اللبنانيون بعد إقرا قانون استعادة الأموال المنهوبة: "حاميها حراميها"

01 ابريل 2021
الفساد فاقم معيشة المواطنين (جوزيف عيد/فرانس برس)
+ الخط -

ماذا بعد إقرار البرلمان اللبناني قانون استعادة الأموال المتأتية من جرائم الفساد؟ سؤالٌ يطرحه المواطنون المحاصرون بأخطر الأزمات المعيشية والاقتصادية، وجوابه يتفق عليه الخبراء الاقتصاديون والقانونيون غير المقتنعين بجدواه، لكن من بوابة الأمل يقولون إنّ "العبرة في التنفيذ".
هذه الأجواء التي تخرج بعد كلّ قانون يقرّه مجلس النواب برئاسة الرئيس نبيه بري، ترتبطٍ إلى حدٍّ كبيرٍ بالثغرات المتصلة بالقوانين والجهات الموكلة إليها مهمة التطبيق، وغياب آلية التنفيذ الواضحة، ما يبقيها حبراً على ورق، رغم أنها تحمل عناوين إصلاحية تقدميّة لمكافحة الفساد والهدر ومحاسبة المسؤولين عما وصلت إليه البلاد من إفلاس وعجز ودين وانهيار. وهو ما يدفع الشارع اللبناني إلى الحكم مسبقاً على أي خطوة تشريعية لعدم ثقته بالطبقة السياسية الحاكمة وإيمانه بمقولة "حاميها حراميها"، حسب مراقبين.
يقول المحامي جاد طعمة، لـ"العربي الجديد"، إنّ لبنان دأب منذ فترة على إصدار قوانين في شتّى المجالات يُشترَط إقرارها من قبل الدول المانحة لإرسال مساعدات أو هبات أو منح قروض، وهي غالباً تعنى بمكافحة الفساد وتعزز حقوق الانسان.

تجريم التعذيب، والإثراء غير المشروع ومكافحة تبييض الأموال، بقيت للأسف حبراً على ورق

هذا المسار، يقول طعمة، حتّم إقرار لبنان قوانين مثل تجريم التعذيب، والإثراء غير المشروع ومكافحة تبييض الأموال، بقيت للأسف حبراً على ورق، وهو السيناريو الذي نخشى تكراره على صعيد قانون استعادة الأموال المنهوبة، ليُعرَض على الرّف، ونجاهر به ظاهرياً أمام المجتمع الدولي بهدف استجلاب الهبات والمساعدات والقروض، من دون أن تكون هناك آليات عملية لتطبيقه وسريان مفعوله.

من النقاط اللافتة في القانون الجديد، يقول المحامي طعمة إنه تحدث عن إنشاء دائرة لاستعادة الأموال المتأتية من جرائم الفساد بحيث لا تعود للخزينة العامة، على أن تتألف من رئيس الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، رئيساً، واثنين من أعضاء الهيئة، إضافة إلى إنشاء الصندوق الوطني لإدارة واستثمار الأموال المُستعادة أو قيد الاستعادة، ويرتبط بالهيئة الوطنية لمكافحة الفساد لجهة الموازنة الخاصّة به.
ومن مهام الصندوق إدارة الأموال وممارسة الحق في استعمال الأموال المتأتية عن الجرائم المحددة في القانون أو التصرف بها وغير ذلك، بيد أن الهيئة المذكورة صدر قانونها لكنها لم تُنشأ بعد ولم يُعيَّن أعضاؤها، ما يطرح الكثير من علامات الاستفهام ويفتح الشكوك الكبيرة حول جدواها، حسب طعمة.

يعيش لبنان في خضم انهيار مالي تعود جذوره إلى الفساد والكسب غير المشروع وتراكم الديون على مدى عقود

ويضيف طعمة : "إن السلطة التشريعية تقول إنها أقرت القانون وبات الموضوع من مسؤولية الحكومة، أي السلطة الإجرائية، أو القضائية، وعندها سنكون أمام تقاذف للمسؤوليات والصلاحيات والأدوار نتيجته الوحيدة غياب التطبيق والعمل الجدي، علماً أنّ الصورة واضحة أصلاً، ومعروف من نهب المال العام بلبنان، وهم الزعامات أو حاشية الزعماء والتابعون ومنطق الزبائنية السياسية".
ويعيش لبنان في خضم انهيار مالي تعود جذوره إلى الفساد والكسب غير المشروع وتراكم الديون على مدى عقود.

وحسب تصريحات سابقة لمسؤولين لبنانيين، بلغ إجمالي الديون الخارجية والداخلية أكثر من 92.2 مليار دولار بنهاية شهر إبريل/ نيسان 2020.
وشدد النائب جميل السيد، بعد جلسة الاثنين الماضي التشريعية، على أنّ هذا القانون كما كلّ النصوص التي تقرّ أخيراً ليست للتنفيذ، بل هي رسالة كاذبة للناس منذ 17 أكتوبر/ تشرين الأول 2019 (تاريخ الانتفاضة الشعبية)، وحتى اليوم، وهي ذهنية نصوص للداخل والخارج غير قابلة للتنفيذ، وذلك استناداً أيضاً إلى ربط قانون استعادة الأموال المتأتية من جرائم الفساد بالهيئة الوطنية التي لم تشكَّل بعد.

وتقدّم تكتل "لبنان القوي"، الذي يرأسه النائب جبران باسيل، باقتراح قانون استعادة الأموال المنهوبة.

وبالتزامن مع إقراره، غرّد باسيل كاتباً: "جيّد جدّاً إقرار قانون الأموال المنهوبة، ويبقى التنفيذ، أهمّ بكثير إقرار قانون كشف حسابات وأملاك السياسيين والموظفين. رهاننا أن يحقق مجلس النواب للبنانيين حقهم بمعرفة من سرقهم ومن لم يمدّ يده على أموالهم".
ويتهم جزء كبير من اللبنانيين تيار باسيل السياسي بالفساد، وهو الذي يحظى بأكبر كتلة نيابية وبعدد وازن من الوزراء في الحكومات المتعاقبة عدا عن رئاسة الجمهورية، لكن التيار ينفي تلك الاتهامات.

يتهم جزء كبير من اللبنانيين تيار باسيل بالفساد، وهو الذي يحظى بأكبر كتلة نيابية وبعدد وازن من الوزراء في الحكومات المتعاقبة

ويحمّل الشارع هذا التكتل مع باقي الأحزاب التقليدية مسؤولية ما وصلت إليه البلاد من انهيار شامل، وخصوصاً على صعيد قطاع الطاقة، الذي تولّاه لسنين من الزمن وأهدر مليارات الدولارات على خطط وعد بها اللبنانيين بكهرباء 24/24 (أي طوال اليوم دون انقطاع)، وإذا به يغرق لبنان أكثر في العتمة.
وما زال شبح الظلام يخيّم ويقلق المواطنين رغم إقرار سلفة جديدة للكهرباء والتي لن يدوم مفعولها إلا لأشهر معدودة قبل أن تطلّ الأزمة برأسها من جديد.
وكان أمين سر تكتل "لبنان القوي" النائب إبراهيم كنعان قد قال، يوم الاثنين، بعد الجلسة التشريعية، إن هذا الاقتراح يضع لبنان جدياً تشريعياً بالمعاهدة الدولية للأمم المتحدة التي تفتح التعاون وتبادل المعلومات والتعاون القضائي مع أكثر من 90 دولة.

المساهمون