"المرض الهولندي" ... هل يصيب اقتصاد الكويت وسط تعثر متواصل في تنويع الموارد؟

15 فبراير 2024
تعتمد الكويت على إيرادات النفط في تمويل 90% من ميزانيتها العامة (Getty)
+ الخط -

ظلال قاتمة تلك التي عكسها تعثر الحكومات الكويتية المتعاقبة في تنويع الموارد المالية للبلاد على برنامج عمل الحكومة الجديد، الذي وصف الحالة الاقتصادية الراهنة بأنها "تواجه تحديا خطيرا واستثنائيا".

وحسب تصنيف البرنامج الذي أصدرته الحكومة في 6 فبراير/شباط الجاري، فإن هذا التحدي يهدد قدرة الكويت على الاستمرار في توفير الحياة الكريمة للمواطنين واحتياجاتهم الأساسية ويهدد أيضا بعدم القدرة على الإيفاء بالالتزامات المحلية والدولية، مشيرا إلى أن العجز المتوقع في الميزانية العامة للدولة خلال السنوات الـ5 المقبلة سيتراوح بين 45 و60 مليار دينار (146.13 إلى 194.84 مليار دولار) من دون المضي بالإصلاح الاقتصادي والمالي.

ويتضاعف حجم التحدي بتضاعف متطلبات التمويل الحكومي خلال السنوات العشر المقبلة، في ظل توقعات بأن يبلغ متوسط عجز الميزانية العامة 13 مليار دينار (42.3 مليار دولار) في 2033، حسبما أورد البرنامج الحكومي، الذي أشار إلى أن تمويل الميزانية العامة سيتطلب حينها أسعار نفط مرتفعة عند 100 دولار للبرميل، وهو ما لا تصب المؤشرات المستقبلية في حدوثه.

تعتمد الكويت على إيرادات النفط في تمويل 90% من ميزانيتها العامة، ولم تكلل الجهود والخطط السابقة الرامية لتنويع الاقتصاد بدرجة من النجاح

وتعتمد الكويت على إيرادات النفط في تمويل 90% من ميزانيتها العامة، ولم تكلل الجهود والخطط السابقة الرامية لتنويع الاقتصاد بدرجة من النجاح، بحسب بيانات رسمية.

وفي هذا الإطار، تسعى الحكومة الكويتية إلى إجراءات لتنويع الموارد المالية، منها إقرار قوانين لأدوات السيولة وضريبة أرباح الأعمال والضريبة الانتقائية خلال الفصل التشريعي الحالي، كما تعتزم البدء في دراسة جدوى مشروع ربط السكك الحديدية مع السعودية خلال 100 يوم، بحسب "رويترز".

تأخر جهود التنويع
وتعقيبا على تلك التطورات يرى الخبير الاقتصادي الكويتي، محمد رمضان، أن التقديرات المسربة من برنامج العمل الحكومي "كتبت بطريقة مبالغ فيها وغير مسؤولة" على حد قوله، مؤكدا أن هكذا تقدير فاقد للمصداقية ولم يُعدّ بشكل جيد أو مناسب، حسبما صرح لـ "العربي الجديد".

وبحسب رمضان فإن اقتصاد الكويت لا يعاني أي خطورة استراتيجية بالحجم الذي أشار إليه برنامج العمل الحكومي، ولو كان ذلك صحيحا لخفضت وكالات التصنيف الائتماني تصنيف الكويت بشكل كبير جدا.
لكن رمضان أقر بأن الكويت متأخرة في جهود تنويع الاقتصاد "الداخلي"، وعزا ذلك إلى عدم وضع الحكومة ومجلس الأمة الاقتصاد كأولوية أساسية، والصراعات المستمرة بينهما، مؤكدا أنه "إن لم يكن الاقتصاد أولوية لا عند الحكومة ولا عند المجلس ولا عند المواطنين فلن يصبح أولوية، وهذا هو الوضع الحاصل".

غير أن الوضع المالي "العام" للكويت يتمتع بالتنوع بالفعل، بحسب رمضان، موضحا أن التنوع في مصادر الدخل ناشئ عن حجم الاستثمارات الخارجية للكويت، وهذه الاستثمارات لا تدخل في الميزانية، وبالتالي فإن هذا التنوع "الكبير جدا" لا يبدو ظاهرا لدى عديد المراقبين.

