لم تأت الأمطار في مستوى آمال المزارعين في المغرب للعام الثاني على التوالي، ما أدى إلى تراجع حاد في إنتاج الحبوب، وتزايد المخاوف كذلك من تقلص محاصيل بعض الخضر والفواكه، ما ينذر بارتفاع الأسعار في السوق ويحول دون انخفاض معدل التضخم.
وكشفت وزارة الزراعة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات، أن محصول الحبوب هذا العام سيصل إلى حدود 5.51 ملايين طن، مقابل 3.4 ملايين طن في العام الماضي. ورغم ارتفاع الإنتاج المقدر عن عام 2022 بنسبة 62%، إلا أنه ينخفض كثيراً عن الفرضية التي بنت على أساسها الحكومة موازنة العام الحالي، حيث كانت راهنت على محصول حبوب في حدود 7.5 ملايين طن.
ويحيل المسؤولون والخبراء تراجع الإنتاج إلى تأثيرات التغيرات المناخية والجفاف، حيث تقلصت الموارد المائية، حسب بيانات وزارة التجهيز والماء بنسبة تناهز 69% في العام الحالي، قياسا بالعام الماضي. فقد بلغت حصيلة تساقط الأمطار 3.38 مليارات متر مكعب.
وتتركز نصف التساقطات المطرية في حوالي 7% من الأراضي المغربية، ما يدفع رئيس الجمعية المغربية للتنمية الزراعية لجهة الدار البيضاء ـ سطات، الفاطمي بوركيزية، إلى تأكيد أن التوزيع الجغرافي للأمطار جاء متفاوتاً، وسجل انخفاضا كبيرا في بعض المناطق.
وأشار بوركيزية في تصريح لـ "العربي الجديد" إلى أنه بالإضافة إلى ضعف تساقط الأمطار في مناطق تراهن على محاصيل الحبوب، واجه المزارعون ارتفاع تكاليف الإنتاج جراء ارتفاع أسعار جراء غلاء المبيدات والأسمدة الآزوتية والسولار، لافتا إلى أن أسعار الأسمدة الآزوتية التي يستوردها المغرب والتي تتدخل في مرحلة إنضاج المحاصيل الزراعية قفزت بنحو 80%.
ولم يؤثر ضعف الأمطار على محاصيل الحبوب فقط، بل ساهم في تراجع مستوى تربية الأغنام والأبقار في بعض المناطق، التي حُرمت من المراعي الطبيعية بسبب الجفاف، ما حمّل المربين تكاليف كبيرة، حيث لم يقو العديد من صغار المربين على تحملها، كما يوضح المزارع حسن بن عمار.
وقال بن عمار لـ "العربي الجديد" إن "ارتفاع أسعار الأعلاف في السوق وضعف الإيرادات، حرض بعض المربين على التخفف من جزء من الأغنام أو الأبقار، بعدما كانوا في السابق يعدونها للبيع لتجار الجملة الذين يسوقونها في الأسواق الأسبوعية أو المجازر البلدية في المدن أو ينتظرون عرضها بمناسبة عيد الأضحى، حيث توفر لهم موارد مجزية".
كما أكد رئيس الجمعية المغربية للتنمية الزراعية لجهة الدار البيضاء ـ سطات، الفاطمي بوركيزية، أن ضعف موارد المياه في العامين الماضي والحالي، أثر على مخزون المياه في السدود، مشيرا إلى أنه للعام الرابع جرى منع مياه السقي عن مزارعي البنجر السكري في منطقة دكالة (غرب) المعروفة بإنتاج تلك السلعة، حيث تفضل السلطات تسخير مياه السدود لضمان مياه الشرب.
ويؤرق ضعف مخزون المياه، خاصة في السدود، الذي يناهز 32%، منتجي الزيتون والخضر والفواكه، بعد منع السقي في بعض الأحواض الإنتاجية، التي يعول عليها المغرب من أجل توفير عرض كاف للسوق المحلية والتصدير.
ودفعت الأضرار الناجمة عن الجفاف، العديد من المؤسسات المحلية والدولية إلى مراجعة معدل النمو المتوقع، فقد خفضه صندوق النقد الدولي إلى حوالي 3% في العام الحالي، علما أن الحكومة راهنت عبر الموازنة على نمو بنسبة 4%.
كما تأثر سوق العمل، إذ فقد الاقتصاد المغربي 280 ألف فرصة عمل في الربع الأول من العام الجاري. وقد سلطت المندوبية السامية للتخطيط (حكومية) قبل أيام، الضوء على الدور الهام الذي لا يزال يلعبه قطاع الزراعة في تحديد النمو والتشغيل.
وقال المندوب السامي في التخطيط، أحمد الحليمي، إن قطاع الفلاحة شهد انخفاضاً مستمراً في عدد الأشخاص العاملين، والذي أصبح متكررا مع الظروف المناخية الصعبة التي تواجهها المملكة.
وعمد المغرب في سياق الصعوبات الناجمة عن تأثير التغيرات المناخية والجفاف، إلى إبرام اتفاقيات في مايو/أيار الماضي مع المنتجين في القطاع الزراعي لحشد استثمارات بقيمة 110 مليارات درهم (11 مليار دولار)، بدءاً من العام الحالي حتى نهاية 2030، بهدف تعزيز أمنه الغذائي.
تندرج الاتفاقيات الموقعة مع الجمعيات المهنية الفلاحية، ضمن إطار استراتيجية "الجيل الأخضر" 2020-2030، التي يسعى المغرب من خلالها لرفع الناتج الإجمالي لقطاع الزراعة إلى 200 مليار درهم، بعدما كان في 2008 بحدود 63 مليار درهم، ليرتفع إلى 125 مليار درهم نهاية 2020، قبل أن ينخفض إلى 114 مليار درهم العام الماضي بسبب الجفاف.
وكان يُفترض المباشرة بتنفيذ الاستراتيجية عام 2020 لكن ظروف جائحة كورونا أجلت ذلك لنحو 3 سنوات.
وتبلغ مساهمة قطاع الزراعة في الناتج المحلي الإجمالي للبلاد 14%، ويمثل أداؤه دوراً حاسماً في النمو الاقتصادي، باعتبار أن 40% من سكان المغرب يعيشون في القرى، و75% منهم يؤمّنون دخلهم من الزراعة. ويحقق المغرب اكتفاءً ذاتياً من الخضار والفاكهة واللحوم والحليب، لكن لا يزال يواجه تحديات في إنتاج الحبوب والسكر.