تتوقف الالتزامات التي تعهدت بها الدول في مؤتمر الأمم المتحدة للتغير المناخي "COP26"، الذي اختتم أخيرا، إلى حد كبير على عودة السلام والاستقرار في أفغانستان، حيث إن احتياطيات الليثيوم الهائلة في البلاد تحمل بشارات لمتطلبات الطاقة العالمية غير التقليدية.
يعتقد محللون أن التركيز الآن سيتحول إلى أفغانستان، للاستفادة من احتياطيات البلاد الهائلة من الليثيوم، والتي تستخدم في البطاريات لتشغيل الهواتف النقالة والحواسيب المحمولة (اللاب توب) والمركبات الكهربائية والهجينة.
يوصف الليثيوم بأنه نفط القرن الحادي والعشرين، ويُعتقد أن الأرجنتين وبوليفيا وتشيلي، المعروفة باسم دول مثلث الليثيوم "LTCs"، لديها أكبر احتياطيات من هذا المعدن بالعالم.
ولكن نظرا لأن تكلفة النقل من أميركا الجنوبية إلى البلدان الآسيوية المتعطشة للطاقة، تعد غير مجدية اقتصاديا، فإنهم يعلقون آمالهم الآن على عودة النظام في أفغانستان ليتمكنوا من الاستفادة من الليثيوم المتواجد بالبلد الآسيوي.
ذكرت صحيفة "فاينانشيال تايمز" البريطانية، أخيراً، أن كميات الليثيوم في أفغانستان يمكن أن تنافس تلك الموجودة في دول مثلث الليثيوم.
ونقلت الصحيفة عن إليف نور أوغلو، رئيسة قسم الاقتصاد في الجامعة التركية الألمانية "TAU"، أن الليثيوم أصبح وبشكل سريع منتجا استراتيجيا مثل النفط.
وقالت: "على غرار النفط، يمكن بكل تأكيد استخدام الليثيوم سلاحا واستعماله في العديد من المجالات في المستقبل، كإنتاج السيارات والآلات والروبوتات".
وكشفت الصحيفة البريطانية أيضا أن مجموعة من ممثلي صناعة التعدين في الصين، قدمت إلى أفغانستان أخيرا لإجراء زيارة ميدانية والحصول على حقوق التعدين، في الوقت الذي تواجه فيه الأخيرة أزمة مالية وإنسانية حادة.
وذكرت صحيفة "غلوبال تايمز" الصينية اليومية، أن الشكوك في ما يتعلق بالسياسات والأمن والاقتصاد والبنية التحتية السيئة تعد أهم الصعوبات أمام صناعة التعدين في أفغانستان.
ضمان الأمن
ويقول محللون إن أي تعدين وإنتاج سيكونان مرهونين بالضمانات الأمنية التي ستقدمها "طالبان" للاستثمارات الصينية.
على غرار النفط، يمكن استخدام الليثيوم سلاحاً واستعماله في العديد من المجالات في المستقبل، كإنتاج السيارات والآلات والروبوتات
كلوديا تشيا، المحللة في "معهد دراسات جنوب آسيا" بجامعة سنغافورة الوطنية، قالت: "قد تفكر طالبان في توفير أفراد أمن للمشروعات الصينية، على غرار ما فعلته باكستان لمشروع الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني".
في وقت سابق، شاركت الشركات الصينية بالفعل في العديد من المشاريع الكبرى في أفغانستان، بما في ذلك مشروع "منجم أيناك للنحاس"، ثاني أكبر منجم للنحاس في العالم، ولكن بسبب القتال المستمر وعدم الاستقرار في البلاد، تقدم مشروع استخراج خام النحاس ببطء، وتوقف في النهاية.
وكشف تقرير للمفتش العام الأميركي الخاص لإعادة إعمار أفغانستان "SIGAR" عن تفشي التعدين غير القانوني في جميع أنحاء أفغانستان، حيث يوجد أكثر من ألفي موقع للتعدين، كانت تدر الأموال لأمراء الحرب والمتمردين على مدى العقدين الماضيين، في ظل وجود القوات الأميركية والقوات المتحالفة معها.
