الحرب تكبّل المركزي الإسرائيلي: الفائدة تصطدم بحدَّي التضخم وهبوط النمو

29 اغسطس 2024
أمام مكنات إسرائيلية للسحب الآلي، 11 يناير 2012 (Getty)
+ الخط -
اظهر الملخص
- **تثبيت سعر الفائدة في إسرائيل**: البنك المركزي الإسرائيلي قرر تثبيت سعر الفائدة عند 4.5% رغم التوترات الاقتصادية والجيوسياسية، بما في ذلك الحرب على غزة وارتفاع التضخم والعجز.

- **تحذيرات وكالات التصنيف الائتماني**: وكالة موديز حذرت من خفض التصنيف الائتماني لإسرائيل في حال تصاعد الحرب، وتوقعت عجزاً في الميزانية بنسبة 7.8% وارتفاع الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي فوق 70%.

- **التضخم والبطالة وتحديات النمو**: التضخم ارتفع إلى 3.2% في يوليو، والنمو الاقتصادي هبط إلى انكماش بنسبة 0.4%، مع معدل بطالة يبلغ 2.8% بسبب الاستدعاء للجيش وتشريد الموظفين.

يعاكس البنك المركزي الإسرائيلي الاتجاه العالمي، عبر تثبيت سعر الفائدة الأربعاء عند مستوى مرتفع بنسبة 4.5%، فيما تخفّض البنوك المركزية بغالبيتها الفائدة في محاولة لتحريك اقتصاداتها بعد مسار طويل من رفع الفائدة للسيطرة على التضخم.

وعادة، يعتبر تثبيت سعر الفائدة دليلاً على توازن المؤشرات الاقتصادية القائمة وسير معدلات التضخم والاستثمار والبطالة وغيرها وفق توقعات البنك المركزي وكذا الحكومات، إلا أن الحالة الإسرائيلية لا تعكس هذه المعادلة، لا بل إن عدم اليقين الاقتصادي الناتج من الحرب على غزة، وارتفاع معدلات التضخم والعجز وهبوط النمو في مقارنة بالتوقعات، كلها عناصر تعزز عمق الأزمة التي تطاول الاقتصاد.

ويأتي بقاء سعر الفائدة الإسرائيلية دون تغيير، في محاولة لموازنة الاقتصاد الضعيف مع الضغوط التضخمية مع ارتفاع الإنفاق الحربي، وذلك بعد بدء العام بخفض أسعار الفائدة بمقدار ربع نقطة مئوية، على الرغم من أن الاقتصاد يحتاج إلى خفض أسعار الفائدة لتشجيع الاستثمارات التي تعاني من انحسار.

وقال أناتولي شال، المحلل في جي بي مورغان تشيس آند كو، في مذكرة صدرت أخيراً ونشرتها وكالة "بلومبيرغ": "سيستمر بنك إسرائيل في توخي الحذر في الأمد القريب، خصوصاً مع استمرار التوتر في البيئة الجيوسياسية". وتوقع خفض الفائدة أولاً بمقدار 25 نقطة أساس في نوفمبر/تشرين الثاني، يليه خفض آخر بمقدار 50 نقطة أساس بحلول منتصف عام 2025. ومع ذلك، قال إن البنك المركزي قد يضطر إلى الدخول في دورة تخفيف "أكثر تأخيراً وأقل سطحية" إذا لم تتوقف الحرب.

وفي مسار القلق المستمر، أعلنت وكالة موديز للتصنيف الائتماني مساء الثلاثاء أن الحرب الشاملة مع حزب الله أو إيران "قد تكون لها عواقب وخيمة على التصنيف الائتماني لإسرائيل". وهذا ليس إجراءً تدريجيًا (تغييرًا في الترتيب)، ولكنه تحذير واضح لما قد يحدث في حالة اتساع نطاق الصراع القائم. وعلى غرار مؤسسات فيتش وستاندرد آند بورز، فإن وكالة موديز لديها أيضًا توقعات تصنيف سلبية لإسرائيل.

