مرّ عام 2020 ثقيلاً على جموع المصريين، الذين عانوا كثيراً جراء تداعيات أزمة تفشي فيروس كورونا، وفرض الحكومة للمزيد من الضرائب والرسوم لتعويض الفاقد من إيراداتها، باعتبارها تمثّل أكثر من 77% من إيرادات الموازنة العامة للدولة. ويأتي ذلك بدلاً من دعم الحكومة لمواطنيها المتأثرين سلباً بالأزمة، نتيجة مواجهة قطاع عريض في المجتمع خطر تفاقم البطالة وانخفاض الدخل.
وعانى المصريون من أوضاع معيشية متأزمة، منذ تسجيل أول إصابة بفيروس كورونا في البلاد منتصف فبراير/ شباط 2020، على إثر الإجراءات الاحترازية التي اتخذتها الحكومة للحد من تفشي الوباء، وأدت إلى تعطل أعداد كبيرة من العاملين في قطاعات، أبرزها الطيران، والسياحة، والمطاعم، والمقاولات، نظراً لانقطاع مصدر دخلهم لمدد كبيرة.
واتجهت الحكومة المصرية نحو تشديد الإجراءات الاحترازية خلال الفترة الأخيرة مع تصاعد الإصابات بفيروس كورونا، ما أثر سلباً بالعديد من القطاعات والأنشطة الاقتصادية.
وكان الآلاف من المصريين الغاضبين قد خرجوا في تظاهرات متفرقة في سبتمبر/ أيلول الماضي، للمطالبة بإسقاط الرئيس عبد الفتاح السيسي، ونظامه، على خلفية تردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في البلاد، ولا سيما مع التعسف الحكومي حيال ملف التصالح في مخالفات البناء، وما صاحبه من إزالات لمنازل الآلاف من المواطنين، وإقرار مجلس النواب للعديد من الزيادات الضريبية. وأعلن مجلس الوزراء المصري، الأربعاء الماضي، مدّ فترة التصالح في بعض مخالفات البناء لمدة ثلاثة أشهر جديدة، تنتهي في 31 مارس/ آذار المقبل. وجاء قرار مدّ فترة سداد مبلغ "جدية التصالح" في مخالفات البناء، في ظل عزوف المواطنين عن تقديم طلبات التصالح، جراء الرفض الشعبي لأحكام القانون.
وفرض قانون "التصالح في بعض مخالفات البناء" غرامات باهظة على أصحاب العقارات المخالفة لاشتراطات البناء، تفوق قدرات الغالبية العظمى من سكان تلك العقارات، وهو ما سبّب حالة من الغضب لدى المصريين، خصوصاً أن الحكومة أصرت على تفعيل القانون في خضم أزمة جائحة كورونا، وما صاحب ذلك من إصدار السيسي قراراً بوقف تراخيص البناء لمدة ستة أشهر، بما أضر بقرابة خمسة ملايين مصري من العاملين غير المنتظمين في قطاع المقاولات. واضطرت الحكومة إلى السحب من الاحتياطي النقدي في البنك المركزي المصري، لتلبية الاحتياجات اليومية خلال عام 2020، في ظل تراجع إيرادات السياحة التي تعد مصدراً أساسياً للدخل، وكذا انخفاض دخل قناة السويس لأدنى مستوى لها لتراجع حركة التجارة العالمية بسبب الجائحة، ما دفع البنك إلى إعلان فقدان نحو 8.5 مليارات دولار من احتياطي البلاد النقدي خلال شهرين فقط. ويعرض "العربي الجديد" في هذا التقرير ملخصاً للزيادات التي شهدتها مصر خلال العام المنقضي.
السجائر والتبغ
البداية كانت في فبراير/ شباط 2020، حين وافق البرلمان على مشروع حكومي بتعديل بعض أحكام قانون الضريبة على القيمة المضافة، الذي نص على زيادة ضريبة الجدول الثابتة على منتجات السجائر في السوق المحلي بمقدار 50 قرشاً للشريحة الأولى (الجنيه = 100 قرش)، و100 قرش للشريحة الثانية، و50 قرشاً للشريحة الثالثة، مع رفع السقف السعري لكل الشرائح لتتواكب مع زيادة الضريبة. وبذلك ارتفع سعر الضريبة إلى 4 جنيهات (الدولار = 15.68 جنيهاً) لعبوة السجائر التي لا يزيد سعر بيعها على 24 جنيهاً، وإلى 6.5 جنيهات للعبوة التي يراوح سعر بيعها بين 24 جنيهاً و35 جنيهاً.
