المستثمرون الأجانب... إضافة أم اقتطاع من الاقتصاد المصري

09 أكتوبر 2024
المقر الجديد للبنك المركزي المصري في العاصمة الإدارية، 1 أغسطس/آب 2023 (فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- الدول المتعثرة ماليًا تضطر لبيع أصولها بأسعار منخفضة لتجنب الانهيار الاقتصادي، وغالبًا ما تُفرض عليها شروط قاسية من المؤسسات المالية الدولية، مثل الخصخصة الواسعة.
- أمثلة على ذلك تشمل سريلانكا واليونان والأرجنتين، حيث استحوذت دول مثل الصين على أصول استراتيجية، مما أدى إلى تبعات سلبية طويلة الأمد.
- في مصر، استحوذت الشركة القابضة الإماراتية على حصص في شركات كبرى بأسعار منخفضة، مما يعكس تحديات تحويل الأرباح إلى الخارج وضغوطًا على موازين المدفوعات.

عندما تقترب دولة من الإفلاس، تصبح أكثر عرضة للاستغلال من قِبَل دول أو جهات دولية تمتلك القدرة المالية والسياسية للاستحواذ على أصولها الهامة بأسعار منخفضة. هذا السيناريو قديم، وأصبح شائعاً في فترات الأزمات المالية، حيث تعجز الدول المتعثرة عن الوفاء بالتزاماتها المالية أو توفير السيولة الكافية لدعم اقتصادها، مما يضطرها إلى بيع أصولها لتجنب انهيار اقتصادها بالكامل، مقابل أسعار مخفضة يدفعها المستثمرون الأجانب.

وفي كثير من الحالات، يقدم هؤلاء المستثمرون الأجانب وأعوانهم، أو مؤسسات مالية دولية مثل صندوق النقد الدولي، قروضًا إلى الدول المتعثرة. وبينما تهدف هذه القروض في الظاهر إلى مساعدة الدولة المأزومة على تجاوز أزماتها، لكنها تأتي غالبًا بشروط مجحفة، مثل بيع الأصول الوطنية أو الخصخصة الواسعة للقطاعات الحكومية. وعادة ما يكون لتدفق تلك الأموال على البلد المقترض تبعات سلبية، لا تظهر إلا مع مرور الوقت.

في هذا النوع من العمليات، تُباع الشركات الحكومية أو الأصول العامة، مثل حقول النفط أو الموانئ أو شبكات الطاقة، بأسعار منخفضة للغاية بسبب الظروف الاقتصادية السيئة وعدم القدرة على التفاوض. وعلى سبيل المثال، استخدمت الصين مبادرة “الحزام والطريق” لتمويل العديد من مشاريع البنية التحتية في دول تعاني أزمات مالية، مثل سريلانكا. وعندما فشلت الأخيرة في سداد الديون، استحوذت الصين على ميناء هامبانتوتا الحيوي لمدة 99 عامًا، مما يعد مثالًا واضحًا لاستغلال الإفلاس للاستحواذ على أصول استراتيجية.

وعلى مر التاريخ، كان لنا عبرة أيضًا في دول أخرى، إذ تعرضت اليونان لأزمة ديون ضخمة، في أعقاب الأزمة المالية العالمية عام 2008، ما دفعها إلى بيع العديد من الأصول العامة، بما في ذلك مطاراتها وشبكات الكهرباء والمياه بأسعار زهيدة للمستثمرين الأجانب.

وشهدت الأرجنتين عدة أزمات مالية في العقود الأخيرة، واضطرت في كثير من الحالات إلى بيع أصولها العامة بأسعار منخفضة، عرضها المستثمرون الأجانب من صناديق ومؤسسات، لتخفيف أعباء ديونها الخارجية.

موقف
التحديثات الحية

وفي مصر، ومع اقتراب الحكومة من الإفلاس بعد خروج الأموال الساخنة خلال الربع الأول من عام 2022، تقدم المستثمرون الأجانب من الإمارات ودول أخرى لانتهاز الفرصة والاستحواذ على حصص في بعض أفضل الشركات المصرية، وأكثرها تحقيقًا للأرباح. واستحوذت الشركة القابضة الإماراتية (صندوق أبوظبي السيادي) على حصص في 5 شركات مدرجة بالبورصة المصرية، بإجمالي قيمة مالية بلغت 1.8 مليار دولار.

