تحتل تحويلات المصريين العاملين في الخارج المصدر الأول لإيرادات النقد الأجنبي للبلاد، وبالتالي المصدر الأول لتغذية الاحتياطي النقدي لدى البنك المركزي المصري الذي فقد 8.5 مليار دولار من قيمته خلال شهرين.
وتسبق تحويلات المغتربين مصادر النقد الأجنبي الأخرى مثل الصادرات والسياحة وقناة السويس والاستثمارات الأجنبية المباشرة، وأخيرا إيرادات الطاقة سواء من البترول أو الغاز.
وحسب الأرقام الرسمية الصادرة عن البنك المركزي المصري فإن إجمالي تحويلات المصريين العاملين في الخارج بلغت قيمتها نحو 26.8 مليار دولار خلال العام الماضي 2019 مقابل نحو 25.5 مليار دولار خلال عام 2018 وبزيادة 5%.
ومن أموال المغتربين يتم سداد أعباء ديون مصر الخارجية المتراكمة من أقساط وأسعار فائدة، وتمويل شراء واردات مصر من السلع الأساسية كالأغذية والوقود، وتدبير النقد الأجنبي المطلوب لتمويل عمليات استيراد القمح والذرة والزيوت والأدوية والسكر والشاي والملابس والأدوات الكهربائية وغيرها.
ومن أموال المغتربين يتم دعم ومساندة الجنيه المصري في مقابل الدولار، وحماية العملة المحلية من خطر التآكل والتضخم والدولرة وضعف القوى الشرائية، ولولا أموال المغتربين لانهار الجنيه عقب تعويمه في شهر نوفمبر 2016. فقد وفر المغتربون سيولة ضخمة للدولة ساعدتها في سداد أعباء الخزانة العامة وتمويل التجارة الخارجية.
والتحويلات الخارجية تساهم بـ 10% من الناتج المحلى الإجمالي، وهو ما يعني مساهمتها بدور كبير في توفير فرص عمل للشباب، وتمويل إقامة المشروعات الإنتاجية، وتحريك الأسواق، وزيادة الطلب على المنتج المحلي.
ومن أموال المغتربين تستورد البلاد المواد الخام والسلع الوسيطة وقطع الغيار اللازمة للقطاعات الاقتصادية، وبالتالي تلعب هذه الأموال دورا مهما في تقوية قطاع الصناعة وتوفير احتياجاته السلعية، وبالتالي دعم الصادرات الخارجية وتلبية احتياجات السوق المحلية.
ومن أموال المغتربين تنشط البنوك وتحقق أرباحاً بمليارات الجنيهات، فالبنوك تحصل عن عمولات عن عشرات الملايين من التحويلات الخارجية التي يجريها العاملون في الخارج، وعلى عمولات ضخمة عن كل عملية تغيير للعملة.
والأهم أن أموال المغتربين هي من تنعش خزائن البنوك وتوفر لها السيولة بالجنيه المصري والنقد الأجنبي، وبالتالي تساعدها في تلبية احتياجات عملائها من رجال الأعمال وكبار المستثمرين وتوفير التمويل للأنشطة المختلفة، سواء سياحة أو زراعة أو خدمات.
وعندما يسافر المصري للعمل في الخارج لا يوفر فقط النقد الأجنبي اللازم لدعم الاقتصاد القومي، بل يوفر فرصة عمل يتركها لشخص غيره، ويوفر قيمة دعم الوقود والخبز والكهرباء والمياه والغاز، ويخفف الضغط عن البنية التحتية من طرق وشبكات كهرباء وغيرها.
وأموال المغتربين هي من تحرك الطلب على العقارات والسلع الاستهلاكية والأسواق، خاصة خلال فترة الإجازات في الصيف أو الأعياد. ومن أموال المغتربين يتم تمويل مئات الآلاف من الزيجات سنويا.
والأهم أن هؤلاء المغتربين ينقلون خبرات عالمية في كل المجالات التي يعملون بها عقب عودتهم إلى بلادهم، وبالتالي فإن العاملين في الخارج ليسوا عالة على الدولة كما يزعم بعض الإعلاميين المصريين، وليسوا عالة على أحد، ولا يزاحمون أحدا في مصدر رزقه.
وعندما يعود هؤلاء المغتربين إلى بلادهم بسبب ظرف طارئ يتعلق بتداعيات أزمة كورونا في الدول التي يعملون بها، فإنه من غير اللائق أن يتم التعامل معهم على أنهم رجال أعمال أجانب ومليونيرات يجب السطو على كل ما يملكونه من مدخرات بسيطة عادوا بها إلى بلادهم.
أو أن يتم إلقاؤهم في مدارس ومدن جامعية غير مؤهلة لقضاء فترة الحجر الصحي، لأنهم لا يملكون كلفة الإقامة في فنادق شرم الشيخ ومرسى علم والعلمين ذات الخمسة نجوم.
|