اللقاح يحكم قبضته عالمياً: التطعيم شرط للتوظيف والسفر

29 مارس 2021
تزايد السفر بعد اللقاحات (Getty)
+ الخط -

لم يعد الحصول على اللقاحات المضادة لفيروس كورونا في العديد من الدول حول العالم ومنها بلدان خليجية، أمرا اختياريا للعاملين في مهن مرتبطة بتعاملات مباشرة مع الجمهور، فالأمر أضحى إلزامياً، لتصبح الوظائف مرهونة بالحصول على التطعيم، وربما يتخطى الأمر الموظفين إلى المسافرين والمتسوقين وحتى رواد المقاهي.
وبدأت العديد من الشركات العالمية مؤخراً في اتباع سياسة "لا لقاح، لا وظيفة" خاصة مع العاملين الجدد، كما أعربت شركات طيران عن جعل اللقاح أمراً إلزامياً للموظفين، وسط توقعات بأن يطاول الأمر الركاب أيضاً قريباً، لا سيما في ظل تسابق العديد من الدول الأوروبية نحو إصدار "جواز سفر أخضر" للحاصلين على اللقاح.
في البداية أبدى بعض الرؤساء التنفيذيين في شركات عالمية وبنوك استثمار وحتى سلاسل تجارية، حرصهم الشديد على تلقي موظفيهم التطعيم ضد فيروس كورونا من خلال حوافز عدة منها مزايا نقدية.
في الولايات المتحدة، يمنح تاجر التجزئة "ليدل" موظفيه 200 دولار مقابل تلقي اللقاح، بينما يقدم كل من "ألدي" و"دولار جنرال" و"تريدر جوز" ساعات إضافية من الأجر لكل جرعة من اللقاح.

كما تقدم خدمة توصيل البقالة عبر الإنترنت "إنستا كارت" حافزاً مالياً قدره 25 دولاراً للعاملين والمتعاقدين. ويقدم صُناع الزبادي "شوباني" و"دانون" إجازة مدفوعة الأجر تصل إلى 6 ساعات. كما أعلنت شركة "دانون" الفرنسية أنها ستغطي تكلفة التلقيح في الدول التي لا تقدم لمواطنيها اللقاح مجاناً.
ويعتبر العديد من المديرين التنفيذيين أنفسهم قادة المعركة ضد الوباء، الذي أودى بحياة أكثر من 2.6 مليون شخص، ويعارضون أي مشاعر مناهضة للتلقيح، والتي تزداد بشكل كبير في دول مثل الولايات المتحدة وفرنسا وروسيا.
وعلى عكس الأشهر الأخيرة من العام الماضي، لا يبدو أن المشكلة تكمن في نقص اللقاح، وإنما في عزوف الكثيرين عن تلقيه، الأمر الذي يقلق الكثير من الشركات العالمية في مختلف المجالات التي تضررت كثيرا من انتشار الوباء والقيود الناجمة عنه، فضلا عن ضخ العديد من شركات الأدوية الكبرى مليارات الدولارات في تطوير لقاحات، وبدأت في إنتاج كميات منها وترغب في تسويقها لاسترداد ما أنفقته وتحقيق أرباح توصف بالخيالية.
فقد أعطت 107 دول ومناطق في العالم لسكانها أكثر من 200 مليون جرعة فقط من اللقاحات المضادة لفيروس كورونا، بحسب حصيلة أعدتها وكالة فرانس برس، نهاية فبراير/ شباط الماضي، استنادا إلى مصادر رسمية.
وتمّت 45% من عمليات التطعيم في دول مجموعة السبع الغنية (الولايات المتحدة وكندا وبريطانيا وألمانيا وفرنسا وإيطاليا واليابان)، وهي الدول التي يمثل سكانها 10% فقط من سكان العالم.
وقال جيمي ديمون، الرئيس التنفيذي لبنك الاستثمار الأميركي "جي بي مورغان" في مقابلة مع تلفزيون بلومبيرغ في وقت سابق من مارس/ آذار الجاري: "أعتقد أن ما نود اتباعه هو ثقافة الثواب والعقاب، فنحن نريد أن يحصل الناس على اللقاح، ونعتقد أن الحصول عليه أفضل بكثير من تجنبه".
وأوضح ديمون أن "جي بي مورغان لن يجعل التلقيح إلزامياً في الوقت الراهن نظراً لبعض الشواغل القانونية، لكن شركات الطيران والشركات الفندقية قد تحاول القيام بذلك".
وتختلف مشروعية الشركات التي تطالب عملاءها وعمالها بالحصول على اللقاح من بلد إلى آخر، ففي العديد من الولايات الأميركية، يمكن لرب العمل تسريح العمالة لأي سبب قانوني، والذي يمكن أن يكون رفض الامتثال لاستراتيجية اللقاح.

