خفضت لجنة السياسة النقدية بالبنك المركزي التركي، اليوم الخميس، سعر الفائدة على العملة المحلية بنسبة 2%، لتصل إلى 16%، وذلك رغم التحذيرات من آثار ذلك على سعر الليرة، التي خسرت هذا العام أكثر من 21% من قيمتها رغم تحسن مؤشرات الاقتصاد وزيادة احتياطي البلاد من النقد الأجنبي ليتجاوز 120 مليار دولار وقفزات الإيرادات الدولارية من أنشطة رئيسية ومنها الصادرات.
ويعد قرار البنك المركزي التركي هو الأول منذ عزل الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، ثلاثة من أعضاء مجلس السياسة النقدية، بسبب خلافات حول تحديد سعر الفائدة في ظل ارتفاع التضخم، وضعف الليرة، حيث يعد أردوغان من أنصار خفض أسعار الفائدة.
وهوت العملة التركية أمام الدولار، اليوم الخميس، إلى مستويات تاريخية بعد قرار البنك المركزي.
وارتفع سعر صرف الدولار إلى 9.4111 ليرات، وصعد اليورو إلى 10.9750 ليرات، وتعد هذه المرة الأولى التي تسجل فيها العملة التركية هذا المستوى منذ سنوات.
وتعقيبا على القرار يرى أستاذ المالية بجامعة باشاك شهير بإسطنبول، فراس شعبو، أن خطوة المصرف المركزي اليوم "جريئة جدا وغير متوقعة"، مضيفا " لا شك أن شيئاً ما تخفيه القيادة التركية، وستعلنه قريباً لتهدئة السوق وامتصاص فورة المخاوف التي ستتعالى بسوق الصرف".
ويضيف شعبو، لـ"العربي الجديد"، أن الحكومة والرئيس التركي اختارا المؤشرات الاقتصادية، من معدل النمو والإنتاج والاحتياطي الأجنبي والصادرات، على المؤشرات النقديةوسعر الصرف.
ويتابع: "ثمة شيء ربما تعلنه تركيا قريباً، وإلا ستهوي العملة بنهاية العام لنحو 10 ليرات مقابل الدولار".
من جهته، يؤكد المحلل التركي، يوسف كاتب أوغلو، أن بلاده مستمرة بسياسة تكريس الاقتصاد الحقيقي الإنتاجي، ومحاربة الاقتصاد المالي والفائدة المرتفعة، لأن جذب الأموال إلى خزائن المصارف عبر الفوائد المرتفعة لن ينعكس على الاقتصاد والإنتاج، و"لن يمتص فائض البطالة التي تسعى تركيا لخفضها من 13.22% إلى 10%".
ويشير كاتب أوغلو، لـ"العربي الجديد"، إلى أن المتوقع ألا يحتمل السوق تخفيض سعر الفائدة بهذه النسبة المرتفعة، "لذا الأرجح أن يتراجع سعر العملة إلى 9.5 أو 9.75 ليرات حتى نهاية الشهر الجاري، ولكن حينما تصدر أرقام الربع الثالث، ويرى المراقبون أرقام الصادرات ونسبة النمو، المتوقع أن تهدأ الأسواق".
وتعاني السوق النقدية التركية ارتدادات تخفيض سعر الفائدة السابق، في 23 سبتمبر/أيلول الماضي، وقت خفّض المصرف المركزي بعد اجتماع مجلس السياسة النقدية سعر الفائدة من 19% إلى 18%، مع التأكيد على المواصلة وبحزم، في استخدام جميع الأدوات المتاحة له حتى تظهر مؤشرات قوية تشير إلى انخفاض دائم في التضخم، للوصول من 19,5% اليوم إلى هدف 5% على المدى المتوسط، بما يتماشى مع الهدف الرئيسي المتمثل في استقرار الأسعار.
واستمرّ اضطراب السوق التركية وتراجع سعر صرف الليرة بعد عزل أردوغان، الخميس الماضي، نائبي محافظ البنك المركزي سميح تومان، وأوغور نامق كوتشك، وعضو مجلس السياسات النقدية عبد الله يافاش، من مناصبهم، وتعيين طه تشاناق نائبا لرئيس البنك المركزي، ويوسف تونا عضوا في مجلس السياسات النقدية.
واستمر هبوط العملة التركية بعد مخاوف استمرار التدخل بقرارات المصرف المركزي والتوقعات بتخفيض سعر الفائدة، لتسجل اليوم قبل صدور قرار مجلس السياسات النقدية 9.3068 ليرات مقابل الدولار، و10.8489 ليرات مقابل العملة الأوروبية الموحدة، متراجعة بنسبة 0.0151% عن إقفال سعر أمس الأربعاء.
وخسرت الليرة التركية خلال العام الجاري نحو 21% من قيمتها، مع زيادة التوقعات بتراجع سعر الصرف بواقع ضغط القيادة التركية بشأن تخفيض سعر الفائدة المعول وصولها إلى 5% عام 2023، بهدف توجيه الأموال من خزائن المصارف إلى الاقتصاد الحقيقي الذي تنشده تركيا، خاصة في ظل التداعيات الاقتصادية التي أحدثتها قيود جائحة كورونا.
وتعتبر أنقرة أن انخفاض تكاليف الاقتراض سيساعد على إبطاء وتيرة ارتفاع الأسعار، بالإضافة إلى تحفيز الاقتصاد، وقد حث البنك المركزي مراراً على خفض سعر الفائدة القياسي.
وأوصل تراجع سعر صرف الليرة التركية أسعار الذهب إلى أعلى مستوى تشهده البلاد، إذ سجل غرام الذهب عيار 14 قيراطاً اليوم 310.177 ليرات، وغرام عيار 18 قيراطاً 398.787 ليرة، ليتعدى سعر غرام الذهب عيار 22 قيراطاً، وهو الأكثر تداولا بتركيا، 487.550 ليرة تركية، وتسجل أونصة الذهب اليوم 1785.35 دولاراً.
ويأخذ مراقبون على المصرف المركزي التركي "عدم الاستقلالية"، بعد عزل الرئيس التركي كلا من نائبي المحافظ الأسبوع الماضي، وعزل محافظ المصرف المركزي ناجي إقبال في مارس/آذار الماضي، وتعيين شهاب كافجي أوغلو مكانه، وهو ثالث تعديل في غضون عام ونصف العام.
لكن تركيا ترى أن استمرار النمو وعودة السياحة والآمال المعقودة على أكثر من 200 مليار دولار صادرات هذا العام، ستغير من المشهد الاقتصادي، وتنعكس بالتالي على جذب الاستثمارات وتحسين سعر صرف الليرة التركية.
ويقول الرئيس التركي إن أداء الاقتصاد التركي بالرغم من تحديات وباء كورونا، كان ضمن قائمة الدول الأكثر نموا ضمن بلدان مجموعة العشرين التي تضم كبرى اقتصادات العالم، خلال العام الفائت.
ويؤكد، خلال رسالة مرئية وجهها إلى المؤتمر المالي الإقليمي، اليوم الخميس، على مواصلة النمو الاقتصادي، خلال العام الحالي أيضاً، لافتاً إلى نمو اقتصاد بلاده 21.7 بالمئة في الربع الثاني من 2021، واستمرار سعيها لتحقيق نمو اقتصادي بنسبة 9 بالمئة، بحلول نهاية العام الحالي.