اللجوء في بريطانيا.. فوضى مالية وإنسانية

09 سبتمبر 2024
مهاجرون يصلون إلى كينت جنوب شرقي بريطانيا، 12 أكتوبر/تشرين الأول 2022 (الأناضول)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- **زيادة التكاليف**: تكاليف اللجوء والهجرة غير الشرعية في بريطانيا بلغت 6.4 مليارات جنيه إسترليني للعام المالي 2024-2025، مع تجاوز الإنفاق الفعلي التقديرات المخططة.
- **تداعيات مالية**: وزارة الداخلية قدمت أرقام ميزانية غير واقعية، مما أدى إلى وضع مالي صعب لحكومة حزب العمال الجديدة، مع إهدار 700 مليون جنيه إسترليني على خطة إرسال طالبي اللجوء إلى رواندا.
- **تداعيات إنسانية وسياسية**: سياسات اللجوء أثرت سلباً على الأشخاص المتأثرين بها، مع تراكم طلبات اللجوء وتكلفة باهظة لدافعي الضرائب، ووصفها بأنها كارثية من الناحيتين الإنسانية والمالية.

سيطرت قضية طالبي اللجوء في بريطانيا على الأروقة المالية في الدولة، بعد أن كشفت تقارير رسمية وبحثية تفاقم النفقات على ملف اللاجئين والهجرة غير الشرعية في ظل حكومات حزب المحافظين على مدار السنوات الماضية، بينما جرى التعامل مع طالبي اللجوء بسياسات زادت من معاناتهم الإنسانية.

وفي مراجعتها الأخيرة للإنفاق العام، كشفت وزيرة الخزانة راشيل ريفز عن ضغوط مالية كبيرة، أبرزها تكاليف اللجوء والهجرة غير الشرعية التي تُقدر بحوالي 6.4 مليارات جنيه إسترليني (8.38 مليارات دولار) للعام المالي 2024-2025، لافتة إلى أن هذه التكاليف لم تكن متوقعة، بينما أشار جيريمي هانت، وزير الخزانة السابق، إلى عدم دقة ما أوردته ريفز.

تزامنت تصريحات وزيرة الخزانة مع تقرير لمعهد الدراسات المالية (IFS)، لفت إلى تقديم وزارة الداخلية أرقام ميزانية غير واقعية في ظلّ حكومات المحافظين المتعاقبة، حيث قللت من تقدير تكاليف اللجوء والهجرة غير الشرعية بينما اعتمدت بشكل متكرّر على احتياطيات الطوارئ من وزارة الخزانة لتغطية العجز لديها، ما أورث حكومة حزب العمّال الجديدة وضعاً مالياً صعباً.

ويبدو أن تقديرات الإنفاق لا تتعلق بتكاليف اللجوء فحسب، وإنما بالعديد من الملفات الأخرى. وقال ماكس وارنر، الباحث الاقتصادي في معهد الدراسات المالية، لـ"العربي الجديد"، إن العديد من الإدارات الحكومية تواجه ضغوط إنفاق غير متوقعة، وإنّ وزارة الداخلية ليست الوحيدة التي احتاجت إلى زيادة ميزانياتها في السنوات الأخيرة، فعلى سبيل المثال، تعاني هيئة الخدمات الصحية الوطنية من تاريخ طويل من الزيادات الإضافية في ميزانياتها كل عام، كذلك كان الإنفاق الدفاعي بحاجة إلى زيادة لتمويل الدعم العسكري لأوكرانيا في السنوات الأخيرة، بيد أنّ الطريقة التي أدارت بها وزارة الداخلية تكاليف اللجوء في السنوات الأخيرة هي مثال صارخ بشكل خاص على ضعف الميزانية، بالنظر إلى الفجوة الكبيرة بين الإنفاق المخطط والفعلي وتكرار ذلك سنوات متتالية".

ورأى وارنر أن من المهم أن تضع وزارة الداخلية الميزانيات بناءً على أفضل تقديراتها لضغوط اللجوء، بدلاً من وضع ميزانيات تعلم أنها ستحتاج إلى زيادتها لاحقًا. وأضاف أن "الجزء المهم في عملية صنع السياسات الشفافة هو أن تقدم الإدارات ميزانيات إلى البرلمان تمثّل أفضل توقّعاتها لمتطلبات الإنفاق. وبطبيعة الحال، قد يحتاج الإنفاق الفعلي إلى أن يختلف عن الميزانيات إذا كان الطلب على الخدمات أعلى أو أقل من التوقّعات، لكن الصراحة والصدق بشأن الإنفاق المحتمل من شأنهما أن يقللا من الحاجة إلى زيادة التكاليف بشكل متكرر".

وتشير التقارير إلى أن وزارة الداخلية كانت تخطط لإنفاق ما متوسطه 110 ملايين جنيه إسترليني سنوياً على عمليات اللجوء والحدود والتأشيرات وجوازات السفر، إلا أن النفقات الفعلية تجاوزت هذا الرقم بشكل كبير، حيث بلغ متوسط الإنفاق 2.6 مليار جنيه إسترليني سنوياً بين عامي 2021 و2024.

