يبحث التونسيون عن حلول فردية لمشاكلهم الاقتصادية والاجتماعية بعد طول انتظار لحلول شاملة طالبوا بها على امتداد العشرية التي تلت ثورة يناير/ كانون الثاني 2011. فيما تؤخر الخلافات السياسية التي غرقت فيها البلاد كل مبادرات الإصلاح.
وتُغرق أزمات البطالة والفقر وضعف الخدمات العامة التونسيين في دوامة البحث عن مهرب من معاناتهم اليومية، حيث بات كسب رهان تحقيق التوازن المالي حلم الأسر التي تعاني من ضغوط مادية ومعيشية وصعوبة في النفاذ إلى خدمات الصحة والتعليم والسكن.
من جهة أخرى، ترتفع مطالب المنظمات الاجتماعية وخبراء الاقتصاد بضرورة تفادي انفجار اجتماعي شامل قد يدخل البلاد في دوامة العنف بسبب عدم قدرة المواطنين على مجاراة نسق الغلاء وانزلاق فئات اجتماعية واسعة إلى خانة الفقر. وأكد الخبير الاقتصادي خالد النوري أن الظروف المعيشية تدفع حتى الموظفين وأصحاب الدخول الضعيفة إلى البحث عن عمل ثان أو مصدر دخل إضافي قد يكون بعضها غير قانوني.
واعتبر أن البحث عن الدخل الإضافي بأي وسيلة كان من الحلول الفردية التي تتزايد في تونس. وشدد النوري في حديثه مع "العربي الجديد" على أن السلطة مشغولة في صراعاتها ولا تهتم لأمر التونسيين الذين أنهكهم الفقر والوباء وتبددت كل أحلامهم بتحسين وضعهم أو حتى الحفاظ على الحد الأدنى من ضمانات الاستقرار الاجتماعي.
ويستفيق التونسيون على إعلانات رسمية يومية تعلن زيادة في أسعار السلع والخدمات. حيث أعلنت الحكومة خلال الأسبوعين الماضيين عن زيادة بـ40 بالمائة في سعر السكر الموجه للاستعمال الأسري، كذلك رفعت ما بين 5 و10 في المائة تعريفات النقل الحكومي وأقرت زيادة في سعر الماء الصالح للشرب. وبدأت حكومة هشام المشيشي خطة متدرجة في تفكيك منظومة الدعم، في إطار إصلاحات اقتصادية تعهدت بتنفيذها في رسالة نوايا قدمتها إلى صندوق النقد الدولي من أجل الحصول على تمويل بقيمة 4 مليارات دولار.
يأتي ذلك بموازاة وعود احتواء الفقر من خلال مساعدات مالية ستقدم إلى مليون ومائة ألف أسرة في إطار خطة شاملة ممولة من البنك الدولي للتقليص من تداعيات كورونا. وصادق البرلمان الأسبوع الماضي على اتفاق قرض بين الحكومة والبنك الدولي بقيمة 300 مليون دولار لتمويل مشروع الحماية الاجتماعية ما بعد الجائحة.
أعلنت الحكومة خلال الأسبوعين الماضيين عن زيادة بـ40 بالمائة في سعر السكر الموجه للاستعمال الأسري، كذلك رفعت ما بين 5 و10 في المائة تعريفات النقل الحكومي
وكشفت وثيقة قدمتها الحكومة للبرلمان، أن تداعيات كورونا ستؤدي إلى ارتفاع نسبة الفقر في البلاد إلى 21 في المائة. ورأى رئيس لجنة المالية البرلمانية هيكل المكي في حديث مع "العربي الجديد" أن زمن الحلول الترقيعية للسياسات العامة والحلول الفردية ولّى. وطالب بضرورة الاتجاه سريعا نحو حلول شاملة تستجيب لمطالب التونسيين.
وقال المكي إن ضغوط الشارع تشي بحالة الغضب العامة التي تهدد بانفجار الوضع بين الفينة والأخرى، داعيا إلى الالتفاف حول برنامج إصلاح شامل يقطع نهائيا مع السياسات السابقة وكل مخططات التنمية التي اعتمدت في البلاد. وشرح أن الخطط السابقة خلّفت مآسي اجتماعية واقتصادية دفعت محافظات بكاملها ثمنها باهظاً.
ويُعتبر كبح الغلاء وضمان الحقوق الدستورية في الصحة والتعليم والخدمات الأساسية والأمن من المطالب الأساسية للتونسيين بمختلف شرائحهم بعدما بات الانهيار الشامل يهدد الجميع، بمن في ذلك الأثرياء، الذين تضرروا من جائحة كورونا وفقدوا جزءاً من أعمالهم وواجهوا صعوبة في الحصول على العلاج والدواء عند الإصابة بفيروس كورونا.
وتعتبر حياة البجاوي (41 عاما) أن الشأن العام لم يعد يعني التونسيين كثيرا فهم في رحلة بحث دائمة لتوفير القوت وتأمين التعليم والسكن لأبنائهم، مؤكدة أن هذه الرحلة أصبحت شاقة جدا نتيجة تراجع الدخول وارتفاع الأسعار.
تضيف حياة لـ"العربي الجديد" أن التونسيين منهكون والصعوبات الاقتصادية والاجتماعية قتلت طموحهم فيما يراقبون ضياع حتى حقوقهم المكتسبة. وقالت "لم تعد للتونسيين قدرة على شراء المساكن ولا تعليم أبنائهم تعليما جيدا ولا الحصول على العلاج"، معتبرة أن هاجس نسبة كبيرة من المواطنين بات منحصرا في تأمين الغذاء وتسيير النفقات اليومية فقط.
تحتاج تونس خلال العام الحالي إلى قروض تقدر بنحو 19.5 مليار دينار (7 مليارات دولار)، تشمل قروضاً أجنبية بحوالي 5 مليارات دولار.
وارتفعت معدلات البطالة إلى 16.2 في المائة، إذ يبلغ عدد العاطلين من العمل نحو 676 ألف شخص، وفق البيانات الرسمية، فيما ترجح أرقام غير حكومية أن يكون الرقم أعلى بكثير متجاوزاً المليون عاطل من العمل.
وتحتاج تونس خلال العام الحالي إلى قروض تقدر بنحو 19.5 مليار دينار (7 مليارات دولار)، تشمل قروضاً أجنبية بحوالي 5 مليارات دولار. وستدفع تونس بالإضافة إلى أصل الدين، فائدة الدين والبالغة قيمتها وفق التقديرات، زهاء 4,2 مليارات دينار تتوزع على 2.4 مليار دينار للدين الداخلي و1.8 مليار دينار على شكل فوائد خارجية.
وتمثل خدمة الدين في العام 2021 حلقة مهمة من سلسلة الضغط على مؤشرات الاقتصاد التي انطلقت منذ 2017، والتي ستتواصل وفق التقارير الدولية الى حدود سنة 2025، بفعل استمرار السداد السنوي لأصول القروض.