المواطن أهم مليون مرة من تحسين المؤشرات

04 أكتوبر 2022
تتزايد الأزمات المعيشية على المواطنين (Getty)
+ الخط -

قلما توجد دولة على وجه البسيطة لا تعاني بشدة ماليا في الوقت الحالي، الكل يتألم ويئن ويشكو ضيق العيش وفرص العمل وغلاء الأسعار، حكومات وأفرادا ومؤسسات. الكل بات في سلة واحدة.

ونادرا ما تجد اقتصادا يفلت من تبعات الأزمات الطاحنة، سواء الناتجة عن تفشي وباء كورونا طوال عامي 2020 و2021، أو زيادة المخاطر الجيوسياسية واندلاع حرب أوكرانيا، وما تبعها من أزمات تضخم وطاقة.

وقلما تجد مواطنا على وجه الأرض بات في وضع مريح ماديا ولا يعاني من أزمات معيشية وغلاء في الأسعار وتآكل في قدرته الشرائية. وبسبب هذا الوضع المأزوم ألغى الملايين حول العالم برامج الترفيه والتسوق والسفر والرحلات وغيرها.

حتى المدخرات والثروات التي تراكمت في السنوات الماضية من قبل الأفراد أكلتها أيام كورونا الصعبة والتهمتها خسائرها الفادحة.

قلما تجد مواطنا على وجه الأرض بات في وضع مريح ماديا ولا يعاني من أزمات معيشية وغلاء الأسعار وتآكل القدرة الشرائية

ولذا فإن هناك أكثر من مليار نسمة حول العالم يعانون الجوع والفقر والبطالة في ظل الأوضاع الصعبة الحالية، بل ويتعرض مئات الملايين منهم لخطر الفقر المدقع ونقص التغذية والعطش وربما الموت وفقدان الحياة بسبب صعوبة الحصول على وجبة غذاء واحدة في اليوم.

حتى رجال الأعمال وكبار المستثمرين باتوا يعانون بشدة في ظل زيادة مخاطر التضخم وإصابة الأسواق بالركود والكساد، لأن هذه الحالة تقود تلقائيا إلى تراجع في أرباح الشركات والأسهم المقيدة في البورصة، وقبلها تدني المبيعات وفقدان الأسواق والعملاء، وربما وصل الأمر إلى حد التعرض للتعثر المالي وإفلاس المؤسسات التي يمتلكونها أو يساهمون بها، خاصة مع زيادة كلفة الإنتاج بسبب ارتفاع سعر الفائدة على القروض وأسعار المواد الخام والسلع الوسيطة وتكاليف الشحن، واستمرار أزمة الإمدادات العالمية.

لا أتحدث هنا عن طبقة محدودة من المليارديرات وأمراء الحروب والأزمات الذين يسكبون حتى في أسوأ الظروف، ويربحون مئات الملايين وربما المليارات على جثث الآخرين.

بل أتحدث عن الغالبية الساحقة من المواطنين حول العالم، شرقه حيث تهاوى الين واليوان والمصاعب الشديدة التي يعاني منها الاقتصادان الصيني والياباني، وحتى الاقتصاد الروسي الذي استنزفته العقوبات الغربية والحرب.

وغربا حيث يتعرض الاقتصاد الأميركي لموجة تضخم غير مسبوقة في الأسعار هي الأعنف منذ أكثر من 40 عاما، ومرورا بمواطني أوروبا الذين عادت بهم أزمة الطاقة وانقطاع الغاز الروسي لأجواء العصور الوسطى حيث استخدام الفحم والمازوت في توليد الكهرباء والتدفئة.

في الوقت الذي تتجاهل فيه حكوماتنا أزمات مواطنيها، وتدهسهم بزيادة الضرائب ورفع الفواتير، نجد الحكومات الغربية تسابق الزمن لتخفيف الأعباء المعيشية

ولن اتحدث هنا عن المواطن العربي والأفريقي غير الموجود أصلا على خريطة اهتمام الحكام حيث يئن تحت أوجاع الفقر والجوع والفساد والاحتكارات وإهدار المال العام من قبل الحكومات، والانفاق الكثيف على السلاح والمقار الحكومية، وتجاهل خدمات كثيرة منها التعليم والصحة.

الكل بات يعاني وبشدة، والسبب الأزمات المالية المتلاحقة، كورونا ثم تضخم وقفزات في أسعار كل شيء، ثم أزمات الوقود من نفط وغاز وكهرباء، وأزمة حبوب حيث غلاء القمح والذرة والزيوت.

لكن هناك فارقاً كبيراً بين المعاناة في دولنا العربية، ومعاناة المواطن الأميركي أو الغربي بشكل عام.

ففي الوقت الذي تتجاهل فيه معظم حكوماتنا أزمات مواطنيها المعيشية، بل وتدهسهم يوميا بزيادات في الضرائب والرسوم ورفع فواتير المياه والكهرباء والغاز والمواصلات والسلع الغذائية وغيرها من تكاليف الحياة، وتخفض الدعم وتتسول خارجيا ولدى المؤسسات المالية الدولية بمعاناتهم وآلامهم، نجد في المقابل أن الحكومات الغربية تسابق الزمن لتخفيف الأعباء المعيشية عن مواطنيها والمساعدة في خفض فاتورة الكهرباء والمياه والتدفئة والمواصلات العامة وغيرها.

ونظرة إلى الأموال والمساعدات الضخمة التي قدمتها الدول الغربية مؤخرا لمكافحة غلاء الأسعار ودعم الأسر المتضررة من الغلاء تلحظ أهمية ذلك المواطن، وأنه يشكل محور قرارات وتحركات الحكومات والمؤسسات الرسمية في بلده، وأن الحكومات تقف معه كتفا في كتف، تتقشف قبل مطالبته بالتقشف، وتخفض عنه الضرائب والرسوم.

هناك حكومات تتاجر بآلام مواطنيها، وتدعوهم للتقشف والحد من النسل وتناول وجبة واحدة، في الوقت الذي تواصل فيه سفه الإنفاق والاقتراض

ببساطة، هناك حكومات تتاجر بآلام مواطنيها، بل وتدعوهم للتقشف والحد من النسل وتناول وجبة واحدة يوميا، في الوقت الذي تواصل فيه سفه الإنفاق والاقتراض الخارجي والمحلي وشراء أحدث الطائرات والسيارات.

وهناك حكومات أخرى تسارع إلى اتخاذ قرارات في صالح الموطن منها زيادة الأجور وخفض الضرائب وتقديم مساعدات نقدية لسداد الفواتير، حتى لو أدى ذلك إلى زيادة الدين العام وعجز الموازنة، فهذه أمور تقع على الهامش في أوقات الأزمات من وجهة نظر تلك الحكومات، لأن المواطن أهم مليون مرة من تحسين المؤشرات المالية وتحقيق فائض أولي في الموازنة.

المساهمون