المعاملة التفضيلية للقمح الأوكراني تُغضب مزارعي دول الجوار

19 ابريل 2023
أوكرانيا تُصدّر نحو 3 ملايين طن من الحبوب عبر البحر الأسود شهرياً (Getty)
+ الخط -

يبدو أن آثار الحرب في أوكرانيا ذاهبة نحو توتير علاقة الأوكرانيين بدول الجوار، وخلق أزمة على صعيد القرار التجاري الأوروبي، بعد حظر بولندا والمجر وسلوفاكيا واردات الحبوب والأغذية الأخرى من أوكرانيا المجاورة لحماية القطاع الزراعي المحلي، وسط مؤشرات على اتساع نطاق الأزمة بعدما أعلنت دول أخرى في أوروبا الشرقية أنها تبحث إجراءات مماثلة.

وتمر صادرات الحبوب الأوكرانية عبر الاتحاد الأوروبي لدى توجهها إلى بلدان أخرى منذ أدى الغزو الروسي إلى إغلاق الممرات التقليدية التي تعتمد عليها أوكرانيا في البحر الأسود.

لكن نتيجة صعوبات لوجستية، تتكدّس الحبوب، ما يؤدي إلى تراجع الأسعار، وهو ما أدى إلى احتجاجات في صفوف المزارعين في العديد من دول الجوار، ولا سيما في بولندا التي أدت فيها الاحتجاجات إلى استقالة وزير الزراعة.

وتشهد الدول الأوروبية المجاورة لأوكرانيا دخول كميات متزايدة من الذرة والقمح ودوار الشمس، كذلك أثيرت مخاوف على صعيد سلامة الغذاء، لتعلو نبرة المصالح الداخلية في العديد من الدول، وهو ما يضع الاتحاد الأوروبي في مأزق كبير يتعلق بالاستمرار في منح المزراعين الأوكرانيين الأفضلية.

من الواضح أن انهيار أسعار القمح من نحو 400 يورو للطن عند اندلاع الحرب في أوكرانيا قبل عام ومحاصرة واردات كييف عبر البحر الأسود، إلى نحو 250 حالياً بات يزعج مزارعي عدد من الدول، بمن فيهم الرومانيون والبلغاريون إلى جانب سلوفاكيا والتشيك والمجر وبولندا.

وخلال نهاية الأسبوع الماضي، بعد احتجاجات المزارعين، أعلنت كل بولندا والمجر، السبت الماضي، أنهما ستحظران واردات الحبوب والمنتجات الزراعية الأخرى القادمة من أوكرانيا، وإن بصورة مؤقتة حتى نهاية يونيو/ حزيران المقبل، ويشمل ذلك حتى عمليات نقل البضائع الأوكرانية عبر الأراضي البولندية، لتحلق بهما سلوفاكيا، بالإعلان، يوم الاثنين الماضي، عن اتباع النهج نفسه.

وتأتي تلك الخطوة على الرغم من أن بولندا تُعَدّ من أكبر داعمي كييف، سواء لمسألة عبور اللاجئين منها وتحويل أراضيها إلى ممر لدعمها عسكرياً واقتصادياً من قبل الغرب، إلا أن المصالح التجارية، والتعامل الأوروبي التفضيلي مع المزارعين الأوكرانيين بات يقلق الحكومة المحافظة في البلد.

وفي بولندا، خلقت قضية الحبوب الأوكرانية مشكلة في عام يشهد إجراء انتخابات يعتمد فيها حزب القانون والعدالة القومي المتشدد الحاكم كثيراً على الدعم من المناطق الريفية. وقال وزير الزراعة البولندي روبرت تيلوس، بعد بدء محادثات في وارسو، الاثنين الماضي، بحضور وزير الزراعة الأوكراني ميكولا سولسكي، إن "أوكرانيا بحاجة إلى المساعدة، لكن تكاليف هذه المساعدة يجب توزيعها على جميع الدول الأوروبية، وليس فقط دول المواجهة، وخصوصاً بولندا. نحن لا نوافق على هذا، لأنه يضر بمزارعينا".

وذهب رئيس وزراء بولندا ماتيوز مورافيكي للتعبير عن مواقف متشددة من البضائع الأوكرانية، قائلاً: "لن نترك مزارعينا أبداً في مأزق"، وفق ما نقلت عنه وسائل إعلام محلية.

لكن من الصعب على مورافيكي، وكذلك رئيس الحكومة المجرية المتشدد، والأقرب إلى موسكو، فيكتور أوربان، اتخاذ إجراءات جذرية حيال أوكرانيا دون المظلة الأوروبية التي تمنع الدول منفردة من تحديد سياسات التبادل التجاري. وأي إجراءات جذرية تساهم بحظر دائم لمرور المنتجات الزراعية الأوكرانية ستضع بودابست ووارسو في مواجهة مع بروكسل (عاصمة القرار في الاتحاد الأوروبي)، وأي حظر سيكون مخالفاً للقوانين الأوروبية، حيث أكد ناطق باسم الاتحاد الأوروبي، الأحد الماضي، أن "الإجراءات أحادية الجانب مرفوضة".

