من قيود على السحب من الحسابات الشخصية خارج مصر مرورا بتقنين كمية الأرز التي يمكن للفرد شراؤها وصولا إلى حملات دعائية عن الفوائد الصحية لتناول أرجل الدجاج.. يعاني المصريون بشدة من الأزمة الاقتصادية التي تعيشها بلادهم فيما ترزح تحت عبء الديون.
لا يتجاوز الاحتياطي النقدي لدى القاهرة 33.5 مليار دولار، من بينها 28 مليار دولار ودائع من دول الخليج الحليفة. لكن ديون مصر الخارجية تضاعفت بأكثر من ثلاث مرات في السنوات العشر الأخيرة لتصل الى 157 مليار دولار بنهاية يونيو/ حزيران الماضي، لكن حجم الدين تجاوز هذا الرقم في ظل القروض الخارجية التي حصلت عليها الحكومة في الشهور الأخيرة سواء من صندوق النقد والبنك الدوليين أو من دول خليجية، هي السعودية وقطر والإمارات.
وبطلب من الدائنين، خفضت مصر قيمة عملتها عام 2022 بنسبة 57% على مرتين، في مارس/ آذار وأكتوبر/ تشرين الأول الماضيين، كما خفضت اليوم، الأربعاء، عملتها للمرة الثالثة في أقل من عام لتتراجع من 24.7 إلى 26 جنيها للدولار.
في بلد يستورد غالبية احتياجاته من الخارج وشهدت فيه أسعار الفائدة ارتفاعا بمقدار 8% في 2022، ثم زيادة أخرى بنسبة 3% قبل أيام كان التأثير فوريا، إذ بلغت نسبة التضخم 18.7%، وفق الأرقام الرسمية.
على الأرض، تعاني ربات البيوت. تقول رحاب عند مخرج مخبز في وسط القاهرة: "رغيف الخبز الذي كنت أشتريه بجنيه واحد صار بثلاثة جنيهات".
وأضافت الشابة البالغة من العمر 34 عاما والتي رفضت الإفصاح عن اسم عائلتها: "زوجي يجني ستة آلاف جنيه شهريا. كنا في السابق نعيش ثلاثين يوما من هذا الراتب ولكن اليوم تبدأ النقود في النفاد اعتبارا من اليوم العاشر".
اللحوم "لم تعد خياراً"
تم مجددا تقليص حجم رغيف الخبز وأقراص الفلافل وعبوات زيت الطعام وأكياس البقوليات. وتم أيضاً تقليص حجم المنتجات التي كانت توزع بأسعار مدعومة على 70 مليون مصري يعتبرون "فقراء" ولديهم "بطاقات تموينية".
عند مدخل سوبرماركت كبير في القاهرة، تحذر لافتة المستهلكين من أنه لا يمكن للفرد الواحد شراء "أكثر من ثلاث عبوات أرز زنة كيلوغرام واحد أو عبوة واحدة زنة خمسة كيلوغرامات". وفي الصحف، أشاد المعهد القومي للتغذية "بأرجل الدجاج المفيدة للجسم وللميزانية".
ذلك أن اللحوم المجمدة المستوردة، التي يستهلكها المواطنون الأقل دخلا لأنهم لا يستطيعون تحمل أسعار اللحوم الطازجة، "لم تعد خيارا بعدما ارتفعت أسعارها من 85 إلى 150 جنيها"، بحسب ما قالت رضا، التي تعول أسرة من 13 فردا.
تبذل هذه السيدة البالغة من العمر 55 عاما، والتي ترفض أيضاً ذكر اسم عائلتها، كل ما في وسعها لإعالة الأسرة، وتوضح "أنا موظفة وأعمل إلى جانب ذلك في مستشفى، ولكن حتى مع هذين المرتبين هناك الكثير من الأشياء التي لا أستطيع شراءها".
وإذا كانت الأسعار ترتفع، فأحد الأسباب هو عجز المستوردين عن الحصول على الدولارات اللازمة من المصارف. وتفيد مصادر حكومية بأنه في الجمارك حاليا بضائع بقيمة نحو سبعة مليارات دولار.
وبسبب أزمة النقد الأجنبي التي ساهم فيها خروج حوالي 20 مليار دولار من مصر بسبب قلق المستثمرين عقب اندلاع الحرب في أوكرانيا، قامت معظم البنوك بتقييد السحب بالدولار خارج مصر، كما رفعت عمولة استخدام البطاقات الائتمانية في عمليات الشراء في الخارج من 3% إلى 10%.
وحتى أحد أبرز أنصار النظام، المذيع عمرو أديب، الذي يقدم واحدا من أكثر البرامج متابعة في مصر، قال أخيرا بعد تقييد السحب في الخارج "اتركوا على الأقل الناس التي سافرت قبل هذا القرار تسحب بعض النقود لكي تستقل سيارة أجرة إلى المطار لتتمكن من العودة".
في هذه الأجواء تنتشر شائعات تتحدث عن استعداد شركات مثل ماكدونالدز وأوبر للانسحاب من السوق المصرية.
"لا تتدخلوا"
تحاول الدولة، وهي واحدة من خمس في العالم معرضة لأن تفقد القدرة على سداد ديونها وفق وكالة موديز، توفير أكبر قدر ممكن من الدولارات.
وقرض صندوق النقد الدولي الذي حصلت عليه مصر أخيرا -- ثلاثة مليارات دولار تسدد على 46 شهرا -- ليس إلا قطرة في بحر، خصوصا أن حزمة الدين التي يتعين على القاهرة سدادها خلال العام المالي 2022/ 2023 تبلغ 42 مليار دولار.
وقرر وزير النقل كامل الوزير إلزام السياح بسداد ثمن رحلات القطار بالدولار اعتبارا من كانون الثاني/يناير الجاري.
وقال في تصريحات للتلفزيون "أنا بحاجة إلى دولارات لسداد ثمن عربات القطار المستوردة. السياح يمكنهم الدفع بالدولار وهذا يناسبهم ويناسبني أيضا".
ولجني مزيد من الدولارات، تعتزم الدولة بيع الكثير من الشركات والأصول إلى القطاع الخاص، إلى حد أن الأمر أثار القلق من فقدان السيادة على قناة السويس.
وأكد رئيس هيئة القناة أسامة ربيع أخيرا أن القناة "ليست للبيع"، لكن الرئيس عبد الفتاح السيسي يرغب في إنشاء صندوق يخصص له جزءا من موارد الممر الملاحي يقوم بالإشراف على إدارته بنفسه، وقال في خطاب أخيرا "لا تتدخلوا في القضايا المالية، أتركوني أنا أتصرف".
ويعتبر ستيفان رول، الخبير في المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمن، أن مصر "تستدين لتثبيت نظام السيسي"، ويضيف أن "الجيش الذي يستند إليه (النظام)، هو أول المستفيدين: الديون الخارجية مكنته من حماية دخله وممتلكاته وتمويل مشروعات عملاقة تعود عليه بأرباح كبيرة"، إذ إن معظم المشاريع الكبرى يسند تنفيذها إلى القوات المسلحة.
وبعيدا عن المدن الجديدة والقطارات الكهربائية السريعة، فإن كل ما تتطلع إليه رحاب هو أن تشتري معطفًا لابنتها يقيها من البرد، وقالت وهي تغالب دموعها: "لكني وجدت أن ثمنه ألف جنيه فصرفت النظر عنه".
(فرانس برس)