تأخذ الموازنة الليبية لعام 2021 مساحة من النقاشات في الحكومة والبرلمان على حد سواء، وسط آمال بأن تحقق أرضية لإطلاق مشاريع إصلاحية وتنموية، تتزامن مع تمويل برامج إعادة إعمار ما دمّره الصراع خلال السنوات الماضية.
ويقول عضو اللجنة المالية في مجلس النواب الليبي، عبد المنعم بالكور، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، إن مقترح الموازنة العامة المحال من حكومة الوحدة الوطنية قيمته 96.2 مليار دينار (21.5 مليار دولار). ولكن اللجنة المالية تطالب بتفاصيل حول البرامج المقدمة من قبل الحكومة حول الإنفاق في بنود الموازنة.
ويشير بالكور إلى أنه في حال تم التركيز على الإنفاق الاستهلاكي سوف تطالب اللجنة المالية بخفض قيمة الموازنة كثيراً، أما إذا تضمنت الأخيرة مشاريع التنمية وإعادة الإعمار، وتحسين الشبكة الكهربائية مع دعم مشاريع الشباب بالإضافة إلى إطفاء الدين العام، فسيتم اعتماد الموازنة بحجمها المقترح من قبل الحكومة.
ويوضح عضو اللجنة المالية أن الموازنة تتوزع على الباب الأول؛ الرواتب والأجور بقيمة 33.5 مليار دينار، والباب الثاني للنفقات الحكومية التسييرية بقيمة 12.4 مليار دينار، والباب الثالث المتعلق بالتنمية بقيمة 23 مليار دينار، والباب الرابع للدعم بقيمة 22 مليار دينار والباب الخامس للطوارئ بقيمة 5 مليارات دينار.
ويقول إن العجز يبلغ صفراً لهذا العام بسبب تحسن الإيرادات النفطية مع سعر الصرف الجديد 4.48 دنانير مقابل الدولار، متوقعاً وجود فائض في الموازنة العامة نتيجة تعديل سعر الصرف الموحد.
تورم في الموازنة؟
وتستكمل اللجنة المالية في مجلس النواب اجتماعاتها في العاصمة الليبية طرابلس، لمناقشة بنود مشروع الموازنة. الهدف هو دراسة أوجه الإنفاق والإيرادات، وإبداء الملاحظات لعرضها على البرلمان بعد الانتهاء من مراجعتها.
وتؤكد مصادر "العربي الجديد" أنّ الجلسة المقبلة لمجلس النواب ستكون مخصصة لاعتماد قانون الموازنة العامة الموحد للدولة لعام 2021.
ويعتقد بعض المتخصصين في الاقتصاد أنه من الصعب إعداد ميزانية لسنة 2021 بقيمة 96.2 مليار دينار، نظراً لأن عدداً من بنود الميزانية يتطلّب إنفاقاً مباشراً بالنقد الأجنبي والذي سيدفع إلى ارتفاع بنود الميزانية بالدينار الليبي لأن حجم الطلب على النقد الأجنبي المترتب على الإنفاق العام، في إطار الميزانية العامة للدولة، يقدر في المتوسط بحوالي 80 في المائة. ويتخوف المحلل المالي عز الدين عاشور من اندفاع الحكومة في اتجاه تورم الميزانية (نموها غير الطبيعي) بأبوابها الخمسة، نتيجة لتغيير سعر صرف الدينار الليبي مقابل العملات الأجنبية، وأن يتم التحفظ في تقديرات الإيرادات العامة بالدينار الليبي عند سعر صرف مستهدف في المستقبل.
ويشرح لـ"العربي الجديد" أن تمويل الميزانية يعتمد على إيرادات الدولة من النقد الأجنبي بنسبة تزيد عن 95 في المائة، الأمر الذي قد يغري الحكومة بالاندفاع نحو إعداد موازنة بنفقات كبيرة، مما يفقد الدولة الفرصة في المستقبل لرفع قيمة الدينار الليبي، بسبب حاجة الحكومة لتمويل الميزانية عند مستويات عالية.
