تعاني المصارف العراقية الخاصة التي تم إدراجها في لائحة العقوبات الأميركية، من مشاكل انعكست على أدائها المصرفي وتعاملاتها النقدية، ما أثر بشكل مباشر على السوق النقدية والحركة التجارية في بلد يعتمد بشكل كبير على الاستيراد من الخارج.
وأدت العقوبات الأميركية الأخيرة على 28 مصرفاً، والتي تم تبريرها بتعامل المصارف العراقية المستهدفة مع إيران واتهامات بتورطها في تهريب الدولار، إلى إحداث عدة تحولات نقدية بعد أكثر من شهر على حظرها من قبل الخزانة الأميركية، ما دفع البنك المركزي العراقي إلى منعها من التعامل بالدولار، إضافة إلى جملة من الإجراءات القانونية الأخرى التي أصدرها البنك المركزي وفقاً لتعليمات الخزانة الأميركية.
وفي مطلع شهر فبراير/ شباط الماضي، أصدر البنك المركزي العراقي قرار ضم أسماء البنوك المحظورة، وهي مصرف آشور الدولي للاستثمار، ومصرف الاستثمار العراقي، ومصرف الاتحاد العراقي، ومصرف كردستان الدولي الإسلامي للاستثمار والتنمية، ومصرف الهدى، ومصرف الجنوب الإسلامي للاستثمار والتمويل، ومصرف العربية الإسلامي، ومصرف حمورابي التجاري إلى لائحة المصارف العراقية الخاضعة للعقوبات، وذلك في إطار الإجراءات المتخذة للحد من عمليات الاحتيال وغسل الأموال وغير ذلك من الاستخدامات غير المشروعة للعملة الأميركية، مع السماح لهذه البنوك بالعمل وإجراء معاملاتها النقدية بالعملات الأخرى.
أضرار المصارف العراقية
رابطة المصارف الخاصة في العراق، حذرت مما وصفته بـ"الضرر الكبير"، الذي يصيب المصارف التي تعرضت للحرمان من التعامل بالدولار، وانعكاس العقوبات على السوق العراقية. وقال مستشار الرابطة، سمير النصيري، إن الاقتصاد العراقي والقطاع المصرفي تحديداً يواجه أزمات وتحديات عديدة تمثلت في التذبذب المفاجئ في أسعار الدينار العراقي أمام الدولار والعقوبات الأميركية على عدد من المصارف العراقية.
وبيّن النصيري، لـ"العربي الجديد"، أن الحكومة العراقية والبنك المركزي العراقي، بدآ العمل على استخدام العديد من الإجراءات وفقا لمعايير وضوابط جديدة، تسهم في تنظيم وتمويل التجارة الخارجية بالاتجاهات التي تجعل القطاع المصرفي العراقي ينتظم بالمعايير المصرفية الدولية.
وأشار النصيري، إلى وجود 28 مصرفا تم إيقاف تعاملها بالدولار على مستوى التعاملات والتحويلات الخارجية الدولية، وحرمان هذه المصارف يعود لتعاملات في السنوات السابقة، بسبب وجود شكوك، وإجراءات تدقيقية، وإدارية، وتنظيمية.
وأكد أن هذه المصارف تشكل نسبة 50 في المائة من القطاع المصرفي الخاص العراقي، مما تسبب بضرر كبير لدى القطاع؛ لأن مجموع الموجودات في المصارف العراقية التي عوقبت وحرمت من التعامل بالدولار، يشكل بحدود 47 في المائة، ومجموع ودائعها يشكل 36 في المائة، وكذلك الحال بالنسبة لرأس المال الذي يشكل بحدود 37 في المائة.
وأفاد النصيري، بوجود أكثر من 245 فرعاً مصرفياً لهذه البنوك في العراق والتي تشكل نسبة 51 في المائة من عدد الفروع المصرفية العاملة في البلاد، أما عدد الموظفين العاملين في فروع هذه المصارف فيشكل قرابة 40 في المائة من مجموع العاملين في القطاع.
