المودعون اللبنانيون يرفضون مشروعاً "يدفن" حقوقهم

20 يوليو 2024
خلال تحرك في بيروت، 19 أغسطس 2023 (أنور عمرو/ فرانس برس)
+ الخط -
اظهر الملخص
- **احتجاز الودائع وتداعياته**: المصارف اللبنانية تحتجز أموال المودعين منذ خمس سنوات، مما يزيد من معاناة المواطنين في ظل ارتفاع تكاليف المعيشة. المودعون يرفضون خطط شطب الودائع.

- **مشروع القانون المثير للجدل**: التيار الوطني الحر يقترح إنشاء صندوق ائتماني لحفظ أصول الدولة، لكن المشروع يواجه انتقادات من جمعيات المودعين وخبراء اقتصاديين.

- **تحركات المودعين والانتقادات**: جمعية "صرخة المودعين" تواصل الضغط لاستعادة حقوق المودعين، والخبير محمد إبراهيم فحيلي يرفض مشروع الصندوق السيادي، مشدداً على ضرورة استعادة الثقة وبناء السيولة.

يستعد المودعون اللبنانيون لمعركة جديدة مع السلطات، وسط إصرار على إبقاء قضيتهم حاضرة ميدانياً وتسليط الضوء عليها باستمرار منعاً لـ"دفنها" أو التخلّص منها بخططٍ مقنّعة تصبّ باتجاه شطب الودائع وتبرئة المصارف.

وتواصل المصارف اللبنانية منذ نحو خمسة أعوامٍ احتجاز أموال المودعين وفرض قيود صارمة على السحوبات عبر تعاميم اقتطعت خلال هذه الفترة جزءاً كبيراً من قيمتها وحاصرت المستفيدين بمبالغ شهرية بالدولار الأميركي النقدي، لا تكفي لتأمين المواطن معيشته بالحدّ الأدنى، في ظلّ الزيادات الكبيرة في أسعار المواد الغذائية والسلع الاستهلاكية وأكلاف التعليم والمساكن والإيجارات والطبابة ومختلف الخدمات.

وفي آخر تحرّك لرفض ما أسموها "خطط شيطانية تناقشها اللجان النيابية لشطب الودائع والتخلّص من قضية المودعين"، نفذت جمعية "صرخة المودعين" تحركاً، الاثنين، أمام مقرّ مجلس النواب في بيروت، ملقية الضوء على أخطر ما في المشروع الذي تقدّم به التيار الوطني الحر (يرأسه النائب جبران باسيل)، خصوصاً على صعيد فك الارتباط بين المودع والبنك.

وبشأن ما يطالب به المودعون اللبنانيون، تقدّم تكتل التيار الوطني الحر البرلماني "لبنان القوي" عبر النائب سيزار أبي خليل باقتراح قانون الصندوق الائتماني لحفظ أصول الدولة وإدارتها، وقد لاقى اعتراض جمعيات المودعين وخبراء اقتصاديين وماليين، خصوصاً على صعيد المادة الخامسة منه التي تنصّ على أنه "يمكن لمن يرغب من المودعين طلب تسجيل الوديعة المترتبة له بذمة أي مصرف تجاري لبناني، لغاية ثلاثة ملايين دولار أميركي، في سجل الودائع الذي سيصار إلى إنشائه لدى مؤسسة ضمان الودائع، بهدف تمكين مؤسسة ضمان الودائع من شراء هذه الوديعة على مراحل حسب الإمكانات المتوفرة والناتجة عن حصة المؤسسة في أرباح الصندوق وأية هبات تتلقاها مؤسسة ضمان الودائع من الخزينة اللبنانية على قاعدة القرش الداير وفقاً لشروط محددة".