تعزى هذه الزيادة الكبيرة في التكاليف إلى ارتفاع عدد طالبي اللجوء وزيادة تكاليف الاستضافة الطارئة، بالإضافة إلى تكاليف التأشيرات الخاصة وبرامج الحماية الإنسانية، مثل تلك المتعلقة بطالبي اللجوء من أفغانستان وأوكرانيا. علاوة على ذلك، أُهدر مبلغ 700 مليون جنيه إسترليني على خطة إرسال طالبي اللجوء إلى رواندا التي وصفها محللون بالفاشلة، ما زاد من تفاقم الأزمة المالية.

وفي تقرير نُشر في صحيفة "The Big Issue" في الثالث من سبتمبر/أيلول الجاري حول هذه القضية، جرى تسليط الضوء على كيفية الاستفادة بشكل أفضل من مبلغ 7.9 مليارات جنيه إسترليني الذي أنفقته وزارة الداخلية على اللجوء خلال ثلاث سنوات. وأوضحت الصحيفة أنه كان من الممكن استخدام هذا المبلغ لتجميد فاتورة المياه وإعادة الأموال الإضافية إلى دافعي الفواتير، بدلاً من السماح الآن لشركات المياه بزيادة الفواتير بمقدار 94 جنيهًا إسترلينياً لكل أسرة على مدى السنوات الخمس المقبلة.

ولفتت الصحيفة إلى أنّ هذا المبلغ كان كافياً لسد جميع الوظائف الشاغرة في قطاع الرعاية الاجتماعية، والبالغ عددها 130 ألف وظيفة. لكنّ الحكومة تعجز اليوم عن القيام بذلك بسبب الأجور المنخفضة والظروف الصعبة التي تجعل من الصعب للغاية توظيف القوى العاملة المحلية.

وفي ما يخص مبالغ دعم الوقود الشتوي، أرغمت هذه الزيادة في الإنفاق على اللجوء حكومةَ حزب العمال على اتخاذ قرار يقضي بخفض المدفوعات لنحو عشرة ملايين متقاعد في إنكلترا وويلز، بسبب ضغوط الميزانية التي ورثتها عن الحكومة السابقة. كما أشارت الصحيفة إلى أن هذا المبلغ كان يمكن أن يكفي لتمديد صندوق دعم الأسر مدة تسع سنوات. لكن في ظل التحديات الحالية التي تواجه الحكومة، أعلنت وزارة العمل والمعاشات التقاعدية، في الثاني من الشهر الجاري، عن تمديد صندوق دعم الأسر حتى إبريل/ نيسان 2025 فقط.

تدعيات مالية وإنسانية

وتحدّث عمران حسين، المدير التنفيذي للشؤون الخارجية في مجلس اللاجئين، إلى "العربي الجديد"، عن تداعيات سياسات اللجوء على الأشخاص المتأثرين بها. وقال إنّ الحكومة السابقة سمحت بتراكم عدد كبير من طلبات اللجوء على مر السنين، ما أجبر عشرات الآلاف من الأشخاص على الانتظار إلى أجل غير مسمّى لاتخاذ القرارات بشأنهم، وبتكلفة باهظة لدافعي الضرائب. ثم قدمت تشريعات معيبة (قانون الهجرة غير الشرعية وخطة رواندا)، الأمر الذي أدى إلى تفاقم المشكلة، وترك نظام اللجوء في حالة انهيار، وتسبب في البؤس لأولئك الذين تركوا في طي النسيان. وهو ما أدى إلى وضع غير مستدام ومكلف بشكل مؤلم.

وأضاف حسين أن "استخدام فنادق اللجوء للإقامة مكلف للغاية وغير مناسب إلى حد كبير للأشخاص في نظام اللجوء، الذين يجدون أنفسهم معزولين عن الخدمات الصحية وخدمات الدعم ويعانون نفسياً، ويشعرون بالقلق من استهداف غوغاء اليمين المتطرف لهم".

بدوره، وصف ستيف فالديز سيموندز، مدير حقوق اللاجئين والمهاجرين في منظمة العفو الدولية في المملكة المتحدة، سياسة الحكومة الأخيرة بأنها كارثية من الناحيتين الإنسانية والمالية. وقال لـ"العربي الجديد" إنّ "الحكومة التي تمثّلت سياستها في رفض معالجة طلبات اللجوء لسنوات، على أمل أن يؤدي ذلك إلى ردع الناس عن طلب اللجوء في المملكة المتحدة، كانت كارثية تماماً من الناحيتين الإنسانية والمالية، ونجم عن هذه السياسة نهب دافعي الضرائب وإلحاق الضرر بحياة عدد لا يحصى من طالبي اللجوء، حتى انهار نظام اللجوء".

وأشار إلى أن الوضع "صادم" لافتاً إلى أنّ "الناس لن تتراجع عن طلب اللجوء حتى لو استمرت المملكة المتحدة في الفشل في تحمل وتقاسم مسؤوليات اللجوء مع البلدان الأخرى، كما أن أولئك الذين يستفيدون من البؤس والاستغلال البشري سيزدهرون أكثر، سواء كانوا عصابات التهريب أو المحرضين اليمينيين المتطرفين أو الشركات الكبرى في مجال أمن الحدود". أمّا إيما ريفيل من مكتب إعلام مركز دراسات السياسة (مركز أبحاث يمين الوسط الرائد في بريطانيا)، فقالت لـ"العربي الجديد": "نحن في انتظار توضيح من وزارة الداخلية حول كيفية حساب التكاليف، ولا نرغب في التعليق في الوقت الحالي".

المساهمون