لا يفصل مصر عن استحقاق سداد أعباء ديون خارجية قيمتها مليارا دولار سوى أيام، الحكومة المصرية أعلنت من جانبها التزامها بسداد تلك الأعباء في مواعيدها المحددة وبلا تأخر، وذلك كما حدث في السنوات الماضية، حيث لم تتأخر في سداد أي دين خارجي.
وفي المقابل، تخرج علينا مؤسسات دولية لتتحدث عن تزايد الضغوط على مالية وموازنة وعملة وأسواق واقتصاد مصر، مع زيادة أعباء الدين الخارجي إلى معدلات غير مسبوقة، وحاجة البلاد الملحّة إلى مزيد من القروض والسيولة الدولارية، حتى لو جاءت على حساب بيع مزيد من أصول الدولة تحت ضغوط شديدة، واستغلال المستثمرين العرب والأجانب هذا المأزق والدفع نحو شراء تلك الأصول برخص التراب.
خيار سداد أعباء الديون بات صعبا في ظل شح النقد الأجنبي في الأسواق، والطلب المتزايد على النقد الأجنبي، وتراجع بعض الإيرادات الدولارية
في الأوقات العادية، تسدد الدولة أعباء الدين الخارجي من حصيلة الاحتياطي الأجنبي لدى البنك المركزي المصري، والبالغة نحو 34.5 مليار دولار، وفق أحدث أرقام.
البديل الثاني هو سداد مصر أعباء تلك الديون من الموارد الذاتية، من حصيلة الصادرات والسياحة والاستثمارات الأجنبية وقناة السويس وغيرها.
لكن هذا الخيار بات صعبا أيضا، في ظل شح النقد الأجنبي في الأسواق، والطلب المتزايد على النقد الأجنبي، وتراجع بعض الإيرادات الدولارية، خاصة من أنشطة تحويلات المغتربين أو الاستثمار المباشر والأموال الساخنة.
البديل الثالث هو جمع الملياري دولار من البنوك المصرية عبر طرح سندات وأذون خزانة بالدولار. وهذا البديل بات صعبا في ظل بلوع العجز في صافي الأصول الأجنبية لدى القطاع المصرفي 24.3 مليار دولار وفق أخر أرقام، واكتتاب البنوك في عدة طروحات للبنك المركزي يجمع من خلالها سيولة دولارية لسداد التزامات.
ومن الصعب لجوء مصر إلى الأسواق الدولية لاقتراض هذا المبلغ خلال وقت قصير، كبديل رابع، لسداد الأعباء المستحقة، في ظل ارتفاع كلفة الاقتراض الخارجي، وزيادة سعر الفائدة على الدولار إلى مستويات غير مسبوقة، وتوقعات زيادتها الشهر الجاري من قبل البنك المركزي الأميركي، وحاجة القروض لترتيبات وتسويق وتواصل مع بنوك وصناديق الاستثمار الدولية.
يبقى البديل الخامس والأخير وهو الإسراع في خطة بيع الأصول، وهو السيناريو الذي تعمل الحكومة عليه بالفعل.
الحكومة المصرية جمعت حتى الآن 153 مليون دولار فقط من إجمالي ملياري دولار تطمح إلى الوصول إليها قبل شهر نهاية يونيو الحالي
لكن في المقابل تقول الأرقام غير الرسمية إن الحكومة المصرية جمعت حتى الآن 153 مليون دولار فقط من إجمالي ملياري دولار تطمح إلى الوصول إليها قبل شهر نهاية يونيو الحالي، وهو المبلغ المطلوب لسداد أعباء الدين الخارجي، وذلك من صفقتي بيع شركة باكين و10% من المصرية للاتصالات.
لكن وعلى أرض الواقع تسابق الحكومة الزمن لجمع هذا المبلغ قبل حلول موعد سداد الدين الخارجي ووصول بعثة صندوق النقد الدولي المتوقعة قبل نهاية الشهر أو بداية الشهر المقبل، عبر الإسراع في بيع أصول الدولة من بنوك وشركات، حيث جار بيع المصرف المتحد وبنوك أخرى، ومحطات كهرباء، وشركات غذائية، وحصة الدولة في شركة فودافون مصر، وصولا إلى طرح شبكة محطات وقود مملوكة للمؤسسة العسكرية
المؤشرات الأولية تقول إن الحكومة المصرية قد تنجح في هذا الأمر، ودليل ذلك أن القاهرة تحولت هذه الأيام إلى ورشة عمل كبيرة لمسؤولين اقتصادين عرب ومستثمرين ومشترين خليجيين جاؤوا للبحث عن فرصة عمل وشراء أجود الأصول من الشركات والبنوك.
فهذه الأيام يزور القاهرة وزير الصناعة والثروة المعدنية السعودي بندر بن إبراهيم الخريف يرافقه وفد اقتصادي واستثماري كبير، كما استأنف الصندوق السيادي القطري مفاوضاته مع الحكومة لشراء جزء من حصة الدولة في فودافون مصر. وأبدى الصندوق اهتمامه بشراء عدد من الشركات الـ32 المدرجة ضمن برنامج البيع، لاسيما الشركات العاملة في قطاعات الموانئ والنفط.
هل تنجح الحكومة في جمع الملياري دولار؟ وإذا جمعت المبلغ، فماذا عن الديون قصيرة الأجل الأخرى المطلوب سدادها خلال الأعوام القليلة المقبلة؟
تلقت الحكومة المصرية عروضا من مستثمرين خليجيين لشراء حصة رئيسية في شركات إيلاب التابعة لوزارة البترول، وصافي الغذائية، ووطنية لمحطات الوقود، والشركة القابضة للسياحة التي تضم محفظتها أصول عدد من الفنادق التابعة للحكومة.
وأوشك صندوق مصر السيادي على اختيار استشاري لتقييم محطات رياح الزعفرانة وجبل الزيت، بعد تلقّي رغبات شراء من مستثمرين عرب وأجانب.
خطوات مارثونية تجري حاليا داخل العاصمة القاهرة لبيع عدد من الأصول، فهل تنجح الحكومة في جمع الملياري دولار؟ وإذا جمعت المبلغ المستحق، فماذا عن الديون قصيرة الأجل الأخرى المطلوب سدادها خلال العام الجاري والأعوام القليلة المقبلة؟