استمع إلى الملخص
- زيادة الواردات الغذائية: ارتفعت واردات المغرب الغذائية من 6 إلى 9 مليارات دولار بسبب الجفاف، مع زيادة استيراد القمح والشعير والسكر والحيوانات، وتسعى الحكومة لتمديد الإعفاءات الجمركية على الأرز وزيت الزيتون واللحوم.
- السياسة الزراعية والأمن الغذائي: تركز السياسة الزراعية على التصدير، مما يؤثر على الأمن الغذائي الداخلي، مع دعوات لتعزيز الزراعات الأسرية لمواجهة التقلبات المناخية والجفاف.
لم تجد الحكومة المغربية بُداً من توفير إعفاءات من الرسوم الجمركية للمستوردين من أجل تأمين سلع أساسية، بعدما أربك الجفاف السياسة الزراعية التي لم تتمكن من ضمان السيادة الغذائية للمغرب بسبب تحفيز التصدير أكثر مقارنة بالزراعات الموجهة إلى تلبية الطلب الداخلي.
وتشدد الحكومة أن التدابير التي اتخذها ساهمت في خفض التضخم، الذي تؤكد المندوبية السامية للتخطيط، في تقرير لها اليوم الاثنين، أنه ارتفع 0,8 % في التسعة أشهر الأولى من العام الجاري، مقابل 4,9 % في الفترة نفسها من العام الماضي.
غير أن انخفاض التضخم لم يتجلَّ على مستوى استطلاع ثقة الأسر الذي تنجزه المندوبية، حيث إن 97,5 % من الأسر تؤكد ارتفاع أسعار السلع الغذائية في الاثني عشر شهراً الماضية، وهي نسبة تصل إلى 84,4 % عند سؤال الأسر حول توقعاتها لتطور تلك الأسعار في الاثني عشر شهراً المقبلة.
وأفضى تضافر عوامل مرتبطة بالجفاف وتأثير الظرفية الدولية إلى ارتفاع واردات المغرب من الغذاء من 6 مليارات دولار في 2021 إلى حوالي 8,7 مليارات دولار في 2022، ثم حوالي 9 مليارات دولار في العام الماضي.
ويستفاد من بيانات مكتب الصرف التابع لوزارة الاقتصاد والمالية، أن القفزة القوية التي شهدتها فاتورة واردات الغذاء تعزى إلى المشتريات من القمح والشعير والسكر الخام والمكرر والحيوانات الحية، خاصة في ظل تكثيف عمليات استيراد الأبقار والأغنام.
تأثيرات الجفاف
ودأبت الحكومة على تأكيد سعيها لضبط الأسعار في سياق تراجع المحاصيل بسبب الجفاف. هذا ما يبرر القرار الأخير الذي فعلته الجمارك المغربية، يوم السبت المنصرم، إذ شرع في التوقف منذ أول أمس السبت إلى نهاية ديسمبر/ كانون الأول المقبل عن تحصيل رسم الاستيراد المفروض على زيت الزيتون البكر وزيت الزيتون البكر الممتاز ولحوم الأبقار والضأن والماعز والجمال.
وبالموازاة مع ذلك، اقترحت الحكومة عبر مشروع الموازنة، الذي سينكب البرلمان على مناقشته في الأسبوع الجاري، وقف استيفاء رسوم الاستيراد من فاتح يناير/ كانون الثاني إلى غاية نهاية ديسمبر/ كانون الأول من العام المقبل، المطبقة على الأبقار والأغنام والماعز والجمال، وعلى اللحوم الحمراء لهذه الفضائل.
ولم تكتف الحكومة بذلك التدبير، حيث قررت عبر مشروع الموازنة، إعفاء واردات الأرز الأسمر وزيت الزيتون البكر من رسوم الاستيراد على مدى العام المقبل.
لم تكن هذه المرة الأولى التي تعمد فيها الحكومة إلى تشجيع الاستيراد لمواجهة حاجيات الطلب الداخلي. فقد سبق لها وقف استيفاء الرسوم الجمركية على النباتات الزيتية، وعمدت في ظل سعيه لتوفير مخزون من القمح عبر الاستيراد في 2022 إلى وقف استيفاء الرسوم الجمركية اعتباراً من نوفمبر عن واردات القمح اللين والصلب.
وأفضى ارتفاع أسعار اللحوم في الأشهر الماضية، إلى تعليق استيفاء الضريبة على القيمة المضافة والرسوم الجمركية عند استيراد الأبقار والأغنام، وهو التوجه الذي أريد منه خفض الأسعار.
وسبّب الجفاف الذي ضرب المغرب في العام الماضي، وما ترتب عنه من منع السقي في بعض المناطق المنتجة للبنجر، إضعافَ الإنتاج المحلي من السكر الذي لم يمثل في العام الماضي سوى 18 % من االعرض المحلي، ما رفع حصة الوارادات من السكر المكرر.
وعمدت الحكومة في ظل ارتفاع الواردات وتراجع الإنتاج المحلي عبر النباتات وقصب السكر إلى توفير دعم للمزارعين في حدود ثمانية دولارات للطن لمزارعي البنجر وسبع دولارات للطن لمزارعي قصب السكر، من أجل زيادة حصة الإنتاج الوطني في تغطية الاستهلاك المحلي الذي كان في حدود 50 % في 2019.
الأمن الغذائي
ودأبت الحكومة على تأكيد سعي السياسة الزراعية لتحقيق الأمن الغذائي، غير أن خبراء ينبهون إلى أن مفهوم الأمن الغذائي لا يعني إنتاج الحاجيات من الغذاء محلياً، حيث إن دولاً يمكنها توفير الغذاء إذا ما توفرت لديها الإمكانيات المالية التي تتيحها ذلك، وإن لم تكن بلداناً زراعية.
ويشير الفاطمي بوركيزية، الكاتب العام للجمعية المغربية للتنمية الفلاحية بجهة الدار البيضاء- سطات، إلى أنه منذ بلورة السياسة الزراعية عبر "المخطط الأخضر" ثم مخطط "الجيل الأخضر"، جرى التركيز على الزراعات الموجه جزء مهم من محاصيلها إلى التصدير، على حساب المحاصيل التي تلبي الطلب الداخلي مثل القمح والزيوت واللحوم.
ويؤكد أنه كان يتوجب على واضعي السياسة الزراعية للمغرب استحضار التقلبات المناخية التي بدأت تلوح في الأفق منذ سنوات، بما تفضي إليها من جفاف حاد في بعض الأحيان، كما حدث في السنوات الأخيرة.
ويشدد على أنه السياسة الزراعية لم تستحضر بشكل كبير مشكلة المياه التي ستطرح بسبب الجفاف في بعض السنوات، حيث جرى التركيز في بعض الأحيان بهدف التصدير على إنتاج خضر وفواكه مستنزفة للمياه.
ويؤكد محمد العربي، نائب رئيس الجامعة المغربية لحقوق المستهلك، أن الظرفية الحالية المتسمة بتأثير الجفاف على المحاصيل، تكشف أهمية الحفاظ على الزراعات الأسرية التي تؤمن المنتجات الأساسية التي تحتاج إليها الأسر.
ويشدد على أن تلك الزراعات تكتسي طابعاً تضامنياً في المغرب، حيث تركز على تلبية حاجيات السوق من القمح والمواشي والزيوت، عكس الزراعات التي توجه إلى التصدير رغم مراعاتها لاستجابة للطلب الداخلي.