الاحتيال على العقوبات
ويرى مختصون أن إجراءات السيطرة على الدولار معقدة، وما زالت على أشدها من خلال تعاملات البنك المركزي العراقي اليومية في بيع الدولار عبر نافذة بيع العملة. كما تزايد تأثير حظر هذه البنوك على السوق العراقية، من خلال ارتفاع أسعار المواد الأساسية، وزيادة في معدلات التضخم وانخفاض القدرة الشرائية لدى المواطن العراقي، مما أحدث ركودا في الأسواق وتراجعاً في أداء السوق المحلية.
ورأى الباحث الاقتصادي، عمر الحلبوسي، أن المبيعات اليومية للدولار من قبل المركزي العراقي عالية جداً، وجزءاً كبيراً من هذه المبيعات مخصص لغرض حوالات الاستيراد إلا أن حجم الحوالات بالقياس مع البضائع الداخلة للعراق يظهر فرقا كبيرا جدا، يؤشر إلى استمرار التحايل على العقوبات وتسريب الدولار عبر طرق ووسائل متعددة إلى خارج العراق.
وبيّن الحلبوسي، خلال حديثه مع "العربي الجديد"، أن المصارف الخاصة في العراق جميعها لا تمتلك تنوعاً استثمارياً، إنما تعتمد على نافذة بيع العملة، وهذا يؤشر إلى أنها ليست مصارف بالمعنى الحقيقي، وهو ما جعل تلك المصارف المعاقبة تعاني بشكل كبير، أجبرها على تسريح عدد كبير من العاملين فيها وتخفيض الأجور، وتخليها عن فكرة التوسع بفتح الفروع، مؤكداً، أن بعض البنوك وصل إلى حافة الانهيار ما لم يتم اندماجه مع مصارف أخرى أو دخول مستثمرين جدد.
وأشار الحلبوسي إلى أن هناك عدداً من المصارف العراقية التي شُملت في قائمة الحظر استطاعت أن تتكيف مع العقوبات، من خلال تعدد وسائل التعامل النقدي بعملات دولية أخرى، إلا أن هذا التكيّف قد يكون مؤقتا.
وعن وضع البنوك المُعاقبة، أوضح الحلبوسي أنه حتى الآن لم يغلق أي منها بل ما زالت تمارس أعمالها بشكل يومي معتمدة على النشاط الداخلي من حوالات داخلية، أو بعض الودائع والتعامل بعملات غير الدولار، يضاف إلى تسليم الموظفين المتوطنة رواتبهم لديها، إلا أنها تشهد تراجعا كبيرا في أدائها المصرفي، كون أساس عمل هذه المصارف هو الدولار الذي منعت منه.
وأكد الحلبوسي، أن المصارف الخاصة في العراق تفتقر للمعنى والتركيبة الحقيقية للمصارف الرصينة، فهي لم تقدم منتجات وخدمات مالية ومصرفية حقيقية، إنما تعتمد على نافذة بيع العملة الأجنبية و الحوالات، ولا توجد أي مساهمة منها في تمويل المشاريع أو الاستثمار والتنمية، حتى وصل بها الحال الى استغلالها للمبادرات الحكومية لغرض تنمية أنشطتها الخاصة وزيادة الأرباح ورأس المال.
أداء المصارف الخاصة
وفي السياق، لفت الخبير المصرفي، عبد الرحمن الشيخلي، إلى أن البنوك التي صدرت بحقها العقوبات توقف عملها المصرفي بالدولار فقط، وتأثرت أعمالها وتعاملاتها الخارجية للحد الأدنى، واقتصرت على التعاملات الداخلية بالدينار العراقي، مما أثر على الاقتصاد العراقي والسوق المحلية.
وأكد الشيخلي، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن العراق يعتمد بشكل شبه كامل على عمليات الاستيراد من الخارج، وتتم هذه العمليات من خلال التحويلات المالية الخارجية التي كانت تقوم بها هذه البنوك، والتي تأثرت بشكل كبير وتركت انعكاسات سلبية على مستوى الأسعار في السوق المحلية.
وأشار الشيخلي إلى أن تعامل هذه المصارف بالتحويلات المالية إلى دول غير مرغوب بها من قبل أميركا، ومسجلة ضمن قائمة الحظر الدولي والعقوبات الاقتصادية، ساهم بإصدار قرار المنع من التعامل بالدولار.