الكهرباء والمياه تنقطعان .. لا أحد يعتذر

26 ديسمبر 2017
انقطاعات متكرّرة للكهرباء والخدمات والشركات لا تعتذر (فرانس برس)
+ الخط -
في بلادنا ينقطع التيار الكهربائي والمياه والاتصالات والغاز والخدمات الحكومية لساعات طويلة وربما أيام، ولا أحد يخرج علينا ليعتذر، أو حتى يقدم تبريراً لانقطاع أو سوء الخدمة، وفي الغرب تخرج الشركات العملاقة متعددة الجنسيات لتعتذر حتى عن أخطاء بسيطة قد لا تمثل استنزافاً لأموال العملاء أو تشكل خطورة على صحتهم العامة.

هناك عرف في العالم كله بين المؤسسات، سواء الكبيرة أو حتى المتوسطة والصغيرة، وهو انتشار ثقافة الاعتذار للعملاء في حال حدوث قصور من جانبها، سواء كان هذا القصور على شكل عمل غير لائق أو سلوك عدائي من أحد موظفيها، أو أن القصور ناتج عن تقديم سلعة ومنتج غير مطابقين للمواصفات، ذلك لأن هذه المؤسسات تحترم المستهلك وتعرف قوته وتعتبر أنه على حق دوماً، قبل أن تدرك قوة تطبيق القانون في حال تقديم شكاوى من العملاء، سواء إلى الأجهزة الحكومية أو مؤسسات حماية المستهلك، تتساوى في ذلك الشركات الكبيرة والمتوسطة والصغيرة، والاعتذار يبدأ من أكبر مسؤول في الشركة حتى أصغر موظف.

الأمثلة كثيرة ولا تحصى، منها مثلاً ما فعلته شركة أمازون أمس، إذ اعتذرت لأحد زبائنها بسبب تلقيه رسائل إلكترونية قال إنها كانت تحتوي "تهديدات بالقتل في شكل شيفرة" أرسلها موظف في خدمة الزبائن.

ومنتصف مايو/ أيار الماضي اعتذرت شركة "ماكدونالدز" عن أحد الإعلانات التلفزيونية التي أصدرتها في بريطانيا بعدما لاقى انتقادات وشكاوى واسعة من قبل المشاهدين الذين اعتبروه إهانة لمشاعر الأطفال الأيتام.

واعتذرت في نفس الوقت شركة بيتزا هت العالمية عن إعلان أيضاً، اعتُبر مسيئاً لإضراب الأسرى الفلسطينيين، كان قد ظهر على النسخة الإسرائيلية من صفحة الشركة على فيسبوك، وقالت الشركة إنها أوقفت تعاقدها مع وكيلها للإعلان في إسرائيل، داعية متابعيها إلى قبول اعتذارها الشديد عما حصل.

وبداية إبريل/ نيسان الماضي سحبت شركة بيبسي إعلاناً أثار جدلاً كبيراً وانتقادات واسعة، لأنه بدا كأنه يستهزئ باحتجاجات تدعو إلى العدالة الاجتماعية، وقالت في بيان: "نسعى إلى نشر رسالة عالمية تدعو إلى الوحدة والسلام والتفاهم.. من الواضح أننا أخطأنا المعايير ونعتذر عن ذلك".

وفي مارس/ آذار 2017 اعتذرت غوغل لسماحها بنشر إعلانات إلى جوار لقطات مصورة مسيئة على موقع يوتيوب لتبادل ملفات الفيديو، فيما سحب مزيد من الشركات الكبرى مثل ماركس آند سبنسر و(إتش.إس.بي.سي) الدعاية في الأسواق البريطانية من مواقع غوغل.

وقدمت كوكا كولا العالمية اعتذاراً عن التصاميم التي قامت بها المصممة اللبنانية ايما بطرس، وأثارت ضجة كبيرة وحالة من الغضب على مواقع التواصل بين الأردنيين والفلسطينيين، بعد استخدامها الشماغين الأردني والفلسطيني في تصاميمها على الأحذية، التي كانت بدعم من الشركة.

كذلك تكرّر الأمر مع شركات صناعة السيارات الكبرى مثل تويوتا وفولكسفاغن وهيونداي وغيرها التي اعتذرت عقب اكتشاف بعض العيوب في إنتاجها، بل وسحبت السيارات المعيبة من الأسواق، وكذلك حدث الأمر مع شركات كبرى منها آبل وسامسونغ وإل جي وديل وهواوي وميتسوبيشي وغيرها، بل إن شركات عالمية قدمت اعتذاراً إلى عملائها بعد رفع أسعار منتجاتها، وأبرز مثال على ذلك الشركات اليابانية.

ونهاية شهر أكتوبر/ تشرين الأول الماضي اعتذرت شركة "دوف" العالمية عن إعلان جديد يتضمن محتوى عنصرياً ضد "السود"، وقدمت شركة مساحيق غسيل صينية اعتذاراً عن الضرر الناجم عن إعلان ترويجي يتحول فيه رجل أسود إلى أبيض بعد استعماله مسحوق الشركة، بل ووصل الأمر إلى حد اعتذار شركة سكك حديدية صينية عن مغادرة القطار قبل 20 ثانية من موعده.

قائمة اعتذارات الشركات الغربية طويلة ومستمرة، لكن في المقابل نجد أن الشركات العربية لا تفضل فضيلة الاعتذار فقط، بل تمارس سياسات وجرائم تمثل انتهاكاً صارخاً لحقوق المستهلكين، وتقود أصحابها للسجن في حال تقديم شكاوى ضدهم من المستهلكين.

فهناك عمليات احتكار واسعة من قبل الشركات العربية للمنتجات والسلع داخل المنطقة، وتزداد ضراوة هذه الاحتكارات مع سلع رئيسية تتعلق بالغذاء والشراب والدواء.

وهناك شركات تنتج سلعاً منتهية الصلاحية، وتوزّع منتجات فاسدة، ولا أحد يحاسبها على الرغم من إساءة هذه الشركات إلى سمعة منتجات بلادها في الداخل والخارج.

وهناك شركات لا تحترم بنود التعاقد مع العميل، وأبرزها شركات السيارات، فقد يتعاقد العميل على شراء سيارة وعندما يذهب لاستلامها يفاجأ بسعر مختلف من الوكيل بحجة ارتفاع سعر الدولار واليورو مقابل العملة المحلية.

وتنقطع الكهرباء لساعات، خاصة في أوقات الامتحانات، ولا تعتذر شركات الإنتاج والتوزيع عن ذلك الفعل الذي قد تترتب عليه خسائر مادية للأسر تتمثل في تعطل الأجهزة الكهربائية وفساد الأغذية داخل الثلاجات، وترفع هذه الشركات فواتير الكهرباء ولا تقدم لعملائها مبرراً لهذا الارتفاع المتواصل، ويتأخر موعد رحلات الطيران لساعات وتتأخر الحقائب وربما تضيع ولا تعتذر الشركات إلى المسافرين.

في الغرب تعد ثقافة الاعتذار فضيلة، وفي بلادنا ينظر إليها على أنها نقيصة وجريمة يجب عدم الاقتراب منها أو الاعتراف بها.

المساهمون