النظام السوري يسعى لاستغلال مساعدات الزلزال لتقويض العقوبات الغربية

13 فبراير 2023
خلف الزلزال دماراً كبيراً (Getty)
+ الخط -

عقب قرار وزارة الخزانة الأميركية إعفاء سورية من العقوبات المفروضة بموجب قانون "قيصر" لمدة ستة أشهر لجميع المعاملات المتعلقة بالاستجابة للزلزال، وصل العديد من المسؤولين الدوليين إلى سورية تباعاً للوقوف على الاحتياجات الملحة في ضوء الزلزال الكارثي، الذي أودى بحياة آلاف الأشخاص، وشرد عشرات الآلاف في عموم البلاد.

ويأتي ذلك وسط مخاوف من استغلال النظام السوري هذا الانفتاح الدولي لسرقة المساعدات الدولية، وتعزيز سلطته، على حساب الضحايا. ونص القرار الأميركي، الصادر الخميس عن مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع لوزارة الخزانة الأميركية، على السماح لمدة 6 أشهر بجميع المعاملات المتعلقة بالإغاثة من الزلزال، التي كانت محظورة بموجب لوائح العقوبات السورية.

ويسمح القرار بتحويل الأموال من سورية وإليها بشأن التعامل مع الزلزال، لكنه يستثني عمليات استيراد النفط والمنتجات البترولية ذات المنشأ السوري إلى الولايات المتحدة، إضافة إلى المعاملات التجارية المرتبطة بأشخاص مشمولين بالعقوبات الأميركية. وهو يشمل المنظمات غير الحكومية والمنظمات الدولية وحكومة الولايات المتحدة الأميركية.

وقال نائب وزير الخزانة، والي أدييمو، إن العقوبات الأميركية لن تقف في طريق جهود إنقاذ حياة الشعب السوري، مشيراً إلى أن برامج العقوبات الأميركية تتضمن أصلاً استثناءات قوية للجهود الإنسانية. كما يؤكد العديد من المسؤولين الأميركيين والأوربيين، أن العقوبات المفروضة على النظام السوري لا تشمل المساعدات الإنسانية.

مساع للتلاعب

ورأى كرم الشعار، مدير البرنامج السوري في مرصد الشبكات السياسية والاقتصادية، عبر حسابه في "تويتر"، أن القرار محدود الأثر، لأن العقوبات لم تكن العائق الرئيسي للاستجابة الإنسانية في سورية، لكنه يُفقد النظام السوري إحدى أدواته لنشر الدعاية الكاذبة.

وأضاف الشعار أنه بالرغم من موافقة البنك المركزي التابع للنظام على منح الأمم المتحدة سعرا قريبا من سعر السوق لصرف الدولار، ما قد يقلل من المبالغ التي يستقطعها النظام نتيجة الفرق في تسعيرته للدولار وسعره الحقيقي، "لكن ثمة صعوبة بالغة في إلزام مصرف سورية المركزي بتوفير سعر صرف عادل للأموال المحولة من قبل الأمم المتحدة، ورأينا كيف فقدت مئات الملايين من خلال التلاعب بسعر الصرف في السنوات الأربع الماضية".

ومنذ حدوث الزلزال، يطالب النظام السوري برفع العقوبات المفروضة عليه بذريعة الحد من تداعيات هذه الكارثة. وفرضت الولايات المتحدة عقوبات على النظام السوري في يونيو/ حزيران الماضي، بموجب قانون "قيصر"، الذي ينص على معاقبة كل من يقدم الدعم العسكري والمالي والتقني للنظام السوري من الشركات والأشخاص والدول.

في غضون ذلك، أعلنت الوكالة الأميركية للتنمية، الخميس، أن الولايات المتحدة ستقدم مساعدة بقيمة 85 مليون دولار إلى تركيا وسورية بعد الزلزال المدمر الذي ضرب البلدين، مشيرة إلى أن التمويل سيجرى تسديده لشركاء على الأرض "بهدف تقديم المساعدة الطارئة الضرورية إلى ملايين الأشخاص، وخاصة تأمين مياه الشرب النظيفة والصرف الصحي لمنع تفشي الأوبئة."، وفق "فرانس برس".

ولوحظ أن القرار حظي باحتفاء وسائل اعلام مقربة من النظام، التي وصفته بأنه فرصة كبيرة أمام النظام للتحرك على الصعيد الاقتصادي في الفترة المقبلة.

ووصف موقع "أخبار دمشق الآن" القرار الأميركي بأنه "خطوة عملاقة نحو الأمام، ستتيح لأجهزة الدولة العمل بشكل جدي لتأمين المستلزمات الأساسية للناس، وتأمين حد أدنى من المشتقات النفطية والمحروقات وتحسين واقع الشبكة الكهربائية". وأضاف أن ذلك سوف يسمح "للعجلة الاقتصادية بالدوران، وبالتالي يمكن البدء بعملية إعادة الإعمار بمساعدة الدول الشقيقة التي ستجدها فرصة لا تتكرر لزيادة الدعم لسورية".

تقليل الأثر الاقتصادي

غير أن الصحافي الاقتصادي السوري فؤاد عبد العزيز قلل، في حديث مع "العربي الجديد"، من الآثار المحتملة لهذا القرار، ورأى أنه رغم أن القرار يسمح باستقبال أموال من الخارج كان النظام لا يستطيع الحصول عليها عبر تحويلها إلى البنوك السورية، مثل أموال السفارات السورية التي تجنيها من إصدار جوازات السفر مثلا، وهذا سوف يساعد في دعم خزينته، لكن السؤال هو عن حجم تلك الأموال فعلا التي كانت تهرب على أية حال بالحقائب الدبلوماسية.

