هرع المواطنون في العاصمة الليبية طرابلس، صباح أمس السبت، إلى الأسواق ومحطات الوقود وماكينات الصراف الآلي، لشراء كميات من السلع الغذائية والبنزين والأموال بغية تخزينها، فيما بادرت بعض الأسر بالنزوج إلى مناطق آمنة، وسط مخاوف من اندلاع حرب بين الحكومتين المتنافستين على السلطة، وذلك بعد أن شهدت مناطق وسط العاصمة في ساعات متأخرة من مساء الجمعة ونهار أمس السبت، اشتباكات بين فصائل مسلحة محسوبة على حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبد الحميد الدبيبة، ومنافستها المكلفة من مجلس النواب برئاسة فتحي باشاغا، إذ تحولت طرابلس إلى ما يشبه الثكنة العسكرية.
يقول المواطن أسعد بالحاج من سكان طرابلس لـ"العربي الجديد": سارعت في الصباح الباكر مع عودة بعض الهدوء إلى شراء الغذاء للأطفال وتخزين السلع الأساسية والبنزين، وأستعد للمغادرة إلى منطقة آمنة فطبول الحرب على الأبواب بالعاصمة.
يشير بالحاج إلى أن الاشتباكات التي جرت بالأسلحة الثقيلة وزخات الرصاص المتطاير في محيط منطقتي باب بن غشير وشارع الزاوية وسط العاصمة، أصابت المواطنين بالهلع، ما دعا البعض إلى النزوح مع ساعات الصباح فيما تهافت كثيرون على تخزين السلع الأساسية والوقود بغية تشغيل مولدات الكهرباء وتوفير البنزين للسيارات.
ارتفاع أسعار السلع الأساسية
وأعلنت التشكيلات المسلحة والمليشيات الموالية لحكومتي باشاغا والدبيبة حالة الاستنفار، وواصلت تحشيد عناصرها تحسباً لمواجهة جديدة. وقال المحلل الاقتصادي الليبي أبوبكر الهادي، لـ"العربي الجديد" إن عودة الحرب تعني زيادة في الأسعار وتأزم الأوضاع المعيشية للمواطنين، فخلال الحروب السابقة تعطلت الحياة الاقتصادية بالبلاد مع نزوح الكثير من الأسر وتضرر البنية التحتية، مشيرا إلى أن المناطق المنكوبة جنوب طرابس لا يزال فيها أكثر من 130 ألف مسكن متضرر من حرب قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر.
وفي سوق ليبيا مول في طريق المطار بالعاصمة، يقول المواطن عبد المهيمن الفزاني لـ"العربي الجديد" إن الأسعار زادت في خلال يومين فقط بشكل لافت في بعض السلع تحديداً الأساسية والحليب والألبان ومشتقاته.
كما يؤكد المواطن عبد الرزاق الشوشان من منطقة عين زارة جنوب طرابلس أنه هم إلى حزم أمتعته استعداداً للمغادرة إلى مناطق نائية بعيدا عن زخات الرصاص المتطاير، مشيرا إلى أنه خزن كميات لا بأس بها من السلع الغذائية والبنزين لمواجهة احتياجات أسرته لأسابيع مقبلة، وكذلك النقود بما يكفي المصاريف حتى نهاية العام الحالي.
ويعاني الليبيون من أوضاع اقتصادية صعبة. وفي مطلع يوليو/تموز الماضي، اندلعت تظاهرات في طرابلس، احتجاجاً على الظروف المعيشية والفوضى السياسية وأزمة انقطاع التيار الكهربائي.
ويتفاقم الانقسام في ليبيا مع وجود حكومتين متنافستين، الأولى في طرابلس انبثقت من اتفاق سياسي قبل عام ونصف العام يرأسها عبد الحميد الدبيبة، الذي يرفض تسليم السلطة إلا إلى حكومة منتخبة، والثانية برئاسة فتحي باشاغا التي عينها مجلس النواب في فبراير/شباط الماضي ومنحها ثقته في مارس/آذار وتتخذ من سرت (وسط) مقراً مؤقتاً لها بعدما مُنعت من دخول طرابلس رغم محاولتها ذلك.
وفي سوق أمازون في منطقة النجيلة غرب طرابلس، تقول المعلمة فتحية الورشفاني، إن الغلاء يكوي جيوب المواطنين فالأسعار في تواصل مستمر ومبلغ 100 دينار (20.7 دولارا) لا يكفي لشراء كيس طحين (50 كيلوغراماً) أو صندوق زيت طعام. وتستورد ليبيا 95% من احتياجاتها من السلع من الخارج، فضلا عن سيطرة من يصفهم محللون بتجار الحرب على تداول السلع الأساسية والمضاربة في أسعارها.
زيادة الإيجارات في المناطق الآمنة
ويحذر الخبير الاقتصادي، علي الماقوري، من أن أي حرب جديدة تعني ارتفاع الأسعار بصورة أكبر نظراً لزيادة الطلب على السلع، فضلا عن زيادة الإيجارات في المناطق الآمنة التي تنزح إليها الأسر ما يزيد من معاناة الكثيرين.
كانت لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا "إسكوا"، قد توقعت في تقرير لها في ديسمبر/كانون الأول 2020، تجاوز خسائر ليبيا بسبب الصراع الدائر، تريليون دولار في حال تواصل الحرب والاضطرابات، مشيرة إلى تعرض الاقتصاد لانكماش حاد في ظل التدمير الذي تعرضت له الأصول في الكثير من القطاعات الاقتصادية، فضلا عن تهاوي احتياطيات النقد الأجنبي.
أظهرت بيانات حديثة لمصرف ليبيا المركزي أن احتياطيات ليبيا تغطي وارداتها لمدة 28 شهرا، وكانت ليبيا تغطي ضعفي هذا الرقم قبل سنة 2013. وفي مايو/أيار الماضي، أظهرت بيانات صادرة عن مصرف ليبيا المركزي تآكل احتياطي النقد الأجنبي لدى المصرف خلال الفترة من 2013 حتى نهاية 2020 بنسبة 49.7%، محذرا من أن الاحتياطيات التي قدرها حينها بنحو 45.9 مليار دولار لم تعد كافية وملائمة لمواجهة أي حالة طارئة.