بدأ مصرف تركيا المركزي، اليوم الأربعاء، تطبيق "النظام المالي الجديد" في تسعير الليرة، الذي أعلن عنه وزير المال التركي، نور الدين النبطي، أمس.
وأطلق المركزي التركي السعر الأول للعملة التركية بالمصارف مقابل العملات الأجنبية، ليتم استخدامه للودائع لأجل بالليرة، محدداً سعر اليوم عند 12.3480 ليرة مقابل الدولار.
ويأتي ذلك فيما قال الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، إن الخطة الاقتصادية الجديدة لضبط أسعار صرف العملات بشكل يلائم الواقع الاقتصادي للبلاد "حققت هدفها".
وجاء ذلك في كلمة ألقاها أردوغان خلال مشاركته، الأربعاء، في اجتماع الكتلة النيابية لحزب "العدالة والتنمية" بالبرلمان التركي.
وأضاف أردوغان أن حكومته "عازمة على حماية مكتسبات المواطنين من ضغوط التضخم وتقلبات أسعار الصرف". وتابع: "كافة المواطنين سيكونون رابحين في الخطة الاقتصادية الجديدة، وليس فقط من لديهم ودائع في البنوك".
وكان الرئيس التركي قد شدد على حرص حكومته على "تحقيق الاستقرار في الاقتصاد والحد من تقلبات سعر الصرف، عبر مواصلة الالتزام بقواعد السوق الحر، وتشجيع الإنتاج والتصدير والاستثمار"، مشددا: "لقد بدأنا في تفعيل إجراءات خاصة داخل السوق الحر لإيقاف التذبذب في سعر الصرف".
وخاطب الأتراك بعدما أكل التضخم الذي يزيد عن 21.3% مداخيلهم: "نعلم أن ما يحدث في بلدنا هذه الأيام يضيّق على مواطنينا، ونعلم أن هذا الأمر تضرر منه الجميع، ونتفهم هذا ونرحب بأي مقترح أو نقد بناء في الشأن ذاته، ومن الآن فصاعدا لن تعود تركيا جنة للأموال الساخنة أو أولئك الذين يضاعفون أموالهم بالفوائد".
فيما أعرب وزير التجارة التركي محمد موش عن اعتقاده بقرب تسجيل انخفاض في أسعار المواد الغذائية، عقب انتعاش الليرة أمام العملات الأجنبية.
بدوره، قال وزير الصناعة والتكنولوجيا التركي مصطفى وارانك إن الأولوية الأساسية لحكومة بلاده هي "ضمان استقرار أسعار الصرف". وأضاف: "سنوفر مناخا اقتصاديا يسهل الوصول إلى التمويل لمن يرغب في الاستثمار".
وشهدت الليرة التركية، مساء الإثنين، انتعاشا كبيرا من 18.3 إلى 12.2 ليرة أمام الدولار بنسبة زيادة 33 بالمائة، بعد تصريحات أردوغان حول الأداة المالية الجديدة.
حماية الودائع بالليرة
وأعلن البنك المركزي التركي، في وقت متأخر من مساء أمس الثلاثاء، أنه قرر دعم حسابات الودائع بالعملات الأجنبية المحولة إلى حسابات ودائع بالليرة لتشجيع الدولرة العكسية.
الرئيس التركي شدد على حرص حكومته على "تحقيق الاستقرار في الاقتصاد والحد من تقلبات سعر الصرف، عبر مواصلة الالتزام بقواعد السوق الحر، وتشجيع الإنتاج والتصدير والاستثمار"
وأكد البنك المركزي التركي، خلال بيان: "في حال كان الأشخاص الطبيعيون المقيمون، الذين لديهم بالفعل حساب إيداع بالعملة الأجنبية، يحولون حساباتهم إلى حسابات ودائع لأجل بالليرة التركية، سيكونون مؤهلين للاستفادة من الحافز"، أي أن البنك المركزي سيغطي الفرق بعد حساب سعر الفائدة وفرق سعر الصرف عند فتح وإغلاق حسابات الودائع بالليرة، وإن الحسابات المحولة إلى حسابات ودائع بالليرة يمكن أن يكون لها آجال استحقاق ثلاثة أو ستة أو 12 شهرا.
