كشفت نائبة رئيس الوزراء الروسي، فيكتوريا أبرامتشينكو، أن المصرف المركزي الروسي يجري حالياً مفاوضات مع مصارف مركزية في دول عدة، بما فيها مصر، بشأن آلية سداد قيمة إمدادات المواد الغذائية بالروبل الروسي، مشيرة في الوقت نفسه إلى أن موسكو لم تنتقل بعد إلى التعامل بالعملات الوطنية بصورة منهجية.
واستشهدت أبرامتشينكو في حديث مع وكالة نوفوستي الحكومية الروسية، نُشر أمس الإثنين، بصفقة ناجحة مع تركيا لسداد قيمة الحبوب بالروبل، قائلة: "كانت أول بادرة ناجحة. مصر هي أكبر مشترينا، ونبدأ بوضع مثل هذا التحول معها أيضاً".
بدوره، يعتبر مدير مكتب التحليل في مركز "سونار-2050" لدراسات قضايا تكامل الدول الأعضاء في الاتحاد الاقتصادي الأوراسي، إيفان ليزان، أنّ الانتقال إلى الحسابات بالروبل مع مصر وغيرها من الدول سيساعد روسيا في الحد من اعتمادها على المنظومة المالية الغربية والقيود غير المباشرة المفروضة على صادرات الحبوب الروسية.
التفاف على العقوبات
ويقول ليزان في تصريحات لـ"العربي الجديد": "رغم أن الغرب لم يفرض عقوبات مباشرة على الحبوب الروسية، إلا أن هناك قيوداً غير مباشرة تشكل عقبات أمام إجراء الحسابات ونقل الحبوب، بينما يساعد إجراء الحسابات بالعملات الوطنية في الالتفاف عليها، ناهيك عن انتشار الروبل كعملة معترف بها دولياً".
ويعتبر أنّ روسيا يتعين عليها الانفصال التدريجي عن المنظومة المالية الغربية، مضيفاً: "في ظروف عدم وفاء الغرب بقسم صفقة الحبوب الخاص بالالتزامات أمام روسيا واستمرار فصل مصرف روس سلخوز بنك الزراعي الروسي عن منظومة سويفت للتحويلات المالية العالمية، سيحوَّل إجراءات الحسابات بالعملات الوطنية من دون عرقلتها من قبل الغرب".
وكانت وزارة الخارجية الروسية قد اتهمت الأمم المتحدة بالتلاعب بالحقائق المتعلقة بـ"مبادرة البحر الأسود" المعروفة إعلامياً بـ"صفقة الحبوب" لإخراج الحبوب الأوكرانية من موانئ البحر الأسود باتجاه الدول النامية، متسائلة عن أسباب توجه شحن الحبوب إلى بلدان الاتحاد الأوروبي وبريطانيا وإسرائيل وكوريا الجنوبية ودول الخليج العربي التي لا تعاني نقصاً في الغذاء.
وأقرت الخارجية الروسية في بيان صدر، السبت الماضي، بأنه لا مجال للحديث عن تسيير تصدير المنتجات الزراعية والأسمدة الروسية بصورة طبيعية بواسطة الأمم المتحدة في ظل بطء التقدم في تحقيق المبادرة الإنسانية لإخراج الحبوب، في إقرار روسي جديد بعدم وفاء الغرب بقسم الصفقة الخاص بفتح الأسواق الدولية أمام الحبوب والأسمدة روسية المنشأ.
قيود العملات الوطنية
ويرى الخبير في المجلس الروسي للشؤون الدولية، إيفان بوتشاروف، أنّ مسألة الحسابات بالعملتين الوطنيتين بين روسيا ومصر يجب التعامل معها بحذر في ظل التحديات المتعلقة بآلية تحديد الأسعار وكون الروبل والجنيه المصري عملتين غير حرتين للتحويل.
لكن بوتشاروف يضيف في حديث لـ"العربي الجديد": "لما كان اختبار سداد قيمة إمدادات الحبوب الروسية إلى تركيا يوصف بأنه ناجح، على الأرجح لن تكون هناك تحديات كبيرة في حالة مصر، على المدى القصير على الأقل".
ويلفت إلى أنّ مسألة انتقال روسيا ومصر إلى الحسابات بالعملتين الوطنيتين تجرى مناقشتها منذ عام 2015، مضيفاً: "من ناحية، يمكن لمثل هذا الانتقال فتح آفاق جديدة للتعاون التجاري والاستثماري بين روسيا ومصر، لكن من ناحية أخرى، فإن الروبل والجنيه المصري ليسا من العملات حرة التحويل، مما يفرض بعض القيود. وعلاوة على ذلك، قد تنشب صعوبات متعلقة بتحديد الأسعار. لذلك يجب التعامل مع الحسابات بالعملتين الوطنيتين بحذر".
وبعد فترة من الاستقرار، تعرض الروبل والجنيه إلى تقلبات عاصفة في العام الماضي، إذ خسرت العملة المصرية أكثر من نصف قيمتها منذ بدء الحرب الروسية الأوكرانية نهاية فبراير/ شباط الماضي، بينما قفز سعر صرف الدولار أمام الروبل من نحو 75 روبلاً إلى قرابة 120 روبلاً خلال الأسابيع الأولى من الحرب، ثم تراجع إلى ما دون 55 روبلاً لأول مرة منذ عام 2015، قبل أن يستقر عند مستوى نحو 69 روبلاً في تعاملات الأسابيع الأولى من العام الجاري 2023.
وتحافظ مصر على علاقات سياسية وثيقة مع روسيا، لكنّ مسؤولين وتجاراً يقولون إنّ تفضيل القمح الروسي مدفوع بالكلفة، التي تُدفع بالدولار.
وفي مؤشر على انفتاح روسيا على إنماء شراكاتها مع الدول العربية، بدأ المصرف المركزي الروسي منذ 18 يناير/كانون الثاني الجاري، بتحديد أسعار صرف رسمية للجنيه المصري والدرهم الإماراتي والريال القطري.
ورغم التذبذبات التي تتعرض لها أسعار صرف عملات دول الاقتصادات الناشئة، فإنّ نائبة رئيس الوزراء الروسي، فيكتوريا أبرامتشينكو كشفت في ديسمبر/كانون الأول الماضي، أنّ أول صفقة بالروبل مع تركيا أجريت في الخريف الماضي بنجاح.
وسبق لوزير الزراعة الروسي، دميتري باتروشيف، أن أكد في مايو/أيار الماضي، استعداد وزارته لمناقشة إمكانية الانتقال إلى الحسابات بالروبل مقابل الإمدادات في إطار مناقصات الحبوب مع بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وإعادة النظر في آلية الحسابات لاستبعاد المصارف الأوروبية منها.
وتبدو روسيا حريصة على استغلال مواردها في تقويض العقوبات الغربية واستمالة الحكومات التي تواجه صعوبات في توفير الدولار لشراء الغذاء والطاقة لشعوبها.
وفي قت سابق من يناير/كانون الثاني الجاري قال وزير الطاقة والموارد الطبيعية التركي فاتح دونماز، إنّ تركيا تواصل المفاوضات مع موسكو بشأن تأجيل مدفوعات لشراء الغاز الطبيعي.