ويضيف أنه من الممكن أن تتزايد المطالب بتخفيض قيمة الدينار لمجابهة حجم الإنفاق الحكومي في المستقبل، ما يدفع نحو مستوى إنفاق قد تصعب مجاراته في المستقبل عندما يتم رفع قيمة الدينار الليبي.
تأثير على الدينار
فيما يرى المحلل الاقتصادي محمد الشحاتي أن قيام مصرف ليبيا المركزي بتخفيض قيمة الدينار مطلع العام الحالي يعود إلى أسباب متعددة، منها أن تخفيض الإنفاق الحكومي لا يبدو أنه سيكون خياراً مطروحاً في المدى المنظور، ما عزز الاتجاه إلى تقليص سعر الصرف.
ويؤكد الشحاتي لـ"العربي الجديد" أن الإيرادات النفطية مع تعديل سعر الصرف تصل إلى 108 مليارات دينار لموازنة 2021، بمعدل إنتاج 1.2 مليون برميل يومياً وسعر متوسط 55 دولاراً للبرميل.
ويطالب بضرورة تقسيم بنود الموازنة المقبلة على مخصصات التنمية التي كانت ضعيفة خلال السنوات الماضية، والادخار للأجيال القادمة ومواجهة جائحة كورونا. بينما يتفاءل الباحث الاقتصادي وئام المصراتي بإعداد موازنة للصرف على مشاريع التنمية وإعادة الأعمار، بعد عشر سنوات من الحرب والاقتتال.
وفي سياق متصل، أكدت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا أن توحيد الموازنة الوطنية وترشيدها يعتبران أمراً بالغ الأهمية لإرساء ترتيبات اقتصادية أكثر ديمومةً وأكثر إنصافاً، وهو ما يلبي احتياجات كافة الليبيين، بما في ذلك تحسين الخدمات الأساسية، ويلبي الحاجة الملحة لإصلاح البنية التحتية المتدهورة في البلاد، لا سّيما شبكة الكهرباء.
تحسين معيشة المواطنين
ويدعو الخبير المصرفي محمد أبوسنينة إلى ضرورة البدء بتطوير استراتيجية وطنية للحماية الاجتماعية لانتشال الفئات الهشة في المجتمع من حالة الفقر والعوز، والحيلولة دون تدهور أوضاعها المعيشية وتمكينها من الخدمات العامة التي يكفلها المجتمع (التعليم والصحة والرعاية الاجتماعية) وحمايتها من الآثار السلبية المصاحبة للبطالة.
ويقول في تصريحات لـ"العربي الجديد" إنّ الأولوية للحكومة يجب أن تكون المحافظة على الطبقة الوسطى في المجتمع، وأن تكون السياسات المتبعة جزءاً لا يتجزأ من خطة الدولة وبرامجها لتحقيق التنمية المستدامة.
وكانت مجلة "الإيكونوميست" البريطانية قد توقعت أن تصبح ليبيا من بين الدول العشر الأسرع نمواً في العالم في عام 2021، بنسبة نمو في الناتج المحلي الإجمالي قد يصل إلى 20.9 في المائة بدعم من تعافي إنتاج النفط والغاز.
ومع تعديل سعر الصرف الجديد للدينار الليبي، يعني أن الدولار الواحد المتأتي من إيرادات النفط يساوي 4.48 دنانير، فإن موارد الميزانية المتأتية من إيرادات النفط سوف تزداد بنسبة 220 في المائة.
وفي عام 2020، أثّر انخفاض صادرات النفط وسعره العالمي على مكونات عائدات ليبيا، وانكمش نمو الناتج المحلي 19.4 في المائة، ونتيجة لذلك ارتفع عجز الموازنة من إجمالي الناتج المحلي، وسط معلومات عن انخفاض الاحتياطيات من 86.2 مليار دولار في نهاية 2019 إلى 81 مليار دولار في عام 2020، وتوقعات بأن يستمر التراجع إلى 77 مليار دولار نهاية عام 2022، وفقاً لتقديرات صندوق النقد والبنك الدوليين.
وتعتمد ليبيا على القطاع النفطي اعتماداً كلياً في تسيير النشاط الاقتصادي، ما يجعله مرهوناً للأسواق الدولية.