وهذا يعني أن الشركة تدرس خفض التصنيف الائتماني مرة أخرى خلال عام إلى عام ونصف. تشير التقديرات إلى أنّ من المتوقع أن تخفض وكالة موديز تصنيفها مرة أخرى قريبًا، ويسلط التعليق الذي نشرته الآن الضوء على أحد السيناريوهات التي قد تؤدي إلى خفض فوري للتصنيف.

انتقادات تطاول المركزي الإسرائيلي

ونشرت عدة هيئات دولية، في الأسابيع الأخيرة، تحذيرات وإشارات بشأن تأثير الحرب في الاقتصاد الإسرائيلي. قبل أسبوع فقط، نشر قسم الأبحاث في البنك الأميركي "سيتي" تحليلاً عن الوضع الاقتصادي في إسرائيل، وصف فيه تصنيف إسرائيل بأنه ليس مؤكداً على الإطلاق، بسبب الفهم بأن الأسواق لا ترى تحسناً في إنهاء الصراع في المنطقة. وقال: "لقد ابتعدت فروق أسعار السندات الدولارية الإسرائيلية بالفعل عن التصنيف المحدد لإسرائيل في أعقاب التوترات الجيوسياسية.

هذا التوتر يجعل من الصعب توقع متى سيكون هناك إعادة فحص للتصنيف من قبل الشركات المختلفة". وجاء تحليل "سيتي" بعد حوالى أسبوع من إعلان وكالة التصنيف الائتماني الدولية فيتش خفض التصنيف الائتماني لإسرائيل من A+ إلى A، ما يضع نظرة مستقبلية سلبية.

وذكرت وكالة فيتش في إعلانها أن "التخفيض إلى المستوى A يعكس تأثير استمرار الحرب في غزة وزيادة المخاطر الجيوسياسية والعمليات العسكرية على عدة جبهات". وأكدت الوكالة التبعات الاقتصادية للوضع الأمني، وتوقعت عجزاً في الميزانية بنسبة 7.8% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2024، وقدرت أن نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي ستبقى فوق 70% على المدى المتوسط.

وفي سياق السياسات الشعبوية التي تحكم عمليات اتخاذ القرارات المالية والنقدية في عهد بنيامين نتنياهو، تعرّض البنك المركزي الإسرائيلي سابقاً لانتقاد من قبل وزير الطاقة إيلي كوهين، الذي قال إن سعر الفائدة مرتفع، وإنه لا يوجد أي مبرر لذلك، ما أثار مخاوف على استقلالية قرارات البنك المركزي من قبل المستثمرين.

التضخم يثير موجة غضب

ويشكل التضخم المتزايد معضلة فعلية للبنك المركزي، حيث إن سياسة رفع الفائدة منذ بداية النصف الثاني من عام 2022 التي حاولت السيطرة على التضخم إلى قرب المستهدف البالغ 3%، اصطدمت بتداعيات الحرب، والمقاطعة الاقتصادية، وخصوصاً من قبل تركيا، والحد من وصول الشحنات التجارية إلى إسرائيل بسبب تحركات الحوثيين في البحر الأحمر، وعليه ارتفع التضخم في الاثني عشر شهراً حتى نهاية يوليو/ تموز الماضي، إلى 3.2% من 2.9% في نهاية يونيو/ حزيران، ما زاد من تردد المركزي الإسرائيلي في خفض أسعار الفائدة.

ويثير ارتفاع الأسعار موجة غضب واسعة في إسرائيل، الأمر الذي دفع موقع "كالكاليست" المتخصص، في الثاني من مايو/ أيار الماضي، إلى مهاجمة وزير الاقتصاد نير بركات ونعته بأنه "فاشل"، ووصف الحكومة الإسرائيلية بأنها "خائنة"، مشيراً إلى أن نتنياهو تخلى عن الوعد الانتخابي الذي كان قد أطلقه بخفض الأسعار.

