المواطن الفلسطيني يكتوي بنار الأسعار: انفلات الأسواق

11 نوفمبر 2021
موجة غلاء ترهق الأسر الفلسطينية (عصام ريماوي/الأناضول)
+ الخط -

رغم تصريحات مسؤولي وزارة الاقتصاد الفلسطينية وتطميناتها بأنها ضبطت أسعار المواد الغذائية الأساسية ومعظم البضائع المستوردة في الضفة الغربية، إلا أن جولة قصيرة على الأسواق تظهر أن ارتفاعاً ملحوظاً ومتواصلاً خلال الأسابيع القليلة الماضية شهدته أسعار تلك المواد بصورة أثرت بشكل كبير على ذوي الدخلين المحدود والمتوسط.
ليس هذا وحسب، بل إن موجة غلاء عامة اكتسحت الغالبية العظمى من البضائع الأخرى، كالأدوات الصحية، والمستلزمات الطبية والأكسسوارات، ووصلت إلى محلات بيع المأكولات السريعة كالشاورما، والمطاعم الشعبية التي تبيع الحمص والفلافل، وحتى منتجات الكرتون والبلاستيك تضاعف ثمنها.

قفزات في الأسعار
تلك الارتفاعات انعكست سلباً على القدرة الشرائية للمواطنين، خاصة مع تدني مستوى المعيشة، حيث باتوا يخشون من عدم قدرتهم على توفير المستلزمات الأساسية لأسرهم، مثل الأرز والحبوب والزيوت، كما أن أسعار الدجاج اللاحم والبيض زادت بنسبة 30%، حسب تجّار ومواطنين تحدثوا لـ"العربي الجديد".
ورغم حديث كبار المستوردين عن ارتفاع عالمي للأسعار وتضاعف تكاليف الشحن عما كانت عليه سابقا، إلا أن المواطنين يرون ضعفا في الرقابة على الأسواق من الجهات المختصة، بالتزامن مع طمع لدى شريحة واسعة من التجار الذين رفعوا الأسعار دون أن تكون قد ارتفعت عليهم من المصدر.

ووفق مركز الإحصاء الفلسطيني (حكومي)، فقد سجل الرقم القياسي العام لأسعار الجملة في فلسطين (التضخم)، ارتفاعًا حادًا فاقت نسبته 4% خلال الربع الثالث من عام 2021، مقارنة بالربع الثاني من العام ذاته.
محمود أبو حسن، وهو موظف في شركة خاصة ومعيل لأسرة مكونة من ستة أنفار، أكبرهم في الثانوية العامة، يقول لـ"العربي الجديد": "هذا زلزال، ولا يمكن وصفه بأقل من هذا. جنون بكل ما تحمله الكلمة من معنى. من يقول إن هناك مبالغات وإن الأسعار لم ترتفع إما أنه لا يعيش بيننا، أو أن راتبه كبير جدا بحيث لم يتأثر بما يجري".
ويضيف المواطن الفلسطيني، متحدثاً لـ"العربي الجديد": "راتبي 800 دولار، لكن الدولار انخفضت قيمته بشكل كبير أخيرا، من 3.25 شيكلات إلى 3.11 شيكلات، ما ضاعف من وضعنا سوءا، ولا أحد يرحم، صاحب العمل يرفض زيادة الراتب، التاجر يطالبك بتسديد الدين، ويلقي بالمسؤولية على المستورد، الذي يقول إن الأزمة عالمية وإن مصاريف الشحن من الخارج زادت، وبالمحصلة المواطن البسيط هو الذي يدفع الثمن".

أما المواطن مؤيد عودة، فهو في حالة لا تقل سوءا، لكنه عاتب جدا على تقصير الجهات المختصة في تشديد الرقابة على الأسواق.
ويقول لـ"العربي الجديد": "يجب ألا نقبل بهذا الغلاء، وألا نشتري هذه السلع، لكن ما البديل؟ نحن لا نبحث عن الرفاهية، بل عن توفير الزيت والحليب والبقوليات لأطفالنا".

الخيار المتاح أمام عودة هو ترشيد الإنفاق إلى أقصى ما يمكنه، قائلاً: "نحن لا نريد أن نشتري اللحوم والأسماك، بل المواد الأساسية البسيطة، نسمع عن وزارة الاقتصاد ونسمع عن جمعيات حماية المستهلك، لكن على أرض الواقع لا وجود لهم، الطمع والاحتكار هو سيد الموقف".

