المغرب يواصل حربه على زراعة البطيخ لهذا السبب

11 يناير 2024
تحديات زراعية جمة يفرضها كابوس نقص المياه وتوالي سنوات الجفاف (فرانس برس)
+ الخط -

تواصل السلطات المغربية حربها ضد زراعة البطيخ الأحمر والأصفر في الجنوب الشرقي من البلاد، في ظل وضع مائي صعب ومخاوف واسعة باتت تلقي بظلالها على العديد من القطاعات الحيوية جراء التحديات الناجمة عن كابوس نقص المياه وتوالي سنوات الجفاف في البلاد.

وبدا لافتا خلال الأيام الماضية، تكثيف اللجان المحلية المكلفة بمراقبة مدى احترام المزارعين للقرارات الصادرة عن عمال (المحافظين) الأقاليم بتقنين استغلال زراعة البطيخ بنوعيه الأحمر والأصفر في عدد من المناطق من أبرزها إقليم زاكورة ( جنوب شرقي البلاد)، من أجل تطبيق القانون ومنع زراعة مساحة تفوق هكتارا واحدا لكل مزارع.

وفي سياق مراقبتها لمدة التزام المزارعين بالمقتضيات القانونية الخاصة بزراعة البطيخ المستنزفة للمياه، أقدمت اللجان المحلية على إزالة المساحات التي تفوق الهكتار في كل ضيعة فلاحية.

وبدأت زراعة البطيخ الأحمر في مناطق جنوب شرق المغرب بمساحة ألفي هكتار في عام 2008، ووصلت إلى 20 ألف هكتار في عام 2017، وكشفت دراسة أنجزتها وكالة الحوض المائي، أن حجم موارد المياه التي تستهلك في زراعة البطيخ تتجاوز 12 مليون متر مكعب سنوياً، وهو ما يكفي لتحقيق أمن مائي في المنطقة.

وكانت الحكومة اتخذت قرارا، نهاية شهر سبتمبر/ أيلول 2022، يقضي باستثناء الزراعات المستنزِفة للماء من الدعم المخصص لمشاريع الري الموضعي، كخطوة لمحاصرة انتشار هذه الزراعات.

واستثنى القرار الوزاري المذكور ثلاثة أنواع من الزراعات من الاستفادة من الدعم المخصص لمشاريع الري الموضعي، وهي البطيخ الأحمر، وأشجار الأفوكادو، وأشجار الحوامض الجديدة.

وحسب رئيس جمعية "بييزاج" البيئية بجهة سوس ماسة، رشيد فصيح، فإن تدخل السلطات الفلاحية واللجان المحلية له ما يبرره في ظل تنامي الجفاف الحاد وشح التساقطات والاتجاه التدريجي نحو التصحر الكامل للمناطق الجنوبية الشرقية، وتأثير التغير المناخي وضرورة التأقلم مع هذه الوضعية المناخية والمعطى الطبيعي.

وقال لـ"العربي الجديد": "أصبح لزاما الآن الحفاظ على ما تبقى من الموارد السطحية والجوفية لأجل التزود بماء الشرب كأولوية أساسية بالنسبة للسكان المحليين، وكذلك اتخاذ قرارات صارمة في حق بعض الزراعات الموسمية المستهلكة للماء كالبطيخ الأحمر".

وأوضح أن "إنتاج كيلوغرام واحد من هذه الفاكهة المغروسة في الصحراء يتطلب استنزاف واستهلاك 45 لترا من الماء، في حالة الاعتماد على تقنية التنقيط الموضعي، مما يعني أن بطيخة بوزن 10 كيلوغرامات قد تستهلك 450 لترا من المياة العذبة الصالحه للشرب خلال فترة نموها. وإذا ما ضربنا العدد في المساحة المغروسة وعدد البطيخات فسنصل إلى آلاف الأمتار المكعبة".

وتابع: "حاليا، وفي ظل الإجراءات الحكومية الصارمة بتدبير الموارد المائية خاصة مع صعوبة الموسم الفلاحي الحالي، نرى ضرورة تدخل السلطات وتقنين بعض الزراعات للحفاظ على الموارد المائية من خطر الاستنزاف، عن طريق حلول ذكية، وهو أمر ضروري واستعجالي. كما أن العديد من بلدان العالم نهجت طرقا رشيدة في الاعتماد على زراعات ومغروسات تساهم في اقتصاد الماء وتنتج محاصيل بإنتاجية وفيرة".

ولفت إلى أن زراعة البطيخ تلقى معارضة كبيرة من قبل السكان والجمعيات البيئية والتنموية بمناطق عدة، وهو ما تم الوقوف عليه من خلال عرائص ووقفات احتجاجية للساكنة القروية خصوصا بمناطق زاكورة والراشبدية وورزازات وتاغجيجت وكلميم.

ويأتي ذلك، في وقت دق مسؤولون مغاربة في مقدمتهم وزير التجهيز والماء نزار بركة، في الآونة الأخيرة ، ناقوس الخطر بخصوص ندرة المياه في البلاد والتوجه نحو سنة جافة أخرى، إثر تراجع خطير في الواردات المائية بفعل شح التساقطات المطرية، الأمر الذي بات يهدد بعض المدن المغربية بانقطاع تزويد الساكنة بالمياه (تازة، سطات، الشاوية، الحسيمة...).

وبلغة الأرقام، لم يتجاوز معدل التساقطات المطرية خلال الثلاثة الأشهر الأخيرة 21 ملم بنسبة تراجع تقدر بـ67% مقارنة مع سنة عادية، فضلا عن ارتفاع درجة الحرارة حيث تجاوز المعدل السنوي.

في حين لم تتعد واردات السدود 519 مليون متر مكعب مقابل مليار و500 مليون متر مكعب خلال السنة الماضية، بنسبة انخفاض بلغ أكثر من 50% مقارنة مع الخمس سنوات الماضية، وفق ما أورده المسؤول المغربي.

وفي ظل التراجع غير المسبوق في الواردات المائية، سارع وزير الداخلية المغربي عبد الوافي لفتيت، إلى توجيه مراسلة إلى الولاة والعمال والسلطات المحلية، في السادس والعشرين من ديسمبر/كانون الأول الماضي، تضمنت إجراءات صارمة لترشيد استغلال الموارد الطبيعية من المياه منها منع سقي كافة المساحات الخضراء والحدائق العامة، وتنظيف الطرق والأماكن العامة باستخدام المياه، وملء حمامات السباحة العامة والخاصة أكثر من مرة في السنة، وسقي المحاصيل المائية بالتشاور مع وزارة الفلاحة.

ويعتبر المغرب من بين البلدان التي تشهد "إجهادا مائيا مرتفعا"، جعله يحتل المركز الـ22 بين 164 بلدا، وفق تقرير أصدره معهد الموارد العالمية في أغسطس/آب 2019.

وحسب تقرير للمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي المغربي (مؤسسة دستورية استشارية) صادر في 2019، فإن الموارد المائية تقدر بالنسبة للفرد سنويا بأقل من 650 مترا مكعبا، مقارنة مع 2500 متر مكعب للفرد في سنة 1960. وتوقع تقرير للمجلس أن تنخفض حصة الفرد عن 500 متر مكعب بحلول سنة 2030. وحسب تقرير المجلس، فإن الدراسات الدولية تشير إلى أن التغيرات المناخية يمكن أن تتسبب في اختفاء 80% من موارد المياه المتاحة في البلاد خلال الـ25 سنة المقبلة.

المساهمون