ومقابل ارتفاع التضخم، تهبط توقعات النمو الاقتصادي إلى مستويات متدنية، فيما يبدو المركزي الإسرائيلي عاجزاً عن عكس بوصلة الاقتصاد المتهاوي من خلال خفض سعر الفائدة لضخ السيولة وتحريك الاستثمارات وزيادة مستويات التوظيف. إذ رغم توقعات نمو اقتصاد إسرائيل بنسبة 5.9% خلال الربع الثاني من عام 2024، جاءت الأرقام أقل من التوقعات لتسجل 1.2%. إلا أن النمو يعتبر سلبياً، بنسبة انكماش تبلغ 0.4% خلال الفترة نفسها، مع الأخذ بالاعتبار الزيادة السكانية الطبيعية، ما يعني أن الأرقام الفعلية للاقتصاد تشير إلى نمو سلبي.

كذلك، يعاني سوق العمل في إسرائيل من ضعف العمالة، فيما لا يتجاوز معدل البطالة 2.8%. ويرجع هذا جزئياً إلى النقص في القوى العاملة نتيجة للاستدعاء إلى الجيش وتشريد أعداد كبيرة من الموظفين، خصوصاً من المنطقة الحدودية مع لبنان، إضافة إلى القيود المفروضة على عودة الفلسطينيين إلى العمل في المرافق الإسرائيلية، وخصوصاً العقارات.

تأثير السياسات المالية

وبطبيعة الحال، يتزايد قلق البنك المركزي الإسرائيلي أضعافاً في ظل تضخم الإنفاق في موازنة عام 2024 والتأخير الحاصل في مناقشة موازنة عام 2025، وسط ارتفاع عجز الموازنة إلى 8.1% حتى يوليو/تموز الماضي. يطالب محافظ البنك المركزي الإسرائيلي أمير يارون (وفق ما أوردت وكالة "بلومبيرغ") منذ أسابيع بخفض الميزانية بما يصل إلى نحو 30 مليار شيكل (8 مليارات دولار) لموازنة الإنفاق الدفاعي المتزايد واستقرار مستويات الديون الإسرائيلية.

ووفقاً للبنك المركزي، سترتفع نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي إلى 67.5% هذا العام، ارتفاعاً من نحو 59% في عام 2022. وقال محللون في بنك هبوعليم، أحد أكبر بنكين مقرضين في إسرائيل، إن ارتفاع الفارق في عوائد سندات الشيكل فوق سندات الخزانة الأميركية إلى أعلى مستوى في 11 عاماً نتيجة لمخاوف المستثمرين "بشأن المصداقية المالية وتسويف الحكومة في تقديم ميزانية لعام 2025".

وبحسب التحليلات، هناك سببان رئيسيان يمنعان بنك إسرائيل من خفض سعر الفائدة كما توقع الكثيرون فور اندلاع الحرب. أولاً، مع عدم خفض بنك الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة، فإن بنك إسرائيل (الذي خفض بالفعل أسعار الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس) سيجد نفسه في موقف حساس قبل اتخاذ أي خطوة إضافية في هذا الصدد. فتخفيض أسعار الفائدة من جانب بنك إسرائيل قد يؤدي إلى انخفاض عائدات السندات الحكومية أكثر، وفق قناة i24NEWS الإسرائيلية، ما يمكن أن يؤثر سلباً في الاقتصاد الإسرائيلي وقيمة الشيكل.

بالإضافة إلى ذلك، إن تخفيض أسعار الفائدة من جديد قد يؤدي إلى خروج كميات كبيرة من الأموال من إسرائيل، حيث قد تصبح سندات الدول الأخرى أكثر جاذبية، ما يمكن أن يضعف بنك إسرائيل كثيراً، مقارنةً بالعملات الأخرى في سوق الصرف الأجنبي. أما السبب الثاني، فهو الأرقام الحالية للاقتصاد الإسرائيلي التي تثير المخاوف بشأن التضخم المفرط، وهو عملية تضخمية تخرج عن نطاق السيطرة وتتجلى في ارتفاع سريع في أسعار السلع والخدمات.

المساهمون