ضريبة البنزين
وفي وقت خفضت فيه دول عربية أسعار الوقود بسبب تراجع أسعار النفط، قررت الحكومة المصرية تثبيت أسعار البنزين، بأنواعه الثلاثة، لثلاث مرات متتالية بإجمالي تسعة أشهر، وفق قرارات لجنة التسعير التلقائي للمنتجات البترولية، المعنية بمراجعة وتحديد أسعار بيع بعض منتجات الوقود كل ثلاثة أشهر، استناداً إلى متوسطات سعر (خام برنت) عالمياً، وسعر صرف الجنيه أمام الدولار.
ووافق مجلس النواب في مايو/ أيار الماضي على تعديلات قانون رسم تنمية الموارد المالية للدولة، الذي فرض رسوماً بقيمة 30 قرشاً لكل لتر مبيع من البنزين بأنواعه، و25 قرشاً لكل لتر من السولار. وهي ضريبة مقتطعة على المنتجات البترولية، التي تُباع حالياً في مصر بقيمة أكبر من تكلفة استيرادها وإنتاجها، على وقع انهيار أسعار النفط ومشتقاته في السوق العالمية. وقال وزير المالية محمد معيط (آنذاك) أمام البرلمان، إن "انخفاض الأسعار العالمية للوقود أوجد مساحة لتخفيض السعر للمواطن، ووجود وفر للخزانة العامة في الوقت نفسه"، مستطرداً بأن "انخفاض أسعار البترول العالمية كان يستوجب خفض أسعار البنزين في السوق المحلية، إلا أن الدولة رأت توفير هذه المبالغ لمصلحة الخزانة العامة للدولة"، على حد تعبيره.
الهواتف والإنترنت
فرضت الحكومة رسماً على أغذية الكلاب والقطط والطيور الأليفة للزينة، بنسبة 25% من الفاتورة للأغراض الجمركية، مُضافةً إليها الضريبة الجمركية، والضريبة على القيمة المضافة، وعلى أجهزة الهاتف المحمول وأجزائه، وجميع الأكسسوارات الخاصة به، بواقع 5% من قيمتها. وفرضت أيضاً رسماً على خدمات الإنترنت للشركات والمنشآت، بواقع 2.5% من قيمة الفاتورة.
خصم من الرواتب وغلاء الرخص
وفي يوليو/ تموز الماضي، وافق البرلمان على مشروع قانون مقدَّم من الحكومة، بشأن اقتطاع نسبة 1% من مجموع رواتب جميع العاملين في الدولة، سواء في القطاع الحكومي أو الخاص أو البنوك، ونسبة 0.5% من رواتب أصحاب المعاشات، وذلك لمدة 12 شهراً (قابلة للتمديد)، بحجة تمويل صندوق جديد لمواجهة التداعيات الاقتصادية الناتجة من انتشار الأوبئة أو حدوث الكوارث الطبيعية. وأعلنت الإدارة العامة للمرور في مصر في يوليو/ تموز الماضي، زيادة مصاريف استخراج رخصة القيادة الخاصة من 985 جنيهاً إلى 2893 جنيهاً بنسبة تبلغ 293%، للمرة الثانية خلال أقل من عام، إذ كانت الرسوم نفسها تبلغ 596.5 جنيهاً في أغسطس/ آب 2019.
زيادة فواتير الكهرباء
كذلك أعلنت الحكومة رفع أسعار الكهرباء للمنازل بنسبة تصل إلى 30%، اعتباراً من فاتورة يوليو/ تموز 2020، لتكون سابع زيادة في الأسعار منذ وصول السيسي إلى الحكم عام 2014. وقررت وزارة الكهرباء زيادة سعر الكيلووات من 30 قرشاً إلى 38 قرشاً لشريحة الاستهلاك الأولى، ومن 40 قرشاً إلى 48 قرشاً للشريحة الثانية، ومن 50 قرشاً إلى 65 قرشاً للشريحة الثالثة، وارتفعت الشرائح الأخرى بنسب متفاوتة. وفي المقابل، قررت الوزارة دعم القطاع الصناعي بذريعة احتواء التداعيات السلبية لانتشار فيروس كورونا.
رسوم النظافة... والراسبون
وفي أغسطس/ آب الماضي، وافق مجلس النواب على مشروع قانون حكومي بشأن "تنظيم إدارة المخلفات"، والهادف إلى إنشاء جهاز جديد يتولى مهام تحصيل رسم شهري من المواطنين، مقابل خدمات جمع القمامة من الوحدات المبنية والأراضي الفضاء، ونقلها إلى الأماكن المخصصة لهذا الغرض، من طريق الوحدات الإدارية المختصة في المحافظات أو بواسطة الغير (الشركات الخاصة).