تفاصيل المشروع

ومن هذه الشروط، "أن تكون الوديعة معروفة المصدر وناتجة عن أعمال مشروعة ومسددة عن مصدرها الضرائب المستحقة عليها، يجرى تحويل الودائع القائمة بتاريخ 1/10/2019 من الليرة اللبنانية إلى الدولار الأميركي حسب سعر الصرف 1515 ليرة لبنانية للدولار الواحد، أن لا تكون الوديعة قد نشأت بعد 1/10/2019، ولا تؤخذ بالاعتبار أية زيادات لحقت الودائع بعد هذا التاريخ باستثناء ودائع الأجراء والموظفين التي نشأت بسبب علاقة العمل أو الوظيفة".

كذلك، يشترط أن "تُنزَّل الفوائد على جميع الودائع لتصبح واحداً ونصفاً بالمائة بصورة سنوية غير مركبة، كما لا تخضع الودائع التي لا تزيد عن 300 ألف دولار لعملية التدقيق لجهة المصدر، وتحل مؤسسة ضمان الودائع مكان المودع في علاقته مع المصرف، ويمكن إخضاع الضمان الاجتماعي والنقابات القانونية لأحكام خاصة في ما يعود لسقوف المبالغ الممكنة إعادتها".

انتقادات للمشروع

وفي سياق ما يطالب به المودعون اللبنانيون، يعبّر محمد إبراهيم فحيلي، خبير استراتيجي في مجال المخاطر وخبير اقتصادي نقدي، في حديثه مع "العربي الجديد"، عن رفضه "رفضاً قاطعاً الإجراء/القانون المقترح لإنشاء صندوق سيادي، أو مؤسسة خاصة أو أي اقتراح ولد من رحم السلطة السياسية الحاكمة لاسترداد الودائع".

ويشير فحيلي إلى أنّ هناك مخاوف رئيسية ربطاً بهذه "الخطوات"، منها قد يكون تأمين رأس المال الأولي الكافي للصندوق أمراً صعباً، خاصة في اقتصاد يعاني من ضغوط مالية، كما أن هذا الصندوق سوف يشجّع البنوك على اتخاذ مخاطر أعلى، على افتراض أن صندوق التعافي سوف ينقذها من حالة الإفلاس، كما سيكون من المستحيل ضمان شفافية وكفاءة إدارة الصندوق لتجنب الفساد وسوء تخصيص الموارد، وقد يؤدي تحويل الأموال من مجالات حيوية أخرى لإنشاء صندوق استرداد الودائع إلى زيادة الضغط على الاقتصاد.

ويضيف الخبير الاقتصادي النقدي أنه "لن يكون كسب ثقة الجمهور بالصندوق أمراً سهلاً، خاصّة بالنظر إلى انعدام الثقة الحالي بالقطاعين العام والمصرفي، ولن تكون لدى الصندوق سيولة كافية لتغطية طلبات المودعين واسعة النطاق أو المصارف الفاشلة، وقد يؤدي النفوذ السياسي إلى تقويض عمليات الصندوق وعملية صنع القرار، وبالتالي، وبالنظر إلى تحديات الفساد داخل الحكومة اللبنانية، يصبح إنشاء صندوق لاسترداد الودائع شبه مستحيل".

من ناحية ثانية، يقول فحيلي بشأن ما يطالب به المودعون إنه "يجب التأكيد أن اهتمام الحكومة يجب أن يصبّ في مصلحة كل المواطنين والاقتصاد بجميع القطاعات المنتجة"، لافتاً إلى أنه "في الاقتصاد، لا يوجد مفهوم لإعادة تكوين الودائع، فالكلام الصحيح يكون عن إعادة تكوين السيولة التي فقدت بسبب التوظيفات الفاشلة، وأيضاً إعادة تكوين رأس المال، وسداد المودعين بالكامل (حتى الخزينة الأميركية عاجزة عن تأمين السيولة الذي يطلبها المودعون اللبنانيون - أوراق نقدية)"، معتبراً أنّ "المطلوب الآن هو استعادة الثقة بين القطاع المصرفي والمجتمع اللبناني (أفراد ومؤسسات)، وهو ما لا يمكن تحقيقه من خلال محاولة القيام بالمهمة المستحيلة المتمثلة في سداد كل الودائع. وبدلا من ذلك، ينبغي أن تركز الجهود على طمأنة المودعين بشأن سلامة أموالهم في الحسابات المصرفية".