وحتى الآن، تشترط نسبة تقل عن 1% من الشركات في الولايات المتحدة حصول كافة العاملين على لقاح كورونا، بينما تخطط 6% فقط من الشركات للحصول على اللقاح بمجرد توفره بالفعل، وفقاً لمسح أجرته شركة "ليتلر منديلسون" العاملة في مجال قضايا العمل والتوظيف.
وفي الدول التي تتميز بتقديم حماية أقوى للعمالة، يتجنب المسؤولون التحدث في الأمر. فقد قالت الحكومة البريطانية إن الأمر متروك للشركات لتحديد سياسات تحصين قواها العاملة، لكن أولئك الذين يصرون على التطعيم سيكون لديهم طابع تمييزي.
وعادة ما يختار العديد من المديرين التنفيذيين الإقناع على الإلزام، حرصاً منهم على عدم الانجرار إلى منازعات قضائية. وبالتأكيد ستكون فعالية دعوتهم للتلقيح حاسمة في إعادة فتح الاقتصاد العالمي، بما في ذلك مكاتب العمل التي يعمل بها ملايين العمال وسط قليل من التواصل المباشر مع العملاء.
وقال آلان جوب، الرئيس التنفيذي لشركة "يونيليفر"، وفق تقرير لوكالة بلومبيرغ الأميركية، نهاية الأسبوع الماضي إنه يوقع رسائل أسبوعية لموظفي شركته، البالغ عددهم 150 ألفا، لحثهم على التطعيم متى كان ذلك ممكناً. كما أنه دعا طبيب الشركة لتشجيع الموظفين للحصول على اللقاح في الاجتماعات الافتراضية التي تُعقد مرتين شهرياً ويشارك فيها نحو 14 ألف عامل.
وفي الوقت نفسه، بدأ بعض الرؤساء التنفيذيين اتباع فكرة القدوة. إذ قال مارك شنايدر، الرئيس التنفيذي لشركة "نستله"، إنه إذا كان اللقاح متاحاً له حالياً، "فسوف أتلقى التطعيم أمام جميع موظفينا لأكون نموذجاً يُحتذى به".
لكن شركات أخرى تتخذ موقفا أكثر تشدداً. فعلى سبيل المثال تخطط شركة "بيمليكو بلامبرز" البريطانية لاتباع سياسة "لا لقاح لا وظيفة" مع العاملين الجدد. كما أعربت شركة الطيران الأميركية "يونايتد إيرلاينز" عن رغبتها في جعل اللقاح أمراً إلزامياً للموظفين، وهو أمر يثير المخاوف.
وتعتزم شركة "أوسم إنفستمنتس"، وهي شركة إسرائيلية تابعة لشركة "نستله"، منع الموظفين الذين لم يتم تلقيحهم أو تعافيهم من "كوفيد-19" من الدخول إلى مقر العمل ما لم يخضعوا لاختبار الفيروس كل ثلاثة أيام.

كما طلبت الشركات، بما في ذلك "تشيك بوينت سوفتوير تكنولوجيز" و"موبيلي" التابعة لشركة "إنتل"، من العمال الرافضين الحصول على اللقاح البقاء في المنزل أو تقديم نتائج سلبية لاختبارات حديثة لكورونا.
وتتخذ العديد من شركات الطيران موقفاً مشدداً بنفس القدر. فقد قال سكوت كيربي، الرئيس التنفيذي لشركة "يونايتد إيرلاينز"، إنه يريد جعل التلقيح أمراً إلزامياً لموظفي الشركة البالغ عددهم 60 ألف عامل.
ومن المتوقع أن يمتد الأمر إلى المسافرين أنفسهم في الفترة المقبلة، ويصل التمييز ليس فقط بين المسافرين وإنما حتى بين اللقاحات التي يجري الحصول عليها.
فقد أعلنت المفوضة الأوروبية للشؤون الداخلية منتصف الشهر الجاري، أن "جواز السفر الأخضر" الإلكتروني الذي يعتزم الاتحاد الأوروبي إطلاقه لبيان وضع الاشخاص الذين تلقوا اللقاحات المضادة لكورونا، سيأخذ فقط في الاعتبار اللقاحات المرخصة من قبل وكالة الأدوية الأوروبية.
واعتمدت الوكالة حتى الآن أربعة لقاحات مضادة لفيروس كورونا، هي "فايزر/بيونتيك" و"موديرنا" و"أسترازينيكا" و"جونسون آند جونسون". وتظهر إحصاءات أوردتها وكالة رويترز في الثاني والعشرين من مارس/ آذار الجاري، أن إصابات كورونا العالمية تتجاوز 123.34 مليونا والوفيات 2.8 مليون.
وتريد بعض الدول المعتمدة على السياحة في دخلها وأنشطتها الاقتصادية، مثل اليونان وقبرص استخدامه للتخلص من القيود الصارمة على السفر. لكنّ ألمانيا وفرنسا تبديان موقفا أكثر حذرا، إذ تحاذران من إمكانية تحوّله إلى أداة للتمييز.
وخرجت مبادرات إلزامية اللقاح عن نطاق الدول الأوربية والولايات المتحدة، لتصل إلى دول آسيوية معتمدة على السياحة أيضا، وحتى دول خليجية عانت من تداعيات الجائحة.
فقد وضعت السلطات الصحية في الكويت شرطاً لاستمرار عمل المطاعم، حيث أكد وزير الصحة باسل الصباح، في وقت سابق من مارس/ آذار الجاري، أنه سيتم إغلاق أي مطعم لم يتلق العاملين فيه اللقاح بعد عطلة عيد الفطر المبارك (منتصف مايو/ أيار).
لكن هناك من يرى أن هذا الأمر صعب التحقق على أرض الواقع، حيث لم يتلق سوى نحو 260 ألف شخص فقط اللقاح في الدولة، حيث شهدت عمليات التطعيم تباطؤاً في ظل مخاوف متداولة بشأن الأثار الجانبية للقاحات.
وقال عبدالصمد الجيماز، مدير عام مؤسسة طيبة إحدى اكبر المؤسسات المالكة لسلسلة مطاعم طيبة بالكويت في تصريح خاص لـ"العربي الجديد" إنه من الصعب إلزام العاملين في المطاعم بالحصول على اللقاح خلال المهلة التي تحدث عنها وزير الصحة، مشيرا إلى أن عدد العاملين في القطاع يقدر بعشرات الآلاف ويحتاجون لعدة أشهر للحصول على الجرعة الأولى فقط من اللقاح.
ولا يقتصر الأمر على العاملين في المطاعم، وإنما سيصبح دخول دور السينما أيضا مرهون بتلقي لقاح كورونا، اعتباراً من بداية عطلة عيد الفطر وفق وزير الصحة.