وكانت الشركات هي: البنك التجاري الدولي، وشركة فوري لتكنولوجيا البنوك والمدفوعات الإلكترونية، وشركة الإسكندرية لتداول الحاويات والبضائع، وشركتي مصر لإنتاج الأسمدة- موبكو، وشركة أبو قير للأسمدة والصناعات الكيماوية، وهما من الشركات الصناعية الرئيسية في مصر، ورفعت الإمارات بهذه الصفقة إجمالي عدد الشركات التي استحوذت على حصص منها (وقتها) إلى 7، بعدما سبق أن استحوذت على حصص في شركتي سوديك للتطوير العقاري وآمون للأدوية.

وبعد نحو 26 شهرًا فقط، أي بنهاية النصف الأول من العام، حققت شركة أبوظبي القابضة أرباحًا صافية تقدر قيمتها بنحو 890 مليون دولار من حصصها في الشركات الخمس التي اشترتها، وهو ما يقرب من نصف ما استثمرته مقابل شراء تلك الحصص، فيما اعتبره محللون دليلًا على تدني الأسعار التي دفعها المستثمرون الأجانب رغم ارتفاع قدرة الشركات على تحقيق الأرباح.

وهنا تجدر الإشارة إلى أن الأرباح مقومة بالدولار، وهو ما يوضح أن الأرباح المشار إليها تغلبت أيضاً على تراجع قيمة الجنيه المصري خلال الفترة، والتي شهدت فقدان ما يقرب من ثلثي هذه القيمة. أيضاً يجب ملاحظة أن الأرقام تشير إلى الأرباح التشغيلية فقط، من دون النظر إلى الأرباح الإضافية الناتجة عن ارتفاع أسهم هذه الشركات، أو ما يعرف باسم "الأرباح الرأسمالية".

اللافت للانتباه هو حجم الأرباح المحققة مقارنة بأصل الاستثمار، وخلال هذه الفترة القصيرة، بما يعكس معدل عائد سنوي على الاستثمار يراوح بين %22 - %23، وهي النسبة التي لا يمكن القول إنها مبالغ في ارتفاعها، في بيئة عمل تشبه تلك الموجودة حالياً في مصر.

وتتقزم تلك الأرباح عند الاطلاع على موقع البنك المركزي المصري على الإنترنت، والذي يظهر لنا أن عائد بعض أنواع أذون الخزانة تجاوز 29 %، على الرغم من أن تلك الأذون تعتبر بلا مخاطرة Risk Free، كونها تمثل إقراضًا للحكومة المصرية بالعملة المحلية. هذا العائد يعني أن المستثمر يمكنه استرداد كامل قيمة استثماره خلال فترة تقل عن ثلاث سنوات ونصف السنة!

وفي تقرير حديث، قال البنك المركزي المصري إن المستثمرين الأجانب في مصر حولوا إلى الخارج أرباحًا في العام المالي 2024-2023 بقيمة 19.5مليار دولار. وقال البنك إن ما يقرب من 7.9 مليارات دولار مما تم تحويله مثل عوائد أذون الخزانة التي اشتراها المستثمرون الأجانب في مصر، ضمن ما يطلق عليه "الأموال الساخنة".

ولم يكن العام المالي الأخير استثناءً، حيث تم تحويل تقريباً القدر نفسه من الدولارات إلى الخارج، تحت عنوان أرباح وعوائد استحقها المستثمرون الأجانب خلال العام المالي السابق، ومبلغ أقل قليلًا (16.75 مليار دولار) في العام الذي سبقه، والذي اعتبر عام الأزمة، حين اقتربت مصر من التخلف عن سداد مستحقات ديونها، وأوقفت استيراد العشرات من السلع، ومنها ما كان استراتيجياً. وإجمالاً، حولت مصر نحو 93 مليار دولار من الأرباح إلى الخارج، وفقًا لبيانات شبكة سي أن بي سي الاقتصادية.

هذه الأرقام تبدو لي مفزعة، حيث تؤكد أن القروض والاستثمارات التي تأتي للبلاد تحت عنوان المساعدة في تجاوز الأزمة على المدى القصير، تساهم على مدى أطول قليلًا في استفحال الأزمة نفسها، من خلال ما تفرضه من تحويلات إلى الخارج، الأمر الذي يضع موازين المدفوعات لديها تحت ضغوط، ويمهد لاقتراب أزمات جديدة، ربما لا تفلح معها جهود الإنقاذ التي نجحت في فترات سابقة.

المساهمون