تتجه أسعار النفط نحو"دورة فائقة" في الطلب خلال الصيف الحالي والسنوات المقبلة، حسب توقعات العديد من المصارف وخبراء طاقة.
ورفعت العديد من المصارف الاستثمارية الكبرى توقعاتها لأسعار النفط في النصف الثاني من العام، إذ أبدى كلّ من مصارف "غولدمان ساكس" و" جي بي مورغان" و"باركليز" تفاؤلاً بحدوث قفزة في الطلب العالمي على الخامات، وبالتالي حدوث قفزة في الأسعار.
بل إنّ مصرف "باركليز" البريطاني يرى أنّ العالم في بداية "دورة فائقة" في الطلب على المشتقات النفطية تتفوق على المعروض من الخامات المعروضة في السوق وأنّ هذه الدورة ستستمر لسنوات خلال العقد الجاري.
في هذا الشأن، توقع مصرف "غولدمان ساكس" في مذكرة يوم الجمعة الماضي ارتفاع أسعار النفط إلى 80 دولاراً للبرميل خلال الصيف الجاري.
ويرجع خبراء ارتفاع أسعار النفط إلى 4 عوامل رئيسية، هي: التطعيم السريع والمكثف ضد فيروس كورونا في كلّ من الولايات المتحدة وأوروبا، والنمو الاقتصادي السريع في الصين، وفوز الحزب الديمقراطي في الانتخابات الأميركية، وعودة منظمة أوبك للعب دورها التقليدي في تحديد سعر مؤشري.
على صعيد العامل الأول الخاص بالتطعيم ضد جائحة كورونا، ساهم التطعيم حتى الآن في تعزيز توقعات النمو الاقتصادي في الاقتصادات الكبرى وعودة الحركة والتنقل والسفر في الولايات المتحدة والصين، وهما أكبر اقتصادين مستهلكين للخامات النفطية، إذ تستهلك الولايات المتحدة يومياً نحو 20 مليون برميل، كما تستهلك الصين، التي باتت أكبر مستورد للخامات، نحو 13 مليون برميل يومياً.
أما العامل الثاني فهو عودة منظمة أوبك للعب دورها التقليدي في تحديد سعر مؤشري، لخام برنت عبر التحكم في المعروض النفطي.
وتمكنت منظمة " أوبك" عبر التحالف مع كبار المنتجين خارجها من تبني خطة "التخفيض الكبير" في سقف الإنتاج التي ساهمت خلال العام الماضي من التغلب على الانهيار المدمر الذي اخذ سعر خام برنت إلى أقل من 19 دولاراً في إبريل/ نيسان الماضي، وتخفيض خام غرب تكساس إلى أقل من صفر لأول مرة في التاريخ.
ويرى المصرف في مذكرة لعملائه، أنّ عودة النفط الإيراني إلى الأسواق لن تكون مؤثرة على دورة الأسعار.
ومن المتوقع أن تحتاج حقول النفط الإيرانية لفترة زمنية للصيانة والتحديث حتى في حال رفع الحظر الأميركي والاتفاق مع الولايات المتحدة على شروط إعادة التفاوض حول البرنامج النووي.
ورغم الانخفاض الطفيف والطارئ الذي حدث في أسعار خام برنت في أعقاب رفع واشنطن عقوبات عن مسؤولين وشركات إيرانية، الأسبوع الماضي، لاحظ خبراء أنّ خام برنت عاد بسرعة للارتفاع فوق 72 دولاراً للبرميل.
تستهلك الولايات المتحدة يومياً نحو 20 مليون برميل، كما تستهلك الصين، التي باتت أكبر مستورد للخامات، نحو 13 مليون برميل يومياً
في ذات التوقعات المتفائلة، يرى خبير النفط والشريك بشركة "هايدرو كاربون كابيتال" مالكوم غراهام وود، أنّ الضغوط على أسعار النفط التي تسببت في تأرجح الأسعار خلال الربع الثاني الجاري، ستنتهي في النصف الثاني من العام، لأنّ الحياة ستعود إلى طبيعتها وتعود دورة التنقل والسفر واستهلاك المشتقات إلى طبيعتها في أميركا وأوروبا مع تكثيف التطعيم ضد فيروس كورونا.
ووفق توقعات مصرف الاحتياط الفدرالي (البنك المركزي الأميركي) فإنّ الاقتصاد الأميركي يتجه للنمو بنسبة 6.4% خلال العام الجاري، لكنّ العديد من المصارف ترى أنّ هذا التوقع متواضع وأنّ الاقتصاد الأميركي يتجه للنمو فوق نسبة 8%.
من جانبه، يتوقع الخبير النفطي غراهام وود في تحليله لصحيفة "فاينانشيال تايمز" أمس الاثنين، أنّ العالم سيواصل الاعتماد على النفط حتى العقد المقبل على أقل تقدير، وذلك على الرغم من استثمار الشركات في الطاقة النظيفة تحت وطأة ضغوط قوانين البيئة المتضمنة في اتفاق باريس لخفض التسخين الحراري.
ومن المتوقع أن تأخذ البدائل النظيفة للطاقة وقتاً في كلّ من أميركا والصين، فيما كلّ ما هو متوقع على المدى القصير هو التخلص من وقود الفحم الحجري.
في ذات الشأن، ترى شركة "ماكينزي" الأميركية، أنّ الطلب على النفط سيبلغ ذروته في العام 2029، لكنّ الطاقة الأحفورية ستواصل أهميتها في نظم الطاقة. من جانبها، ترى منظمة أوبك أنّ الطلب على الخامات النفطية سيرتفع إلى 6 ملايين برميل يومياً خلال العام الجاري.
أما العامل الثالث، فهو تخوف الشركات الأميركية من الاستثمار في النفط الصخري بسبب خطة الرئيس جو بايدن الخاصة بالمناخ. وكانت الخامات الصخرية من العوامل الضاربة لدورة انتعاش النفط في السنوات الماضية، إذ تستغل شركات النفط الصخري ارتفاع أسعار النفط في زيادة انتاجها بسرعة، وبالتالي ترفع من المعروض النفطي على حساب خامات منظمة أوبك.
وهذا العامل حول شركات النفط الصخري إلى "منتج مرجح" في الطلب والعرض النفطي في سوق الطاقة تحسب له دول أوبك ألف حساب في استراتيجيات الإنتاج والطلب المتوقع الذي يحدد المؤشرات السعرية.
أما العامل الرابع، فهو إحجام شركات الطاقة العالمية الكبرى عن وضع استثمارات جديدة في التنقيب والكشوفات وتطوير الحقول بسبب الاحتفاظ بالسيولة ودفع حوافز للمستثمرين في أسهمها. وهذا العامل ساهم في كبح المعروض النفطي المتوقع في المستقبل.
ولاحظ خبراء أنّ الشركات النفطية الكبرى في كل من أميركا وأوروبا حققت أرباحاً كبرى خلال الربع الثاني من مبيعات النفط، لكنّها في المقابل، لا تخطط لوضع السيولة التي ربحتها من دورة ارتفاع الأسعار في الصناعة النفطية.