المواطن يسأل الحكومات: "إنتي جايه تشتغلي ايه؟"

07 مارس 2023
ماري منيب وعادل خيري في مسرحية إلا خمسة/ فيسبوك
+ الخط -

"إنتي جايه تشتغلي ايه؟"، بهذا السؤال الأشهر في تاريخ المسرح العربي ضحكنا كثيراً على الفنانة القديرة ماري منيب وهي تطرحه عدة مرات على الفنان المبدع عادل خيري في المسرحية الكوميدية "إلا خمسة" إنتاج 1963، ومع تكرار السؤال: " عبده... إنتي جايه تشتغلي ايه؟"، كانت ضحكاتنا ترتفع، وكأننا نسمع هذا "الأفيه" التاريخي لأول مرة.

سؤال ماري منيب صالح لأن يطرحه المواطن العربي الآن على حكومات بلاده التي لا يعرف لمعظمها دور سوى استسهال الاقتراض الخارجي والمحلي وزيادة الضرائب والرسوم، وزيادة أسعار السلع والخدمات، وفتح الأسواق المحلية على مصراعيها للمنتجات والبضائع المستوردة حتى لو كانت رديئة وضارة بالصحة العامة ومرتفعة السعر وتساهم في القضاء على الصناعة المحلية.

تحمّل الحكومة المصرية التجار والحرب مسؤولية قفزات الأسعار الأخيرة والتي أرهقت الأسرة، دون أن تحمّل نفسها المسؤولية المباشرة

في مصر تحمّل الحكومة التجار والحرب الأوكرانية مسؤولية قفزات الأسعار الأخيرة والمتواصلة والتي أرهقت الأسرة وقضت على القدرة الشرائية للمواطن، دون أن تحمّل نفسها المسؤولية المباشرة عن الأزمة، سواء عبر تجاهل القطاع الزراعي، أو الاعتماد على الخارج في تموين الأسواق المصرية، أو مساهمة سياساتها الاقتصادية القائمة على الاستدانة في تهاوي قيمة الجنيه وحدوث قفزة في سعر الدولار، وهو ما رفع كلفة الواردات.

وفي الجزائر تخرج علينا الحكومة من وقت لآخر لتصف التجار بالجشع والاستغلال والتربح على حساب المواطن، وتقر أمس الثلاثاء بسيطرة لوبيات على سوق الأدوية وتوزيعها، كما على أنشطة الصناعات الدوائية، ما تسبب في استمرار الاضطرابات في توفر بعض الأدوية، بما فيها الحيوية والخاصة ببعض الأمراض المزمنة كالسرطان، وفق تصريحات وزير الصناعة الصيدلانية علي عون الذي قال إن "سوق الأدوية في الجزائر متدهور"، وأقرّ صراحة بوجود "لوبيات كبيرة تسيطر على قطاع الصناعة الصيدلانية لا ترحم المرضى".

أما في المغرب فإن الحكومة باتت جزءاً من المشكلة وليس الحل، فهي السبب المباشر في حدوث زيادة قياسية للأسعار امتدت لمعظم السلع، سواء الغذائية أو الوقود وغيرهما، لأنها تتعامل مع المواطن بمنطق السمسار الباحث عن ربح، ولم لا، فرئيس الحكومة عزيز أخنوش ملياردير تبلغ ثروته 2.2 مليار دولار، ما يجعله من أغنى رجال الأعمال في أفريقيا، كما يمتلك شركات ومؤسسات اقتصادية هي من تقوم برفع الأسعار مثل محطات الوقود ومنتجات الألبان وغيرها.

وفي سورية فإن حكومة بشار الأسد لا تحمّل مسؤولية قفزات الأسعار إلى التجار الجشعين فقط، بل إلى مؤامرة كونية على البلاد، دون أن تتحدث ولو لمرة واحدة عن مسؤوليتها عن تهاوي الليرة، ورهن الاقتصاد السوري بدول خارجية مثل إيران وروسيا، وإنفاق الاحتياطي الأجنبي على شراء السلاح، أو تتحدث عن فشل حكومي مزمن في إدارة الملف الاقتصادي ومكافحة الفساد.

في سورية لا تحمّل حكومة بشار الأسد مسؤولية قفزات الأسعار إلى التجار الجشعين فقط، بل إلى مؤامرة كونية على البلاد،

يتكرر المشهد في تونس الغارقة في فوضى سياسية ومالية وعنصرية مقيتة ضد التجربة الديمقراطية الوليدة، وهو ما دفع البنك الدولي أمس لوقف مفاوضات الشراكة مع حكومة قيس سعيد، وقبلها أجّل صندوق النقد الدولي النظر في طلب الحكومة التونسية اقتراض 4 مليارات دولار رغم خفضه الرقم إلى 1.9 مليار دولار فقط.

فالدولة المتعثرة مالياً تغرق في بحار من قفزات الأسعار لأسباب عدة، من أبرزها انشغال النظام الحاكم بمطاردة المعارضين السياسيين والصحافيين وسجنهم، وتهاوي الإيرادات الدولارية على خلفية حالة عدم اليقين والغموض السياسي.

وفي الأردن عندما يئن الشارع من قفزات الأسعار يتم تغيير الحكومة وتعيين رئيس وزراء بفريق اقتصادي جديد، وكأن رجل الشارع تخدعه مثل هذه الألاعيب، خاصة أن الحكومة نفسها هي من ترفع الأسعار وتفرض المزيد من الضرائب.

أما في العراق، فإن الحكومة لا تستطيع أن توجه الأصابع الاتهام لسماسرة يحظون بدعم رسمي ومسؤولين مباشرة عن قفزات الأسعار، أو تلاحق مليشيات تتحكم في الأسواق والمعابر والحدود وتربط اقتصاد الدولة النفطية بالاقتصاد الإيراني.

يتكرر المشهد في السودان واليمن ولبنان وغيرها من الدول العربية التي تسجل أسواقها ارتفاعاً كبيراً في أسعار كل شيء، بما فيها المواد الغذائية، والمنزلية.

ببساطة، المواطن يسأل حكوماته: "إنتي جايه تشتغلي ايه؟" في ظل موجة تضخمية وغلاء فاحش وتنصل من المسؤولية والاكتفاء، إما بإلقاء التهمة على عوامل خارجية، أو القبض على مجموعة تجار تصفهم بالجشعين بحجة رفع أسعار المواد الغذائية واستغلال المواطنين، أو دعوة المستهلك إلى ترشيد الاستهلاك وعدم تخزين السلع.

وفي النهاية لا تعالج تلك الحكومات الأزمة من جذورها، بل ترى ووسائل إعلامها أن السلوكيات الشرائية للمواطنين ومحاولة تخزين السلع هي السبب وراء قفزات الأسعار.

المساهمون