وكشف التقرير أن التعدين غير القانوني كلف الدولة ما يصل إلى 300 مليون دولار سنويا بين عامي 2001-2021، حتى استيلاء "طالبان" على كابول.
وفي دراسة استقصائية أجريت عام 2010، قدر علماء الجيولوجيا والباحثون العاملون في الجيش الأميركي قيمة الليثيوم الموجود في أفغانستان، المنتشر في مناطق "غزني" و"هيرات" و"نمروز" بمبلغ مذهل قدره 3 تريليونات دولار.
وذكر "بلومبرغ لتمويل الطاقة الجديدة" (BNEF)، وهو مركز أبحاث استراتيجي يختص بالسلع العالمية، أن التحكم في مخزونات الليثيوم غير المستغلة والعناصر الأرضية النادرة في أفغانستان من شأنه أن يمنح بكين ميزة إضافية في منافستها على الموارد مع الولايات المتحدة وأوروبا.
وأشار المركز إلى أنه في 2019، استوردت الولايات المتحدة 80 بالمائة من معادنها الأرضية النادرة من الصين، بينما حصل الاتحاد الأوروبي على 98 بالمائة من المعادن من الصين أيضاً.
وقال سعيد ميرزاد، مستشار في "هيئة المسح الجيولوجي الأميركية" لمجلة "ساينس" في 2010: "إذا تمتعت أفغانستان ببضع سنوات من الهدوء، للسماح بتنمية مواردها المعدنية، فقد تصبح من أغنى البلدان في المنطقة في غضون عقد من الزمن".
يشار أن مرزاد عمل حتى عام 1979، رئيسا لـ"هيئة المسح الجيولوجي الأفغانية".
اكتشاف سوفييتي
اكتشف خبراء التعدين السوفييت موارد الليثيوم في أفغانستان لأول مرة في الثمانينيات، لكنهم أبقوا الأمر سراً تحت حراسة مشددة حتى عام 2004، عندما عثر فريق من الجيولوجيين الأميركيين على سلسلة مثيرة للاهتمام من المخططات والبيانات القديمة في مكتبة "هيئة المسح الجيولوجي الأفغانية" في كابول.
مسلحة بالرسوم البيانية الروسية القديمة، بدأت "هيئة المسح الجيولوجي الأميركية" (USGS) سلسلة مسوحات جوية للموارد المعدنية في أفغانستان باستخدام معدات متقدمة ملحقة بطائرة مراقبة من طراز "P-3 أوريون" لقياس الجاذبية والمغناطيسية.
قدر علماء الجيولوجيا والباحثون العاملون في الجيش الأميركي قيمة الليثيوم الموجود في أفغانستان، بمبلغ مذهل قدره 3 تريليونات دولار.
وفي 2007، استخدمت الهيئة قاذفة بريطانية مجهزة بأدوات توفر صورة ثلاثية الأبعاد للرواسب المعدنية تحت سطح الأرض.
وعام 2009، بعدما تم نقل فريق عمل البنتاغون الذي أنشأ برامج تطوير الأعمال في العراق إلى أفغانستان، جلبوا معهم خبراء التعدين للتحقق من صحة نتائج المسوحات، وقاموا بإطلاع الرئيس الأفغاني آنذاك حامد كرزاي، ووزير الدفاع الأميركي روبرت غيتس على النتائج.
ووفقًا للنشرة الإخبارية الصادرة عن "هيئة المسح الجيولوجي الأميركية"، فإلى جانب استخدامه في البطاريات، يُستخدم الليثيوم أيضًا في التكنولوجيا النووية. فنظرًا لكونه مقاوما للحرارة، يتم خلطه مع الألمنيوم والنحاس لتقليل الوزن في المكونات الهيكلية لجسم الطائرة. كما أنه يستخدم في بعض الأدوية النفسية وطب الأسنان.
