متضررو العمليات الإرهابية في الموصل: تعويضات بـ"التقسيط" وتبرير حكومي من بوابة "الأزمة المالية"
أثار لجوء الحكومة العراقية اعتماد مبدأ "التقسيط" في دفع مبالغ التعويضات المخصصة للمتضررين من الإرهاب والعمليات العسكرية في محافظة نينوى شمالي العراق، انتقاداً واستغراباً من المسؤولين في المحافظة والمتضررين على حد سواء، معتبرين ذلك استغلالاً لمعاناة المواطنين، وتهرّباً من المسؤولية، وسط دعوات لعدم إلقاء الأزمات المالية على عاتق المواطن.
وينتظر عشرات آلاف المواطنين من المحافظة حصولهم على تعويضات مالية، لما تعرضوا له من خسائر فادحة، إبان اجتياح تنظيم "داعش" الإرهابي لمحافظتهم صيف العام 2014، وما تلاها من معارك طرد مسلحي التنظيم، والتي تسببت بهدم مناطق بأكملها، فضلاً عن عمليات انتقامية اتهمت بها فصائل منضوية ضمن "الحشد الشعبي" شاركت بعمليات التحرير، كل ذلك تسبب بأضرار جسيمة للأهالي منها مادية وأخرى جسدية.
الحكومة أبلغت لجنة التعويضات الفرعية بالموصل، اعتماد مبدأ التقسيط على دفعات للمتضررين في محافظة نينوى، مبررة قرارها بأنها لجأت إلى ذلك "بسبب الأزمة المالية التي تمر بها البلاد".
وقال مسؤول في لجنة التعويضات الفرعية بالموصل، فضّل عدم ذكر اسمه لـ"العربي الجديد"، اليوم الخميس، إنّ "الحكومة طالبتنا بإحصاء شامل لمعاملات المتضررين، لاعتماد مبدأ تقسيط التعويضات عليهم؛ أي أنّ المتضرر سيحصل على مبالغ مقسطة كل 3 أشهر، لفترات غير معلومة حتى الآن، قد تزيد على 3 سنوات"، مبيّناً أنّ لجنته "جهة تنفيذية ولا علاقة لها بالموضوع، إلا أن خطوة الحكومة ستكون ضرراً آخر يلحق بالمتضررين، إذ إنهم لن يستفيدوا من المبالغ".
ووصف هذه الخطوة بأنّها "غير مقبولة، وقوبلت باعتراض ورفض من قبل المتضررين الذين رفضوا هذا الأسلوب، الذي يبخس حقوقهم"، موضحاً أنّ "الأموال المخصصة أساساً لا تسد إلا نسبة قليلة جداً من الضرر الذي لحق بالمواطنين".
محافظ نينوى نجم الجبوري، عبّر عن استغرابه من خطوة الحكومة، وقال، في تصريح أوردته وسائل إعلام محلية عراقية، مساء أمس الأربعاء، إنّ "تقسيط الحكومة مبالغ التعويضات المخصصة للمتضررين في المحافظة، والتي تبلغ 60 مليار دينار عراقي، أمر مستغرب، إذ إنّ الدفع سيكون بواقع مليارين لكل شهر، وهذا غير مقبول".
ودعا المحافظ، رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، إلى "النظر إلى الموصل بحالة استثنائية، والتعامل بمسؤولية مع هذا الملف، إذ لا يمكن أن يتم دفع المبالغ بهذه الطريقة، خصوصاً وأنّ المبلغ بأجمعه لا يسد إلا جزءا قليلاً من أموال التعويضات".
وبموجب الموازنة المالية تم تخصيص مبلغ 60 مليارا (نحو 40 مليون دولار فقط) كجزء من تعويضات المتضررين في نينوى، لكن المسؤولين في المحافظة يؤكدون أنّ المبلغ يمثل 10% فقط من مجمل الخسائر التي تكبدها الأهالي.
عضو "ائتلاف النصر" عن محافظة نينوى، النائب بلال الشمري، دعا الحكومة إلى "عدم إلقاء أزماتها المالية على رقاب المتضررين باعتبارهم الحلقة الأضعف في المجتمع". وقال الشمري، لـ"العربي الجديد"، إنّ "الحكومة أمنت ردة فعل المتضررين باعتبارهم الحلقة الضعيفة ولا سلطة لديهم، لذا استغلت ملفهم".
وشدد على أنه "على الحكومة أن تتعامل بمسؤولية إزاء هذا الملف الإنساني، هناك ملفات فساد كبيرة في البلد تسببت بالأزمات المالية، وهناك مافيات فساد معروفة، على الحكومة أن تحاسب هذه الجهات، لا أن تصب أزمتها المالية على المتضررين".
بدورهم رفض المتضررون من العمليات الإرهابية، استغلال ضعفهم من قبل الحكومة، ومنع مستحقاتهم المالية، وقال رائد الحمداني (58 عاماً) وهو أحد أهالي الموصل، إنّ "هناك استغلالا بشعا لمعاناتنا كمتضررين من العمليات الإرهابية، ففضلاً عن الضرر الكبير الذي لحق بنا، من تهديم منازلنا وإحراق سياراتنا ومحالنا التجارية، والعوق الذي تعرض له الكثير منا بسبب العمليات العسكرية والانتقامية، إلا أننا لم نحصل بعد على أي تعويضات".
وأكد، لـ"العربي الجديد"، أنّ "هناك مماطلات حكومية خلال الفترات السابقة، ووعودا بصرف التعويضات لكن من دون جدوى، علماً أننا أنجزنا معاملاتنا منذ فترة طويلة"، معتبراً أنّ "لجوء الحكومة إلى محاولة دفع التعويضات بالتقسيط يعد استغلالاً بشعاً لنا، وضرراً لا يقل مما لحق بنا من ضرر خلال العمليات الإرهابية".
وقال الحمداني "نرفض استغلال معاناتنا بهذا الشكل البشع. نريد حقوقنا كاملة، وإذا كانت الحكومة تمر بأزمة مالية فعليها أن تتحمل ذلك ولا تلقيه على كاهل المتضررين".
وأنجزت دائرة تعويضات الموصل منذ نحو عام، أكثر من 50 ألف معاملة لمتضررين، إلا أن الحكومة لم تصرف حتى الآن أي تعويضات لهم.