القروض تُغرق العالم... الديون تقفز إلى 307 تريليونات دولار والمخاطر تلاحق الفقراء والأغنياء

21 سبتمبر 2023
سياسات رفع أسعار الفائدة التي قادها الفيدرالي الأميركي فاقمت أعباء الديون عالمياً (Getty)
+ الخط -

بلغت ديون الاقتصاد العالمي مستوى مرتفعاً جديداً في النصف الأول من 2023، مسجلة 307 تريليونات دولار (التريليون يساوي ألف مليار)، وسط تحذيرات دولية من تفاقم أعباء الديون خلال الفترة المقبلة واضطرار المزيد من البلدان إلى إعادة هيكلة ديونها ومواجهة مخاطر كبيرة.

وارتفع إجمالي الديون التي تشمل الحكومات والشركات والأسر بمقدار 10 تريليونات دولار دفعة واحدة خلال الأشهر الستة الأولى من العام، بينما قفز بقيمة 100 تريليون خلال العقد الأخير، وفق تقرير صادر عن معهد التمويل الدولي.

وارتفع الدين العالمي كحصة من الناتج المحلي الإجمالي إلى 336% بحلول يونيو/ حزيران الماضي، بزيادة نقطتين مئويتين منذ بداية العام. لكنه لا يزال أقل من الذروة التي بلغت حوالي 360% خلال جائحة فيروس كورونا قبل ثلاثة أعوام.

ويأتي ارتفاع الديون في الوقت الذي يؤدي فيه ارتفاع أسعار الفائدة في معظم البلدان إلى ارتفاع تكاليف الاقتراض، وفي الوقت الذي يفرض فيه تمويل التحول المناخي أيضاً ضغوطاً على الحكومات لزيادة الإنفاق. وجاء أكثر من 80% من تراكم الديون الأحدث من العالم المتقدم، إذ سجلت الولايات المتحدة واليابان وبريطانيا وفرنسا أكبر الزيادات، بينما من بين الأسواق الناشئة مثلت الصين والهند والبرازيل أكبر الارتفاعات.

ومن المتوقع أن تستمر تكاليف الفائدة على الديون في الارتفاع مع إعادة تمويل المزيد من الديون وبقاء أسعار الفائدة أعلى لمحاربة التضخم، وفقاً لمعهد التمويل الدولي، الذي أكد أنه يشعر بقلق خاص إزاء ارتفاع نفقات الفائدة على ديون الأسواق الناشئة بالعملة المحلية، والتي تشكل الآن أكثر من 80% من إجمالي تكاليف الفائدة في هذه الأسواق.

وحذر التقرير، الذي نُشر مساء الثلاثاء، من أنه مع اضطرار المزيد من البلدان إلى إعادة هيكلة ديونها، فإن المستوى المرتفع للديون المحلية يجعلها عرضة للخطر، لأن برنامج إعادة هيكلة ديون صندوق النقد الدولي موجه بشكل أكبر نحو الدائنين الخارجيين مثل صناديق الاستثمار وغيرها من الديون السيادية والعملات الأجنبية.

ويأتي التقرير في أعقاب تحذير من صندوق النقد الدولي، الأسبوع الماضي، بأن الحكومات "يجب أن تتخذ خطوات عاجلة للمساعدة في الحد من نقاط الضعف المتعلقة بالديون وعكس اتجاهات الديون طويلة الأجل". وقال الصندوق في تقرير له الأسبوع الماضي إن "تخفيض أعباء الديون سيخلق حيزاً مالياً ويسمح باستثمارات جديدة، مما يساعد على تعزيز النمو الاقتصادي في السنوات المقبلة".

تزايد المخاطر وسط تركيبة الدائنين

وأدى العجز المالي إلى إبقاء مستويات الدين العام مرتفعة، حيث أنفقت العديد من الحكومات المزيد لتعزيز النمو والاستجابة لارتفاع أسعار الغذاء والطاقة حتى مع إنهاء الدعم المالي المرتبط بجائحة كورونا، وفقاً لصندوق النقد، الذي أشار إلى أن تركيبة دائني البلدان النامية تغيرت بشكل كبير، فقد كانت الديون حتى فترة قصيرة وبشكل كبير في أيدي الدول الأعضاء في نادي باريس، والتي تضم عشرين دولة منها مجموعة السبع وروسيا، أما الآن فباتت الديون بشكل أساسي بأيدي القطاع الخاص، وتشمل بنوكاً وصناديق استثمار وغيرها، بما يصل إلى نحو 61% من الديون حتى نهاية 2022.

ويؤدي تعدد الجهات إلى زيادة تكاليف الاقتراض للدول المعنية ويزيد من صعوبات إعادة هيكلة ديونها قبل أن تخرج عن السيطرة، كما كان الحال قبل أشهر في سريلانكا. وأظهرت دراسة أجراها برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في فبراير/ شباط الماضي أن 52 بلداً من بينها إثيوبيا وغانا وباكستان وسريلانكا وتونس وزامبيا مثقلة بالديون وتواجه خطر التخلف عن السداد، وينفق نصفها 20% من الميزانية لسداد الفائدة على الديون.

وكانت ربيكيا غرينسبان الأمينة العامة لمؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (أونكتاد) قد أكدت نهاية العام الماضي أن ما بين 70% و85% من الديون التي تتحملها البلدان الناشئة وذات الدخل المنخفض هي بعملة أجنبية، مشيرة إلى أن ذلك جعل البلدان عرضة بشكل كبير للهزات في العملات الكبيرة التي ضربت الإنفاق العام على وجه التحديد في وقت يحتاج فيه السكان إلى الدعم المالي من حكوماتهم.

