تتوالى استدعاءات القضاء اللبناني بحق كبار المصرفيين بناءً على الشكاوى التي تتقدَّم بها المجموعات التغييرية التي جنّدت نفسها لحماية المودعين في لبنان والسعي لاسترداد حقوقهم رغم علمها بصعوبة المهمة نظراً لما يُعرَف بـ"اللوبي المصرفي السياسي" المغطى بخطوط حمر دينية تعرقل مسار العدالة والمساءلة.
وحدّدت مدعي عام جبل لبنان القاضية غادة عون جلسات متتالية بحق رؤساء مجالس إدارات مصارف لبنانية بناءً على الشكوى التي قدّمتها الدائرة القانونية لمجموعة "الشعب يريد إصلاح النظام" على خلفية تحويل مصرف لبنان مبلغ وقدره 8 مليارات دولار أميركي إلى عدد من المصارف اللبنانية في خضمّ الأزمة المالية.
واستمعت القاضية عون يوم الاثنين إلى رئيس جمعية المصارف سليم صفير بحضور وكيله القانوني ومدير عام بنك "عودة" سمير حنا وبحضور وكيله القانوني بينما لن يحضر رئيس مجلس إدارة بنك "لبنان والهجر" سعد الأزهري الذي تقدم وكيله القانوني بمعذرة عنه بحسب معلومات "العربي الجديد".
ومن المصارف التي ستطاولها جلسات الاستماع التي تستكملها القاضية عون اليوم الثلاثاء وبعد غد الخميس بنك "سارادار" و"البحر المتوسط" الذي تتولى رئاسة مجلس إدارته وزيرة الداخلية السابقة ريا الحسن.
وأكدت القاضية عون لـ"العربي الجديد" أنها ستواصل متابعة كل هذه الملفات وملف حاكم مصرف لبنان رياض سلامة الذي ما تزال مذكرة إحضاره مفتوحة حتى النهاية دفاعاً عن حقوق المودعين.
على صعيد الشكوى، قال منسق الدائرة القانونية لمجموعة "الشعب يريد إصلاح النظام" المحامي هيثم عزو لـ"العربي الجديد": "تبيّن بالدليل أنه بين 30/9/2019 و25/1/2020 أي في خضمّ الأزمة المالية التي تمرّ بها البلاد والناجمة بطبيعة الحال عن تهريب المصارف أموالها للخارج، أخذ 15 مصرفا من المصارف الكبرى في لبنان من سلامة قروضاً بالدولار بلغت 8 مليارات.
وكشف عزو أنه "في البداية حصلت 3 بنوك من رياض سلامة على قروض وهي "SGBL"، و"ميد" أي "البحر المتوسط"، و"عودة" ثم توالت البنوك طالبة القروض والحاصلة عليها لتصل إلى 15 وبمجرد الحديث عن مصارف يعني ربطاً السياسيين والأحزاب الذين يملكون جميعهم اسهماً في البنوك اللبنانية.
وأشار عزو إلى أن المفاجأة لا تقتصر فقط على إفراغ خزينة مصرف لبنان من الدولارات وفي ظروف غير مؤاتية بل المفاجأة الكبرى أن هذه البنوك "ردّت" القروض التي أخذتها من المصرف المركزي على الدولار أي سعر الصرف الرسمي (1500 ليرة لبنانية) وهنا تكمن جريمة السرقة الموصوفة والفاضحة، لذا كان لا بدّ لنا من التحرك، ولأجل ذلك تم تقديم الدعوى باسم الدائرة والتي شرعت بالتحقيق فيها وبدأت الاستدعاءات على التوالي.
على صعيدٍ ثانٍ، تقدمت المؤسسة السويسرية "المحاسبة الآن" الجمعة الماضي بالتعاون مع رابطة المودعين في لبنان وبالتحالف مع مجموعات "بيروت مدينتي"، "لحقي"، "تقدم"، "لنا" و"الشعب يقاوم الفساد"، بشكوى إلى هيئة الرقابة السويسرية على الأسواق المالية FINMA، طالبوا فيها بإجراء تحقيق معمق مع كل من بنك "عودة" - سويسرا، وبنك "البحر المتوسط" - سويسرا، وجولياس باير.
وقال بيان صادر عن المجموعات المذكورة إن "هذه البنوك قد تكون تخطت الخطوط الحمراء الموضوعة من قبل مجموعة العمل المالي المختصة بمكافحة تبييض الأموال، من خلال محاولات حاكم البنك المركزي رياض سلامة لإخفاء هويته، واستخدام شركات لإخفاء ملكية المستفيدين، استخدام الوسطاء مقابل الممارسات التجارية العادية، وتحويل الأموال بين الحسابات أو المؤسسات المالية من دون أي مبرر تجاري وتراكم عدد كبير من شركات الأوف شور والهياكل غير الشفافة".
وأضاف: "أظهرت التحقيقات السويسرية أنه تم تحويل أكثر من 500 مليون دولار لصالح سلامة والمقربين منه عبر البنوك السويسرية. كما يظهر أن كلاً من بنك عودة السويسري وجوليوس باير استحوذ على أسهم مملوكة من سلامة في شركة خاصة، مقابل عدة ملايين من الدولارات دفعت لحاكم البنك المركزي حصرياً. ولا يبدو أن كلا البنكين قد صرحا بشكل صحيح في ميزانياتهما عن قيمة استثماراتهما، الأمر الذي يثير تساؤلات حول مبرر هذه المدفوعات".
وأشار البيان إلى أنه "بناءً على التحقيقات التي أجراها المدعي العام السويسري تبين أن جوليوس باير قام بتحويل أكثر من 153 مليون دولار بموجب سندات خزينة تحت توقيع سلامة وحده، في انتهاك لجميع القوانين والأنظمة الأمر وصفه المدعي العام السويسري بأنه "معاملة تم تنظيمها بطريقة لا تسمح بمراجعتها أو محاسبتها. وبأمر من سلامة تم تحويل مبلغ 153 مليون دولار في نهاية المطاف إلى بنك عودة سويسرا على حساب مصرفي في لبنان. ومصير هذه الصفقة لا يزال مجهولاً تحت غطاء السرية المصرفية".
ويتابع البيان: "كما أن بنك ميد سويسرا قد لعب دوراً في ما يظهر أنه تبييض أموال ناتج عن فساد، وقد تمت الإشارة إليه مؤخراً من قبل الكونغو Hold Up Leaks ، في أعقاب التحقيقات التي أجراها المدعي العام السويسري والتي أظهرت أنه تمت إعادة تحويل حوالي 207 ملايين إلى "النفقات الشخصية" لشقيق سلامة جزئياً إلى حساب في بنك ميد".
ويردف: "كما وأن بنك البحر المتوسط (سويسرا) قد لعب دوراً نشطاً في حماية أموال عائدة لسياسيين لبنانيين عن طريق "الإيداع الائتماني" بموجب هويات مستترة، من دون أخذ أية إجراءات لما يعرف بالعناية الواجبة لناحية المستفيدين".
ودعت جميع هذه المجموعات، FINMA لـ"التحقيق في الدور الذي تلعبه البنوك السويسرية ولا سيما بنك عودة سويسرا، جوليوس باير، وبنك ميد سويسرا، التي يعتقد بأنها تلقت أموالاً متأتية عن ممارسات الفساد لسياسيين ومصرفيين لبنانيين كما وساعدتهم في عملية تبييض الأموال هذه، في خرق واضح لموجباتها في مكافحة تبييض الأموال".