فجرت الحكومة اليمنية أزمة كبيرة وغضباً واسعاً بعد موافقتها على مشروع عقد مع شركة اتصالات إماراتية لتقديم خدماتها في اليمن، ملقيةً بتبعات وتداعيات سلطت الضوء على طرق التعامل مع القطاعات الإيرادية والعقود والاتفاقيات الاستثمارية.
تأتي هذه الأزمة امتدادا للمنافسة الاقتصادية الدائرة بين الحكومة المعترف بها دوليا والحوثيين منذ الحرب في عام 2015، والتي زادت حدتها بدرجة رئيسية مع استهداف الحوثيين لموانئ تصدير النفط الحكومية نهاية عام 2022، إذ كان لهذه المنافسة تأثير ضار على الاستقرار المالي والنقدي لليمن ومضاعفة خسائر البلاد وتضخم الاحتياجات وتكاليف إعادة الإعمار.
وتقدر أحدث بيانات صادرة عن البنك الدولي مطلع العام الحالي 2023، احتياجات إعادة إعمار اليمن بنحو 25 مليار دولار تتركز في الأضرار التي لحقت بالبنية التحتية والمرافق الخدمية وقطاع الإسكان، الذي اعتبره البنك الدولي الأكثر تضرراً من النزاع، بالنظر إلى تعرّض 40% من المساكن لأضرار مادية.
ويتهم الباحث الاقتصادي علي قايد، في حديثه لـ"العربي الجديد"، النخب السياسية الحاكمة بالفساد والعبث بموارد اليمن السيادية في ظروف وأوضاع استثنائية لا تمتلك فيها الأطراف المتنازعة أي صفة قانونية وتشريعية تخولها المساس بهذه الموارد والقطاعات السيادية وتقاسم الموارد العامة.
واستعرضت الحكومة اليمنية في اجتماع عقدته على إثر الاحتجاجات وردود الأفعال الواسعة تجاه قرارها بالموافقة على اتفاقية الاستثمار في قطاع الاتصالات مع شركة (NX Digital Technology) الإماراتية ، مقترحات تشكيل جديد للجنة العليا للمناقصات والمزايدات بموجب المقترح المقدم من اللجنة الوزارية المشكلة من المجلس بهذا الشأن.
كانت "العربي الجديد" قد كشفت، استناداً إلى خبراء وبرلمانيين ومراجع قانونية وتشريعية يمنية، عن عدم مشروعية التعامل مع المشاريع والتعاقدات والتوريدات الحكومية في ظل تعطيل عمل أهم المرافق المختصة بهذه الأعمال والمشاريع كاللجنة العليا للمناقصات والمزايدات، إذ وجهت الحكومة في هذا الاجتماع الجهات المعنية بإعداد الشروط والمعايير اللازمة واستقبال طلبات الترشح للجنة بعد تفعيلها لمن تتوفر فيهم المعايير القانونية ومراجعة الطلبات ورفع النتائج إلى مجلس الوزراء للنظر فيها وإقرارها.
وتقول الحكومة اليمنية إنها تبذل أقصى الجهود والطاقات الممكنة والإمكانيات المتاحة للوصول إلى مستوى مقبول من الخدمات المقدمة للمواطنين في مختلف القطاعات، وترتيب أولويات الإنفاق وإدارة الموارد المالية المتوافرة بما ينعكس إيجاباً على الواقع الخدمي والاقتصادي.
ويعيش اليمن منذ العام الماضي على وقع صراع طاحن يتركز في قطاع الاتصالات وشركات الهاتف النقال وخدمات الإنترنت التي تقدمها والاستثمارات الجديدة التي بدأت بالتسلل مؤخراً إلى هذا القطاع الحيوي الذي يعتبر من الموارد الرئيسية في البلاد، في الوقت الذي تشهد خدمات الاتصالات تدهورا كبيرا، خصوصاً في عدن ومناطق إدارة الحكومة المعترف بها دولياً.
يأتي ذلك، بعد أن أقدمت جهات محسوبة على الحكومة اليمنية في عدن منتصف العام الماضي على إيقاف المراكز التابعة لشركة الاتصالات الجديدة، وهي شركة اتصالات عُمانية، استحوذت على شركة "إم تي إن" قبل انسحابها من اليمن، إذ لا تزال خدمات الشركة منقطعة في عدن، حيث يزيد عدد مشتركيها عن مليون مشترك، بحسب مسؤولين في الشركة بصنعاء.
كما كانت مجموعة استثمارية يمنية قد أعلنت، في نوفمبر الماضي، استحواذها على شركة واي للهاتف النقال التي تعمل في اليمن منذ ما قبل الحرب، وتوجها لإدارتها وتشغيلها في عدن ومناطق الحكومة اليمنية، لكنها تعثرت كما يلاحظ لأسباب يردها البعض للمنافسة والصراع الدائر بين شخصيات وأطراف ورجال أعمال ومسؤولين حكوميين.
لا يتوقف ذلك عند قطاع الاتصالات، فقد شهدت السنوات الماضية اتفاقيات وعقودا خضعت للتغيير والتعديل في وثائق الاستثمار والتشغيل والإنتاج بصورة غير قانونية، كما يؤكد ذلك الخبير القانوني المختص بالاستثمارات النفطية والاستخراجية هشام ناجي لـ"العربي الجديد".
وتخضع المحافظات اليمنية المنتجة للنفط والغاز، مأرب وشبوة وحضرموت، الواقعة شرق وجنوب شرق اليمن، لسيطرة الحكومة المعترف بها دولياً، إذ تراجع إنتاج النفط بحسب البيانات الرسمية إلى أقل من 80 ألف برميل تقدر عائداتها بحوالي مليار دولار، وذلك بعد أن كان اليمن ينتج قبل الحرب أكثر من 150 ألف برميل يومياً.
ويتوقع مراقبون أن تشهد الفترة المقبلة احتدام الصراع في القطاع النفطي والغازي وعقود الاستثمار لاستغلال الخارطة النفطية لليمن التي تزيد على 105 من القطاعات الواعدة التي تمتلك كل المتطلبات والمميزات الجاذبة للشركات العالمية للاستثمار فيها، في حين يصل عدد القطاعات المستغلة حتى الآن 12 قطاعاً فقط.
ويتطرق الخبير الاقتصادي والمسؤول السابق في الحكومة اليمنية مطهر العباسي، إلى نقطة مهمة في هذا الخصوص في حديثه لـ"العربي الجديد" تتمثل في تأثير هذا الصراع على شفافية إدارة وتحصيل الموارد من قبل جميع الأطراف وعملية الإنفاق، كإيرادات وعائدات تصدير النفط والغاز، والجبايات من إيرادات الضرائب والجمارك وعائدات قطاع الاتصالات وغيره من القطاعات الاقتصادية الإيرادية.