موقف
التحديثات الحية

وفي السعودية، أقرت وزارة الشؤون البلدية والقروية والإسكان، وفق وسائل إعلام محلية، اشتراط تحصين جميع العاملين في المطاعم والمقاهي، ومنافذ بيع الأطعمة، إضافة إلى العاملين في محلات الحلاقة الرجالية وصالونات التجميل النسائية، بلقاح فيروس كورونا، على أن يبدأ سريان العمل بهذا القرار، اعتباراً من اليوم الأول لعيد الفطر. ويتوقع محللون اتساع دائرة المهن الملزمة بالحصول على اللقاحات في دول خليجية أخرى.
ومع تحول الحصول على اللقاحات إلى أمر إلزامي وليس اختياريا في العديد من الدول خاصة الغنية، فإن خطوات شركات الأدوية لجني الأرباح تبدو يسيرة، كما أن هناك مستفيدين آخرين بينهم شركات النفط العالمية التي عانت على مدار العام الماضي من تهاوي أسعار الخام في ظل الجمود الاقتصادي.
وتعهدت الحكومات والشركات متعددة الجنسيات بالفعل بشراء مليارات الجرعات وفقاً للأسعار التي حددتها شركات الأدوية وعلى مدى الأشهر القليلة المقبلة ستكون الشركات منشغلة بالوفاء بهذه الطلبات بأسرع ما يمكن.

مع تحول الحصول على اللقاحات إلى أمر إلزامي وليس اختياريا في العديد من الدول خاصة الغنية، فإن خطوات شركات الأدوية لجني الأرباح تبدو يسيرة


وأعلنت شركة فايزر الأميركية مطلع مارس/ آذار الجاري، أنها تتوقع أن تصل قيمة مبيعات لقاحها المضاد لفيروس كورونا، الذي طورته بالاشتراك مع بيونتيك الألمانية، إلى 15 مليار دولار خلال 2021، على أن ترتفع أكثر إذا وقعت مزيدا من العقود لاستخدامه.
كما كشفت شركة أسترازينيكا البريطانية، أنها سجلت في 2020 أرباحا صافية بلغت 3.2 مليارات دولار، أي ما يزيد عن الضعف على أساس سنوي. وسجلت المبيعات ارتفاعا بلغت نسبته 9% لتبلغ 26.6 مليار دولار خلال عام واحد، مدفوعة بالعقاقير الجديدة والطلب الكبير على منتجات ضد الاضطرابات الناتجة عن الفيروس.
ومع تزايد وتيرة التطعيمات ضد كورونا، يشهد الطلب على الوقود ارتفاعاً ومن ضمنه وقود الطائرات خاصة في الولايات المتحدة، إذ يستعد الأميركيون الذين تلقوا التطعيم حديثاً للسفر مجدداً لقضاء الإجازات الصيفية.
وتنتشر علامات على حدوث تعاف اقتصادي في أماكن أخرى من العالم. فقد ارتفع الإنتاج الصناعي في الصين في أول شهرين من 2021، مما يؤكد انتعاشها الاقتصادي السريع.

المساهمون