وفرض القانون رسوماً شهرية للنظافة تصل إلى 40 جنيهاً للوحدات السكنية (بحسب المناطق)، وبما لا يجاوز 100 جنيه للوحدات التجارية المستقلة. كذلك وافق مجلس الوزراء المصري في أغسطس/ آب على تعديل بعض أحكام قانون تنظيم الجامعات، الذي يفرض رسوماً مالية ضخمة على طلاب الجامعات الراسبين مقابل إعادة دخول الامتحانات، وكذلك على المتقدمين للامتحانات من الخارج، اعتباراً من العام الدراسي 2021-2022. وحدد التعديل الحد الأدنى والأقصى للرسوم، ليراوح بين 6 و12 ألف جنيه لكليات الطب البشري، وطب الأسنان، وبين 5 و10 آلاف جنيه لكليات الهندسة.
مياه الشرب
فرضت "الهيئة القومية لمياه الشرب" زيادة جديدة تراوح بين 15% و30%، في أسعار المياه للاستهلاكين المنزلي والتجاري، بدءاً من الفاتورة المحصلة في أول سبتمبر/ أيلول 2020، في إطار خطة الحكومة لتحرير أسعار بيع المياه والكهرباء والغاز الطبيعي للمواطنين التي بدأت في عام 2015. وشملت الأسعار الجديدة زيادة سعر المتر المكعب في الشريحة الأولى للاستخدام المنزلي من 45 قرشاً إلى 65 قرشاً، وفي الشريحة الثانية من 120 قرشاً إلى 160 قرشاً، وفي الشريحة الثالثة من 165 قرشاً إلى 225 قرشاً، وفي شريحة الاستهلاك الرابعة من 200 قرش إلى 275 قرشاً، وفي الشريحة الأخيرة من 215 قرشاً إلى 315 قرشاً.
رسوم جديدة
وفي أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، صدّق السيسي على قانون "إنشاء صندوق دعم الأشخاص ذوي الإعاقة"، الذي يفرض رسوماً شهرية على أجور جميع العاملين في الجهاز الإداري للدولة، وشركات القطاع العام، وقطاع الأعمال العام، والشركات المملوكة للدولة، والقطاع الخاص، والبنوك الحكومية وغير الحكومية، وغيرها من الجهات، لدعم موارد الصندوق.
مصاريف المدارس
وفي ديسمبر/ كانون الأول 2020، سادت حالة من التذمر بين أولياء الأمور في مصر، بسبب ما وصفوه برسوم "الجباية" التي فرضها وزير التعليم طارق شوقي على التلاميذ. وارتفعت مصاريف المدارس بنسبة كبيرة خلال العام الدراسي 2020-2021، من دون مراعاة للظروف الاقتصادية والاجتماعية التي يعيشها الأهالي في ظل أزمة فيروس كورونا، واضطرار الكثير منهم إلى إبقاء أولادهم في المنازل، وإعطائهم دروساً خصوصية. وفرضت وزارة التربية والتعليم رسوماً تُقدر بـ150 جنيهاً على تلاميذ الصف الثالث الإعدادي، والبالغ عددهم مليوناً و800 ألف تلميذ تقريباً، و200 جنيه على تلاميذ الثانوي الثاني، الذين يصل عددهم إلى 573 ألفاً و677 تلميذاً، لـ"صندوق دعم المشاريع التعليمية"، فضلاً عن فرض 15 جنيهاً لكل "شهادة إلكترونية" يحصل عليها التلميذ من المكتبات.
القيمة المضافة
في موازاة ذلك، يصوت البرلمان المصري في تشكيله الجديد الشهر المقبل، على تعديل أقره مجلس الوزراء على قانون الضريبة على القيمة المضافة، يهدف إلى إخضاع مزيد من السلع والخدمات للضريبة (كانت مدرَجة في بند الإعفاء) بغرض زيادة الحصيلة الضريبية، بدعوى ما تشهده البلاد من تراجع في حركة التجارة والسياحة، وغيرها من القطاعات الاقتصادية بسبب تداعيات الجائحة. وأخضع تعديل القانون العديد من السلع المهمة لضريبة القيمة المضافة ومنها المخبوزات، والحلوى، والمقرمشات، والمنتجات المصنعة من الدقيق، عدا الخبز بجميع أنواعه، بالإضافة إلى المنظفات الصناعية وغيرها.