واستنادًا إلى أبحاث مكثفة للمعادن، خلصت هيئة المسح الجيولوجي الأميركية إلى أن أفغانستان قد تحتوي على 60 مليون طن متري من النحاس، و2.2 مليار طن من خام الحديد، و1.4 مليون طن من العناصر الأرضية النادرة (REEs) مثل اللانثانم، والسيريوم، والنيوديميوم، إلى جانب الألومنيوم والذهب والفضة والزنك والزئبق.
وأظهر تحليل أولي لموقع في مقاطعة "غزنة" إمكانية وجود رواسب الليثيوم بكميات كبيرة مثل تلك الموجودة في بوليفيا، التي لديها 21 مليون طن من الاحتياطيات، وهي الأكبر في العالم حتى الآن.
مصلحة الهند
تعتبر أصول الليثيوم ومادة "الكوبالت" بالغة الأهمية ليس فقط للصين، ولكن أيضًا لاقتصاد رئيسي آخر، هو الهند.
أفغانستان قد تحتوي على 60 مليون طن متري من النحاس، و2.2 مليار طن من خام الحديد، و1.4 مليون طن من العناصر الأرضية النادرة إلى جانب الألومنيوم والذهب والفضة والزنك والزئبق
وأنفقت الهند، في وقت سابق، 3 مليارات دولار على شكل مساعدات في أفغانستان لإظهار حسن النية، لكنها كانت على خلاف مع حركة طالبان التي كانت تقاتل ضد وجود القوات الأجنبية.
ولكن يبدو الآن أن نيودلهي قررت قبول استيلاء طالبان على كابول. ففي الآونة الأخيرة، قدمت الهند بعض المعونات للحكومة الجديدة من خلال إرسال مساعدات إنسانية.
وتستهدف الهند حوالي 450 غيغاواطاً (GW) من الطاقة المتجددة المركبة بحلول عام 2030. ففي مؤتمر الأمم المتحدة للتغير المناخي، أعلن رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي أن بلاده ستصل إلى نسبة "صفر انبعاثات" بحلول عام 2070، ما يعني أن الانبعاثات المنتجة من غازات الاحتباس الحراري، ستتم موازنتها بتلك التي سيتم امتصاصها (من الليثيوم الأفغاني).
وتطمح الهند أيضًا إلى أن تصبح ثاني أكبر مصنع للهواتف المحمولة في العالم. وبموجب السياسة الوطنية للإلكترونيات التي تم الكشف عنها في 2019، تخطط الهند لإنتاج مليار هاتف محمول، منها 600 مليون قطعة للتصدير.
ومع ذلك، فإن كل هذه الأهداف مرتبطة بتوفر الليثيوم التي تعتمد الهند حاليا على تأمينه من الأرجنتين وبوليفيا وتشيلي.
ويعتقد المراقبون أن الصناعات المتنقلة وغير التقليدية في الهند ستحصل على دعم كبير من خلال التواصل الدبلوماسي مع طالبان وتطبيع العلاقات مع باكستان للسعي للوصول بسهولة إلى الموارد المعدنية الغنية في أفغانستان.
الاعتماد على الاقتصاد المستقل
لطالما كانت أفغانستان دولة تعتمد على المساعدات الخارجية؛ ولكن إمكانية تعدين الليثيوم والنحاس يمكن أن تحول اقتصادها غير المستقر والمعتمد على المساعدات إلى مستقر وموجه نحو التجارة.
ويتوقع أن منطقة "خانشين" في مقاطعة "ريج" بإقليم "هلمند"، تحتوي على 1.1 إلى 1.4 مليون طن متري من العناصر الأرضية النادرة.
ومع ذلك، فمن دون السلام والاستقرار، وغياب اتجاهات السياسات المحددة من الإدارة الجديدة المؤقتة، سيظل تسخير المورد الاستراتيجي الجديد الذي لديه القدرة على تحويل مستقبل أفغانستان، حلماً صعب المنال، فالمعادن لا قيمة لها طالما بقيت تحت الأرض.
(الأناضول)