غلاء عالمي وارتفاع الكلفة
أما تاجر المواد الغذائية جلال عقاد، فيقول لـ"العربي الجديد": "إن الأزمة عالمية، وكانت هناك تحذيرات أطلقتها منظمات إنسانية منذ عدة أشهر تحذر من المساس بقوت الفقراء في العالم أجمع، ويبدو أن أحدا لم يستمع لهم، لقد كانت كلفة نقل الحاوية من الصين إلى فلسطين 2800 دولار، وعندما ترتفع تصل إلى 3000، أما اليوم فوصلت إلى 18 ألفا، كلفة الشحن باتت أعلى من سعر البضاعة الموجودة في الحاوية".
ويضيف عقاد: "المواطن يحملنا نحن المسؤولية، لأننا على تماس مباشر معه، وينسى أن الأسعار ارتفعت علينا نحن أيضا من المصدر، هذا غير الضرائب التي تجبيها السلطة الفلسطينية".
من جهته، يؤكد الخبير الاقتصادي موفق شاكر، في حديث لـ"العربي الجديد"، أنه "يتوجب على الحكومة الفلسطينية أن تسارع لاتخاذ إجراءات تخفف على المواطن من الأعباء الإضافية التي من الممكن أن تستنزفه، وأن يتم إلزام القطاع الخاص بتحمل جزء من المسؤولية ليكون الهامش الربحي معقولا قدر الإمكان، أو أن تقرّ الحكومة الغلاء المعيشي للموظفين، فهم الفئة الأكثر تضررا، وأكثر من يلحظون فروقات الأسعار".

وأمام هذه التحديات، بات من الضروري، وفق شاكر، إعادة الاعتبار للصناعة والزراعة والتوجه للجمعيات والتعاونيات وإعادة هيكلة الاقتصاد، ودعم الحوافز الضريبية للمزارعين، وتطبيق الحد الأدنى للأجور، بالتزامن مع أهمية نشر الوعي بين المواطنين وتوضيح أسباب ارتفاع الأسعار، ومراقبتها بالتعاون بين الحكومة والقطاع الخاص.
وتتفق معه إلى حد كبير رئيسة جمعية حماية المستهلك في محافظة نابلس فيحاء البحش، وتقول: "يفترض على الحكومة أن توفر سياسات حماية للمواد الغذائية. الارتفاعات الحاصلة عالمياً على سعر السلع ستكون فلسطينياً على حساب المستهلك، الذي يظل يدفع قيمة الأسعار ذاتها وإن حصلت انخفاضات لاحقا".

وأشارت البحش في تصريحات صحافية، إلى أن الحكومة الفلسطينية يجب أن تقوم بتدخلات سريعة على المدى القصير، وذلك "بدعم السلع الأساسية لتخفيف وطأة الغلاء، ورقابة حثيثة على الأسواق بسبب الانفلات في الأسعار، ومراجعة معدلات الأجور وغلاء المعيشة وإحالتها على رواتب الموظفين بعيدا عن الأرقام المزورة".

متابعة الأسواق
ويرد مدير دائرة حماية المستهلك في وزارة الاقتصاد إبراهيم القاضي بقوله إن "الوزارة أولت الموضوع أهمية قصوى، وقاد وزير الاقتصاد خالد العسيلي بنفسه الفريق المكلف ببحث أزمة ارتفاع الأسعار، وعقدنا اجتماعات ماراثونية مع ممثلي مختلف القطاعات الإنتاجية وكبار مستوردي السلع الأساسية، الذين تعهدوا بالحفاظ على استقرار الأسعار، وعدم رفعها حتى نهاية العام الجاري، مع وفرة المخزون، مراعاة للظروف العامة".

ويؤكد القاضي، لـ"العربي الجديد"، أن عمليات المتابعة لحركة أسعار السلع الأساسية في السوق الفلسطينية اتجهت نحو الاستقرار، وقد لمس المواطن منافسة بين مكونات القطاع التجاري انعكست إيجاباً على انخفاض الأسعار.
وشدد القاضي على أن طواقم وزارة الاقتصاد تجوب كافة المناطق الفلسطينية وتتفقد الأسواق، وتدخل إلى المحلات وتعاين البضائع والأسعار، وقد أحالت عددا من المخالفين إلى النيابة العامة الفلسطينية لمكافحة الجرائم الاقتصادية، لتجاوزهم السقف السعري الاسترشادي.
ويدعو القاضي المواطنين إلى عدم التزاحم على شراء السلع الأساسية، والانجرار وراء الشائعات، مؤكدا استمرار عمليات توريد السلع من مختلف بلدان العالم، مع الآخذ بعين الاعتبار التأخر في عملية النقل والشحن في ظل زيادة الطلب العالمي على السلع.
ويتابع مدير دائرة حماية المستهلك في وزارة الاقتصاد قائلا: "أي تاجر لديه بضائع جديدة، سوف نقوم بعمل دراسة لها ونحدد له السعر على ضوء الكلفة الجديدة، فنحن لن نسمح بخسارة أي تاجر، مع مراعاة عدم تضرر أي مواطن".

المساهمون