ويردف: "يجب على المصارف التجارية بناء السيولة اللازمة لتلبية طلبات العملاء على السحب والقروض، وتقع على عاتق المصارف مسؤولية دعم المصرف المركزي والتعاون معه في هذا المسعى، ومن الممكن تحقيق ذلك في بيئة اقتصادية داعمة".

ويلفت فحيلي إلى أن "عدداً من المصارف اللبنانية يستفيد حالياً من ارتفاع أسعار الفائدة في الولايات المتحدة الأميركية، ويختار استثمار السيولة المتاحة لديه في هذه الفرص ذات الفائدة المرتفعة بدلاً من تلبية مطالب المودعين بالسحب أو دعم الوكلاء الاقتصاديين المتعثرين مالياً، كما هو متوقع تقليدياً من البنوك. وقد جرى تمكين هذه الممارسة تحت إشراف مصرف لبنان من خلال التعاميم الأساسية 150 و154 و165. وعلى الرغم من أن هذا السلوك غير أخلاقي، إلاّ أن هذه المصارف تمكنت من تجميع سيولة صحية، ما سيساعدها في العودة إلى الخدمة الكاملة للاقتصاد اللبناني".

ويتابع: "من المهم ملاحظة أنّ المصارف توقفت عن دفع الفائدة على الودائع في عام 2020، ومنذ ذلك الحين، اعتمدت بشكل كبير على العمولات والرسوم المفرطة لتوليد الدخل. ويتعين على المصارف أن تتحمّل المسؤولية عن سوء إدارتها المخاطر، ولا ينبغي تأميم الخسائر الناجمة عن ذلك من خلال إنشاء صندوق لاسترداد الودائع أو صندوق سيادي".

المودعون اللبنانيون يتحركون

في إطار التحركات، يؤكد مصدر من جمعية صرخة المودعين، لـ"العربي الجديد"، أنّ الجمعية "مستمرّة، ونستعد لتحركات قوية على الأصعدة كافة، إذ لن نقبل بأي شكل من الأشكال بتمرير أي قانون لا يعيد كامل أموال المودعين من دون أي شطب، وسنواصل الضغط على الجهات المعنية لضمان تحقيق العدالة للمودعين واستعادة حقوقهم كاملة".

وتلفت الجمعية إلى أنّ "الحلول المطروحة لم تكن فعالة حتى الآن، وهناك حاجة ملحة لتدخلات جذرية وسريعة لإيجاد حلول عملية ومستدامة، ويتطلب الأمر إرادة سياسية حقيقية وتعاوناً بين جميع الأطراف المعنية لإيجاد طريق للخروج من هذه الأزمة وضمان حقوق المودعين واستعادة أموالهم بشكل عادل ومنصف".

أما بالنسبة إلى مشروع القانون الذي تقدّم به التيار الوطني الحر، فتقول الجمعية: "كانت لدينا ملاحظات كثيرة عليه، أبرزها كان عدم فك الارتباط بين المودع والمصرف في أي مشروع يهدف إلى الانتظام المالي أو رد أموال المودعين، ولقد قمنا بنقل هذه الملاحظات إلى النائب سيزار أبو خليل، على أمل أن تؤخذ بالاعتبار في أي تعديلات مستقبلية على المشروع"، مشيرة إلى أننا "نؤمن بأنّ أي قانون جديد يجب أن يكون مبنياً على مبادئ العدالة والشفافية، وأن يضمن حقوق المودعين بشكل عادل ومنصف".

كما تشير الجمعية إلى أن "ما تبقّى من أموال المودعين في المصارف اللبنانية يقدر بأكثر من 70 مليار دولار، ولكن العديد من المودعين اضطروا لسحب جزء من أموالهم بخسائر كبيرة خلال السنوات الخمس الماضية لتلبية احتياجاتهم المعيشية اليومية".

المساهمون