ويبدو أن منع روسيا للتصدير الحر للحبوب من موانئ البحر الأسود بات يؤتي ثماره على شكل توسع الامتعاض من قبل مزارعي دول الجوار، إذ تمتد الاحتجاجات إلى دول مثل رومانيا وبلغاريا، المتحولتين أيضاً إلى طرق شحن بعد موسم حصاد جيد لأوكرانيا وخسائر كبيرة للمزارعين الأوروبيين، وتحديداً في شرق القارة.

وأكد أرنو بيتي، مدير مجلس الحبوب الدولي، الذي يراقب سوق الحبوب العالمي، في تصريحات صحافية أخيراً، أن سعر الحبوب في بولندا أصبح منخفضاً جداً بعد التوصل إلى اتفاق جزئي صيف العام الماضي لتصدير الحبوب عبر البحر الأسود.

وفي مايو/ أيار 2022 أعفى الاتحاد الأوروبي مؤقتاً كل المنتجات المستوردة من أوكرانيا من الرسوم الجمركية لمدة عام، واتخذ تدابير لتمكين كييف من تصدير مخزونها من الحبوب. لكن مع تصاعد خسائر المزراعين في دول الجوار لأوكرانيا بدأت الحكومات بالتململ من فاتورة التضامن مع الأوكرانيين.

في الأثناء تتصاعد حدة التوتر في بروكسل، سعياً للتوصل إلى حل شامل يجده الاتحاد الأوروبي لهذه الأزمة، بعد أن أعلنت دول أخرى في أوروبا الشرقية أنها تبحث أيضاً اتخاذ إجراء مماثل لما اتبعته بولندا والمجر وسلوفاكيا. وذكرت وكالة الأنباء البلغارية (بي.تي.إيه) أن وزير الزراعة البلغاري قال أيضاً إن بلاده قد تحد من الواردات.

وقال إستفان ناجي، وزير الزراعة المجري، إن هناك حاجة إلى حل يتجاوز المستوى الوطني، واصفاً إجراءات الاتحاد الأوروبي في نهاية المطاف بأنها حتمية. كذلك دعت جمهورية التشيك إلى إيجاد الاتحاد الأوروبي لحل شامل، لكنها قالت إنها لن تفرض حظراً في الوقت الحالي.

وأثارت بلغاريا والمجر وبولندا ورومانيا وسلوفاكيا هذه القضية مع المفوضية الأوروبية في مارس/ آذار الماضي، قائلة إنه ينبغي النظر في الرسوم الجمركية على الواردات الأوكرانية. واتخاذ إجراءات لمعالجة ذاتية للأزمة مع تفاقمها المتزايد نحو دول أخرى يتطلب تدخلاً من قبل المفوضية الأوروبية، التي تقرر السياسات التجارية عموماً في دول الاتحاد الأوروبي.

وحتى الآن ليس هناك موقف واضح من المفوضية الأوروبية حيال عواقب تحدي بولندا والمجر لقانون الاتحاد الأوروبي. فالبلدان أساس في مواجهة متكررة مع الاتحاد الأوروبي بشأن انتهاكات القواعد المشتركة للاتحاد الأوروبي، ما أدى إلى فرض عقوبات مالية. وحاول الاتحاد الأوروبي طمأنة أوكرانيا بعد الغزو الروسي بشأن علاقتها بأوروبا، وقبل ترشحها إلى عضوية الاتحاد، وهو ما يخشاه عدد من دول الجوار بسبب القدرات الزراعية الهائلة لأوكرانيا.

ومع أن البيانات الرسمية من وراسو وكييف تحاول تأكيد عمق العلاقة بين الطرفين، وتفهم الثانية للهواجس البولندية، إلا أن الخشية من اتساع قرارات شرق جنوب شرق أوروبية تعقد وضع المزارعين الأوكرانيين، الذين تقدر منظمة الأغذية والزراعة في الأمم المتحدة (الفاو) خسائرهم بنحو 30 مليار دولار خلال عام من الحرب.

تصدّر أوكرانيا نحو 3 ملايين طن من الحبوب عبر البحر الأسود كل شهر، بعد رفع الحصار الجزئي بوساطة تركية، بيد أن التأثير في أسعار الحبوب عالمياً ليس هو ما يقلق الأوروبيين المعارضين للخطوات في شرق أوروبا، بل حالة أشبه بتمرد على سياسات المفوضية الأوروبية، بعد أن بدا واضحاً أن دولاً أخرى باتت تنضم إلى الموقفين البولندي والمجري، كسلوفاكيا والتشيك ورومانيا وبلغاريا. وتحاول الأطراف الأوروبية خلال الأيام القليلة القادمة توسيع اجتماعاتها لمناقشة ما يمكن فعله لدرء هذا التوسع في مقاطعة أوكرانيا، وانعكاسه بالتالي على وحدة الموقف الأوروبي حيال الغزو الروسي عموماً.

المساهمون