وأشار إلى أن التعاملات التجارية للنظام مع الولايات المتحدة والغرب محدودة أصلاً، لكن إذا استقبل أموالاً، حتى لو كانت غير حكومية، من هذه الدول على بند الزلزال، فإن ذلك قد يسهم في تحسن سعر صرف الليرة في المرحلة المقبلة، في حال جرى ضخ هذه الأموال في الأسواق، ولم تذهب لحسابات مسؤولي النظام.

واستبعد عبد العزيز أن يكون حجم أي انفراج اقتصادي للنظام كبيراً، مشيراً إلى أن الاقتصاد السوري عانى أصلاً خلال العقود الماضية من مسألة تهريب الأموال السورية إلى الخارج، وليس إدخال الأموال من الخارج إلى سورية. 

ولفت إلى أنه حتى المساعدات العينية التي تصل هذه الأيام من بعض الدول يُسرق معظمها من جانب مسؤولي النظام، كما اشتكى العديد من الناشطين ممن يعيشون في مناطق سيطرة النظام، فما بالك بالأموال النقدية، مشيراً إلى تدخل الأجهزة الأمنية في قضية توزيع المساعدات التي يذهب معظمها أساساً إلى "الأمانة السورية للتنمية"، التي تشرف عليها أسماء الأسد، زوجة رئيس النظام السوري.

وكان النظام السوري طلب قبل يومين من الاتحاد الأوروبي مساعدات إنسانية للتعامل مع تداعيات الزلزال، وفق ما أعلن مفوض الاتحاد الأوروبي للمساعدات الإنسانية، جانيز لينارتشيتش، الذي قال إن الاتحاد الأوروبي يشجع أعضاءه على المساهمة، ونفى أن يكون للعقوبات تأثير على إيصال المساعدات الإنسانية.

كما أعلن الاتحاد الأوروبي عن استضافة مؤتمر للمانحين مطلع مارس/آذار المقبل دعماً لسورية وتركيا في أعقاب الزلزال المدمر.

وفود أجنبية في دمشق

 في غضون ذلك، وصل كل من رئيسة اللجنة الدولية للصليب الأحمر والمدير العام لمنظمة الصحة العالمية ومسؤول الشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة، إلى سورية، إضافة الى مساعد الأمين العام للشؤون الإنسانية ومنسق المساعدات الطارئة مارتن غريفيث.

وشهد القصر الرئاسي لرئيس النظام بشار الأسد نشاطا ملحوظا يوم الاحد، حيث استقبل الأسد وزير خارجية الإمارات عبد اللـه بن زايد وبحث معه آثار الزلزال، إضافة إلى استقباله المدير العام لمنظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم غيبريسوس، وتلقيه اتصالاً هاتفياً من الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني.

وفيما زار الوزير الاماراتي المناطق المتضررة من الزلزال، قال غيبريسوس إن زيارته إلى مدينة حلب أول من أمس كانت فرصة لتحديد المستلزمات الطبية والإنسانية الضرورية للتعامل مع المصابين من الزلزال، مشيراً إلى أن المنظمة أرسلت دفعة من الإمدادات الطبية الطارئة وستقوم بإرسال دفعة أخرى في الأيام المقبلة.

ورأى مراقبون أن النظام السوري يسعى لتحقيق مكاسب سياسية من الزلزال، ويضغط من أجل أن تمر المساعدات الخارجية عبره حصرا بعد التحرر تدريجياً من العزلة الدولية المفروضة عليه.

وفي السياق، دعت رئيسة اللجنة الدولية للصليب الأحمر السويسرية ميريانا سبولياريتش إيغر إلى ضرورة العمل مع جميع الجهات الدولية والعالمية لرفع العقوبات المفروضة سورية عقب الزلزال المدمر "الذي زاد من معاناة المدنيين بعد عقد كامل من الحرب". وجاء ذلك خلال لقائها مع محافظ الحسكة شمالي شرق سورية السبت الماضي.

 وإلى جانب حلفائه التقليديين، تلقى الأسد اتصالا من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، هو الأول من نوعه منذ تولي السيسي السلطة في العام 2014. كما تلقى اتصالا مماثلا من الرئيس التونسي قيس سعيّد الذي قرر الخميس الماضي رفع مستوى التمثيل الدبلوماسي مع النظام السوري في خطوة قد تمهد لإعادة العلاقات بشكل كامل بين الجانبين. كما تلقى اتصالا من ملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة، هو الأول من نوعه منذ أكثر من عقد. 

وتعهدت السعودية التي ما زالت تقاوم أي تواصل سياسي مع نظام الأسد، بتقديم مساعدات إلى مناطق متضررة تتضمن مناطق تحت سيطرة النظام، ستسلمها الهلال الأحمر التابع للنظام، دون تواصل مباشر مع حكومة النظام.

ويرى مراقبون أن هذه المبادرات قد تمهد لإنشاء قنوات سياسية مستدامة، فيما قلل آخرون من أثرها، خاصة أن الموقف الأميركي ما زال يرفض أي تطبيع مع نظام الأسد الذي لا شك أنه سيحاول استغلالها للحصول على مزيد من الشرعية السياسية، والدعم الاقتصادي، خاصة أن الزلزال جاء في وقت كانت مناطق سيطرته تعيش وضعا عصيبا من الناحية الاقتصادية.

وأكدت واشنطن أنها ستواصل تقديم المساعدات للسوريين في المناطق التي يسيطر عليها النظام عبر المنظمات غير الحكومية وليس عبر حكومة النظام.

المساهمون