وأطلقت تركيا، منذ أمس الثلاثاء، آلية "وديعة الليرة التركية المحمية من تقلبات أسعار الصرف"، والتي تضمن للمودع بالليرة عدم الوقوع ضحية للتقلبات في أسعار الصرف، والحصول على الفائدة المعلنة، يضاف إليها الفرق في سعر الدولار بين وقت الإيداع والسحب.
استعراض الإجراءات
وتتفاوت الآراء في تركيا بشأن استمرار تحسن الليرة التركية التي تراجعت من 7.4 مقابل الدولار إلى نحو 18.4، قبل أن تتعافى وتسجل اليوم نحو 12.5 ليرة مقابل الدولار.
ويرى أستاذ النقد مسلم طالاس، في حديث مع "العربي الجديد"، أنه "من المبكر الحكم على الإجراءات الحالية من نتائجها المباشرة، والاستناد إليها للدفاع عن صوابية "النموذج التركي" أو عدم صوابه"، مستعرضاً الإجراءات التي تم الإعلان عنها، قبل تخمين أثرها في سياق اتجاهات سير الاقتصاد التركي في المستقبل، عبر "تعويض خسائر المودعين بالليرة التركية وإتاحة الحكومة عقود عملة آجلة للمصدرين من أجل حمايتهم من تقلبات سعر الصرف، وإجراءات مالية أخرى".
ويعتبر طالاس أن "هناك عوامل عدة أدت لتحسن الليرة، منها أن الصعود السريع كان قبله هبوط كبير، وحركة الأسواق بشكل عام هي على شكل أمواج وليست خطوطاً، سواء كان الاتجاه صاعداً أم هابطاً. وبعد كل عملية صعود أو هبوط، تتوقف الأسواق وتتراجع لالتقاط الأنفاس والقيام بعمليات جني أرباح، أي بيع العملة الصاعدة (الدولار مثلا) لتحقيق أرباح من الصعود".
والعامل الثاني، برأي المتخصص طالاس، هو "عمليات شراء الليرة التركية التي تمت بنحو مليار دولار، التي من غير الواضح من الجهة التي قامت بذلك (حركة سوق أم صفقة ما)، لكنها تركت أثرها على السوق.
ويضيف المتحدث ذاته أن "مفاعيل الإجراءات التي أعلن عنها أردوغان هي العامل الثالث، لأنها أعطت بعض الاطمئنان لبعض المودعين والمستثمرين بالليرة التركية، مما خفف بعض الضغط على العملة المحلية".
وحول الآفاق المستقبلية لهذه الإجراءات، يضيف طالاس أنه "من المبكر إعطاء حكم قطعي على آثار هذه الإجراءات قبل إعلان التفاصيل التنفيذية والانتظار لبعض الوقت، لكن يمكن أن نتوقع اتجاهات الآثار الممكنة لتلك الإجراءات في العموم".
وأكد أنه "من الضرورة التأكيد أن اقتصاد تركيا ليس اقتصاداً ضعيفاً، فهو من بين أكبر عشرين اقتصاداً في العالم، وهو اقتصاد متنوع ويمتلك العديد من المزايا، وتعتبر تركيا من الدول الناشئة التي تمتلك إمكانية الصعود لدولة متقدمة".
لكن الاقتصاد التركي، وفق طالاس، "يعاني من نقاط ضعف، يجب التعامل معها بحكمة، والتي تتجلى في انخفاض إنتاجية العامل التركي، ومن أعراضها انخفاض معدل الادخار والاعتماد الكبير على التمويل الخارجي للنمو الاقتصادي".