لم تنجح الأسواق النموذجية في استقطاب الباعة الجائلين في الدار البيضاء. فقد اعتبرت نماذج فاشلة على اعتبار أن العديد من التجار الذين يلتحقون بها يغادرونها كي يعودوا لممارسة أنشطتهم في الشارع.
واقترح مجلس مدينة الدار البيضاء على وزارة التجارة والصناعة، تعويض الأسواق النموذجية بأسواق متنقلة، تتخذ شكل أكشاك ينتقل أصحابها بين الأسواق في العاصمة الاقتصادية التي تعرف انتشار العديد من الباعة الجائلين الذين يبيعون بضاعتهم في الشوارع والفضاءات العامة.
تلك من بين الحلول التي ما زالت لم تفعل. ولم تفض النوايا التي أعلن عنها في الأعوام الأخيرة إلى تقليص حضور الباعة الجائلين في ساحات وشوارع المغرب، وهو الحضور الذي توسع مع تداعيات الأزمة الصحية وتراجع إيرادات العديد من الأسر.
زيادة النشاط في الصيف
ينتظر أن ينشط الباعة الجائلون أكثر في الأسواق المغربية في الصيف مع ارتفاع الطلب من قبل الأسر، التي تبحث عن سلع بأسعار منخفضة في سياق متسم بارتفاعها في الأسواق المدرجة ضمن الاقتصاد الرسمي. ورغم الجهود التي بذلت في المغرب، لم يتراجع عدد الباعة الجائلين، الذي ارتفع أكثر في سياق الأزمة الصحية التي زجت بالكثيرين في البطالة.
يتوقع مراقبون أن يميل العديد من الأشخاص الذين يعانون من البطالة في سياق الأزمة أو بسبب الهجرة من الأرياف في ظل تداعيات الجفاف إلى الانضمام إلى جيش الباعة الجائلين الذين يبحثون عن تأمين قوت يومهم في المدن.
ويتصور الكاتب العام للاتحاد العام للمقاولات والمهن، محمد الذهبي، أنه يصعب الإحاطة بعدد الأشخاص الذين يتعاطون ذلك النشاط، حيث يؤكد على أن منهم أشخاصا يعملون في القطاع الرسمي، يسعون لزيادة إيراداتهم بممارسة ذلك النشاط.
ويعتبر الذهبي في تصريح لـ"العربي الجديد" أنه يتوجب معالجة مشكلة الباعة الجائلين في إطار مقاربة تتناول القطاع غير الرسمي، من قبيل توفير مناطق صناعية وتقديم بعض الإعفاءات على المستوى الجبائي وإعادة النظر في صيغة المقاولين الذين يعملون لحسابهم.
مئات الآلاف من الباعة الجائلين
وكانت وزارة الصناعة والتجارة قدرت عدد الباعة الجائلين في المغرب بحوالي 430 ألفا في إحصاء أجرته قبل ثمانية أعوام، مشيرة إلى أن معدل عمر المتعاطين لهذا النشاط يصل إلى 41 عاما، تصل إيراداتهم الشهرية إلى حوالي 330 دولارا في الشهر.
ورغم الجهود التي بذلت من قبل السلطات العمومية عبر برنامج وضع للفترة بين 2015 و2018، من أجل إعادة تأهيل الباعة الجائلين، إلا أنه لم يصل إلا لـ124 ألفا من بين الفئة المستهدفة والبالغ عددها 430 ألفا.
ويؤكد الخبير في القطاع الفلاحي، محمد الهاكش، لـ"العربي الجديد" أن الجفاف الذي يعرفه المغرب يفضي إلى ارتفاع عدد الباعة الجائلين الذين يحلون من الأرياف بالمدن، بل إن الباعة الجائلين ينشطون حتى في الأسواق الأسبوعية في المناطق الريفية.
ويشدد على أن الباعة الجائلين يساهمون في توفير فرص عمل وإيرادات للعديد من الأسر في المدن والأرياف في سياق يتسم بعدم تمكن الاقتصاد من استيعاب الشباب الذي يصل لسوق العمل، حيث يقدر عددهم بـ350 ألفاً سنوياً، بينما لا تتعدى فرص العمل 120 ألفا.
ويشير إلى أن البطالة التي تتجاوز في صفوف الشباب 30 في المائة، تساهم في اتساع دائرة نشاط الباعة الجائلين، مؤكدا أن العديد من الشباب في الأرياف الذين لا يتوفرون على ظروف عمل قارة في الضيعات والأنشطة الزراعية، يضطرون لممارسة ذلك النشاط.
تحديات برامج إعادة التأهيل
يشير المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي إلى أن من بين العوائق التي تحول دون إعادة التأهيل تلك التي تهم عدم توفر أراض لتوفير أسواق نموذجية لهم وعدم كفاية الإيرادات المالية، وضعف إقبال الأشخاص المعنيين بسياسة إعادة التأهيل.
وأوصى المجلس الاقتصادي والاجتماعي، في تقرير صدر في العدد الأخير من الجريدة الرسمية، بخطة وطنية لإدماج الباعة الجائلين اقتصاديا واجتماعيا، وذلك في إطار استراتيجية وطنية تروم تقليص تمدد القطاع غير الرسمي.
يشير المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي إلى أن من بين العوائق التي تحول دون إعادة التأهيل تلك التي تهم عدم توفر أراض لتوفير أسواق نموذجية لهم
غير أن المجلس الاقتصادي والاجتماعي يذهب إلى أن هذه الظاهرة تجد مبررها في ارتفاع معدلات البطالة والهجرة من الأرياف والاختلالات التي يعرفها نظام التربية والتكوين. ويقر المجلس بالدور الذي يضطلع به القطاع غير الهيكل في توفير فرص العمل بالنسبة للأشخاص الذين لا يتوفر على تكوين يؤهلهم لولوج سوق العمل الرسمي، علما أن فرص العمل في القطاع غير الرسمي تكرس الهشاشة.
ودأبت العديد من المؤسسات على اعتبار أن القطاع غير الرسمي الذي ينشط فيه الباعة الجائلون يشكل نوعا من المنافسة غير المشروعة للقطاع الرسمي، كما يحرم الدولة من إيرادات جبائية مهمة.