وأزمة الديون آخذة في التعمق وسط توقعات باستمرار معدلات التضخم عند مستويات مرتفعة ما يدفع البنوك المركزية حول العالم إلى المضي قدما في رفع أسعار الفائدة. وحذرت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، الثلاثاء الماضي، من أن البنوك المركزية يجب أن تبقي أسعار الفائدة عند مستويات مرتفعة أو ترفعها أكثر للتغلب على التضخم على الرغم من تزايد علامات التوتر الاقتصادي.

وقال إيمري تفتيك، المحلل المختص في شؤون الديون في معهد التمويل، والذي شارك بشكل رئيسي في إعداد تقرير الديون العالمية الأخير: "ما يقلقنا هو أن الدول ستضطر إلى تخصيص المزيد والمزيد من نفقات الفائدة.. وسيكون لها آثار طويلة الأجل على تكاليف تمويل البلدان وديناميكيات الديون".

نصف البشرية يعانون من نفقات فوائد الديون

ويعيش نحو نصف البشرية في بلدان مجبرة على الإنفاق على خدمة الدين أكثر مما تنفق على الصحة والتعليم وهو ما يجعل نصف العالم "يغرق في كارثة تنموية"، وفق تقرير الدين العالمي لعام 2022، الصادر عن مجموعة الأمم المتحدة للاستجابة للأزمات العالمية، والصادر في يوليو/ تموز الماضي.

وبحسب تقرير الأمم المتحدة يعاني 3.3 مليارات شخص في العالم، بسبب وضع حكومات بلدانهم سداد فوائد الدين كأولوية بدلاً من الاستثمارات الأساسية في أهـداف التنمية المستدامة أو التحول في مجال الطاقة، حيث تعاني 52 دولة، أي ما يعادل 40% من الدول النامية من مشكلة دين خطيرة.

ولا تقتصر أزمة الديون على الدول الفقيرة والناشئة، وإنما تطاول أيضاً الدول المتقدمة التي يرى مختصون أن تداعياتها قد تكون أكثر كارثية لتأثيرها على الاقتصادات العالمية. وقال إدوارد باركر، العضو المنتدب في وكالة فيتش للتصنيف الائتماني التي خفضت في أغسطس/ آب الماضي تصنيف الولايات المتحدة، أكبر اقتصاد في العالم، إن "ارتفاع فواتير الفائدة يشكل خطراً رئيسياً على المالية العامة والتصنيفات السيادية، خاصة في الأسواق المتقدمة".

وكانت فاتورة الفائدة في الأسواق المتقدمة ثابتة بالقيمة الاسمية بين عامي 2007 و2021، على الرغم من ارتفاع مستويات الديون. لكن باركر قال لصحيفة فايننشال تايمز البريطانية، أمس الأربعاء، إن "الغداء المجاني انتهى، وأصبحت مدفوعات الفائدة ترتفع الآن بشكل أسرع من الديون أو الإيرادات".

الخطر يلاحق الأغنياء أيضاً

وتبرز أزمة سقف الدين الأميركي مجدداً، إذ بلغ الدين العام 33.04 تريليون دولار، حتى ظهر الثلاثاء الماضي، وفقاً للبيانات التي نشرتها وزارة الخزانة، مقارنة بنحو 907 مليارات دولار قبل أربعة عقود فقط. وديون الولايات المتحدة تمثل نحو 10.7% من إجمالي ديون العالم. وقد قفزت بنحو 50% خلال العقد الأخير فقط.

وإذا ما كان العالم قد انشغل الفترة الماضية بأزمة الديون الأميركية، فإن العالم كذلك يراقب عن كثب أزمة مديونيات الشركات العقارية الصينية الكبرى والتي تتجاوز مديونياتها تريليونات الدولارات، فأكبر شركة عقارات صينية "ايفرغراند" تزيد مديونياتها وحدها عن نحو 300 مليار دولار.

اقتصاد دولي
التحديثات الحية

ولا يقتصر الأمر على ديون الشركات العقارية، فثمة مخاوف تتعلق بمديونية الحكومات المحلية في ثاني أكبر اقتصاد في العالم، التي جعلت الحكومة تحاول مؤخراً طمأنة الأسواق بالإعلان "إن ديون الحكومة المحلية تحت السيطرة، وإن السلطات لديها ما يكفي من الموارد المالية لتجنب مخاطر فوارق العوائد على سندات الدين، وتسعى لتبديد مخاوف المستثمرين من التخلف المحتمل عن السداد".

ووفق وكالة بلومبيرغ الأميركية، فإن ديون الحكومات المحلية في الصين تقدر بنحو 23 تريليون دولار، وأن هذه المديونية تمثل تهديداً حقيقياً لهذه الحكومات، وأنه إذا عجزت تلك الحكومات عن سداد مديونياتها، فقد تضطر الحكومة المركزية إلى اتخاذ إجراءات تقشفية صعبة، مثل خفض الأجور، ورفع أسعار الخدمات.

ويتوقع صندوق النقد أن تصل نسبة الديون للناتج المحلي في الصين إلى 92% عام 2025، وترتفع إلى 104.9% في عام 2028. وإذا ما تجاوز سقف الديون نسبة 100% من الناتج المحلي الإجمالي للصين، فإن العالم سيكون أمام نفس التهديد الذي واجهه في الحالة الأميركية.

المساهمون