سكان صنعاء، عبيد المنتصر، لـ"العربي الجديد"، إنه عاجز تماما عن السفر إلى تعز جنوبي غرب اليمن لزيارة عائلته التي تقيم هناك بسبب تكاليف التنقل التي تتطلب مبلغا ماليا كبيرا لا يستطيع توفيره في ظل الظروف الصعبة الراهنة.
في السياق، اطلعت "العربي الجديد"، على معاناة عشرات العمال في مدينة عدن من محافظات تقع جنوبي وشمال غربي اليمن، يعمل معظمهم باعة جائلين أو في المطاعم والمقاهي، وفي محال بيع المواد والسلع الغذائية والاستهلاكية، إذ تأتي تكاليف النقل والمواصلات مع تباعد الطرقات بين المدن في طليعة الأسباب التي تمنعهم من زيارة عوائلهم في المحافظات الأخرى، في حين أضافت العديد من الصعوبات والأعباء للتنقل بغرض العمل والتجارة.
المواطن فهمي حارش (35 عاماً) من محافظة الحديدة ويعمل في أحد المطاعم بمدينة عدن، يصف لـ"العربي الجديد"، معاناته بسبب هذا الوضع بأنه مأساوي وكارثي، بينما يرى عبد الله (40 عاماً) ويعمل في محال تجاري بمدينة المكلا بحضرموت أنّ الطرقات تباعدت وحولت حياة اليمنيين إلى جحيم.
وكانت الحكومة اليمنية والمنظمات الأممية تأمل في المؤتمر الذي استضافته السويد في 27 فبراير 2023، بتغطية المانحين للفجوة والاحتياجات التمويلية في اليمن، بما يتيح استهداف تطوير القطاعات الحيوية والخدمية للدفع بعجلة التنمية خلال المرحلة القادمة، ومنها قطاعات الزراعة والثروة السمكية والنقل والطرقات، وكذا توفير أمن غذائي مستدام.
وتؤكد الحكومة اليمنية على ضرورة توسيع التدخلات وتقديم الدعم المناسب لهذه القطاعات، كون نسبة القوى العاملة فيها تتجاوز 70%.
وشهد قطاع النقل البري تغيرات جذرية خلال فترة الحرب، تمثلت أبرزها في إغلاق الطرقات الرئيسية بين المحافظات وصعوبة النقل للسلع والخدمات المختلفة عبر الطرقات البديلة ذات التكلفة والمخاطر العالية.
وأجبر ذلك الكثير من الناقلات وسائقي الشاحنات على سلك طرقات بديلة ووعرة، إلى جانب قيامهم وفي أحيان كثيرة بتفريغ البضائع المحملة على الشاحنات الكبيرة إلى مركبات صغيرة تستطيع العبور في الطرقات الترابية البديلة والوعرة، مما يزيد من تكلفة النقل.
ويوضح عضو في الاتحاد العام للغرف التجارية والصناعية، علي عيسى، لـ"العربي الجديد"، أن الاستقرار السلعي في اليمن يرتبط بدرجة رئيسية بحلحلة هذا الملف المعقد، حيث يعتبر هذه التعقيدات في النقل الداخلي من أهم المسببات في نقص المعروض وارتفاع الأسعار، وهو ما يجب أن تنظر إليه الجهات المسؤولة في البلاد باهتمام وجدية لتخفيف معاناة، ليس فقط القطاع الخاص التجاري بل اليمنيين بشكل عام.
إلى جانب إغلاق الطرقات الرئيسية واستمرارها في العام الحالي 2023، فقد شهدت الفترة الماضية زيادة كبيرة في الجبايات التي يراها القطاع الخاص غير قانونية من قبل النقاط الأمنية المنتشرة على الطرقات المختلفة، وبالذات الطرقات التي تربط الموانئ بمناطق الإنتاج والاستهلاك، وبالتالي زيادة التكاليف.
ويؤكد زيد عائض، وهو سائق شاحنة نقل تجارية، لـ"العربي الجديد"، أنه يدفع وغيره من السائقين العاملين في النقل التجاري مبالغ لتسديد مستندات بمسميات متعددة أكثر من 300 ألف ريال في الحمولة الواحدة من مناطق منافذ الاستيراد البحرية والبرية إلى مخازن التجار والتي تبعد عن المنافذ بمئات الكيلومترات.
وفي الوقت الذي يفتقد فيه اليمن لوجود شركات نقل حديثة ومنظمة في ظل بروز نوع من الاحتكار في هذا القطاع، تشير بعض التقديرات إلى وجود ما بين 37 إلى 40 نقطة تفتيش في الطريق من عدن إلى صنعاء، تسهم جميعها في تأخير وصول الشحنات التجارية وفرض إتاوات وتعرّضها للتفتيش المتكرر، وما يمثله ذلك من مخاطر أمنية واقتصادية على الحركة التجارية والصناعية.
ويرجع مهندس الطرقات، أكرم محمد، في حديثه إلى "العربي الجديد"، أسباب الاختناقات التي يشهدها قطاع النقل البري في اليمن إلى تدهور وضعية خطوط السير وسوء البنية التحتية لقطاع الطرقات والنقل البري وتوقف مشاريع الصيانة والترميم للطرقات بين المدن في ظل بروز طرقات بديلة وعرة.
ويشير إلى أن هناك العديد من الجسور استهدفت خلال الحرب ولا تزال مدمرة؛ إذ أدى ذلك إلى تقطيع أوصال خطوط السير في عدد من المناطق داخل البلاد، ومنها مثلا جسر منطقة كرش الذي كان يربط خط السير الرئيسي لمناطق تعز الشرقية بمدينة عدن.