ويشير رمضان، في هذا الصدد، إلى أن تقدير قيمة الاستثمارات الخارجية للكويت يصل إلى 700 مليار دولار، وبالتالي فإن عوائد هذه الاستثمارات تمثل نسبة كبيرة من الموارد المالية إذا ما قورنت بإيرادات الميزانيات المنشورة، و"أحيانا تتفوق على الإيرادات النفطية"، حسب قوله.

خبير اقتصادي السوداني: الأزمة العميقة التي يعاني منها الاقتصاد الكويتي "ليست مستغربة " في ظل تراجع أسعار النفط وتذبذبها

صحيح أن هذه الاستثمارات خارج دولة الكويت، وبالتالي لا تساهم في تنمية الاقتصاد المحلي، لكنها تساهم في دعم المالية العامة للدولة وتنويع مداخيلها، وإن كان من خارج الاقتصاد المحلي، بحسب رمضان.

المرض الهولندي
يشير الخبير الاقتصادي السوداني، الأستاذ بجامعة لونغ آيلاند في نيويورك، بكري الجاك، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، إلى أن الأزمة العميقة التي يعاني منها الاقتصاد الكويتي "ليست مستغربة" في ظل تراجع أسعار النفط وتذبذبها، ففي الدولة الحديثة عادة ما تكون الضرائب والجمارك والرسوم هي المصدر الأول لتمويل الميزانية العامة للدولة، ومن ثم تأتي الاستثمارات الحكومية في قطاعات النفط والطاقة والصناديق السيادية.

ويضيف الجاك أن ما حدث في الكويت هو مآل اقتصاديات بعض دول الخليج قبل اتجاه بعضها إلى تنويع أنشطتها الاقتصادية، فالاعتماد على الموارد المعدنية يخلق ما يعرف بالاقتصادات الريعية، كما أن الاعتماد على مورد واحد، هو النفط في حالة الكويت، يؤدي إلى ما يعرف بالـ Dutch Disease أو المرض الهولندي.
ويوضح الجاك أن المرض الهولندي هو مشكلة اقتصادية معروفة لها تبعات عديدة على الاقتصاد الكلي في حال حدوث أي اضطرابات في إنتاج أو تسويق أو أسعار السلعة التي تكون موردا ماليا وحيدا، وهو ما جرى في حالة الاقتصاد الكويتي جراء تذبذب أسعار النفط إذ لا تستطيع وزارة المالية التنبؤ بعائدات النفط مبكرا عند وضع الموازنة في نهاية العام المالي كما جرت العادة في أنظمة المالية العامة.

أما سبب فشل الكويت في تنويع اقتصادها خلال السنوات الماضية، فيعزوه الجاك إلى عدم توفر العديد من البدائل التي تحددها الطبيعة والثقافة والإرادة السياسية؛ فمناخ الكويت لا يمكن من الاتجاه للزراعة لتصبح نشاطا فعالا، كما أن الثقافة والإرادة السياسية لا تسمحان بقيام قطاع سياحي.

سبب فشل الكويت في تنويع اقتصادها خلال السنوات الماضية، فيعزوه الجاك إلى عدم توفر العديد من البدائل التي تحددها الطبيعة والثقافة والإرادة السياسية

أما الصناعات الخفيفة فتحتاج إلى مواد خام، وهي عادة مواد زراعية واستيرادها لا يعطي ميزة تنافسية لهذه الصناعات حتى إذا تم توطينها بنجاح.
وعن حل الاتجاه نحو القطاع الخدمي، يشير الجاك إلى أن ذلك يتطلب وجود قطاعات اقتصادية أخرى فاعلة وكثافة سكانية، فمحاولة تطوير سوق للعقار والخدمات المالية، على سبيل المثال، يتطلب وجود قطاعات أخرى منتجة، بالإضافة إلى أن وجود دبي كأكبر سوق للخدمات المالية لا يسهل عملية دخول هذا القطاع لصعوبة المنافسة.
ولذا يرى الجاك أن صناع السياسات في الكويت أمام "تحديات وجودية عظيمة" في ظل تذبذب أسعار النفط والتغير المناخي وتوجه العالم إلى الطاقات المتجددة، و"هذه التحديات تتطلب تفكيرا عميقا وتخطيطا مستقبليا لتوليد خيارات فعالة"، حسب قوله.

المساهمون