توقع مختصون عراقيون ارتفاع عدد الفقراء في البلاد خلال العام 2023 إلى أكثر إلى 13 مليون مواطن، بسبب المشكلات الاقتصادية التي يشهدها العراق والمرتبطة بتراجع قيمة الدينار، بالإضافة إلى المتغيرات التي تشهدها السوق العراقية من ارتفاع كبير في مستويات الأسعار وانخفاض القدرة الشرائية، وتراجع المستوى المعيشي للعائلة العراقية.
وكانت الإحصائية الرسمية، التي أعلنت عنها وزارة التخطيط لعام 2022، قدرت عدد الفقراء بأكثر من 10 ملايين عراقي بنسبة تجاوزت 25 في المائة، وأن هذه النسبة ارتفعت مقارنة بعامي 2019 و2020، حيث كانت لا تتجاوز 20 في المائة، قبل جائحة كورونا على وجه التحديد.
وكشفت وزارة التخطيط في العراق أن الفقر في البلاد يتزايد لأسباب اقتصادية متجذرة تشمل السكن والصحة والتعليم ومستوى الدخل بالإضافة إلى الغذاء، وكذا العوامل الأمنية والسياسية والوضع الاجتماعي. وقال المتحدث باسم وزارة التخطيط، عبد الزهرة الهنداوي، إن هناك محافظات عراقية ارتفعت نسب الفقر فيها إلى حد كبير، حيث تصدرت محافظة المثنى قائمة المحافظات الأكثر فقراً بنسبة تخطت 50 في المائة، تليها محافظات القادسية وذي قار وميسان، التي تتراوح نسب الفقر فيها ما بين 45 و48 في المائة، فيما تتراوح نسبة الفقر في بقية المحافظات ما بين 20 و37 في المائة.
وأضاف الهنداوي، في حديثه لـ"العربي الجديد"، إن نزوح أكثر من خمسة ملايين عراقي من مناطقهم إلى مناطق أخرى وترك الكثيرين منهم أعمالهم ووظائفهم من الأسباب التي ساهمت بارتفاع مستويات الفقر إلى حد كبير. وبيّن الهنداوي أن وزارة التخطيط وضعت عدة استراتيجيات للحد من الفقر، حيث عملت على الاستراتيجية الأولى بين عامي 2010 و 2014، فيما عملت على الاستراتيجية الثانية بين عامي 2014 و 2018، وتسعى للعمل على الاستراتيجية الثالثة لخمس سنوات قادمة ضمن خطة معالجة مشاكل السكن والدخل والصحة والتعليم، للمساهمة في الحد من ارتفاع مستويات الفقر.
وأشار إلى أن وزارته تعمل على إجراء المسح الإحصائي والاقتصادي للأسر ضمن الحدود الجغرافية للبلد خلال الأشهر القادمة، من أجل توفير بيانات جديدة عن نسبة الفقر وطبيعة حال العائلات العراقية. وأوضح مختصون أن ارتفاع نسب الفقر في العراق جاء نتيجة لعدة عوامل طبيعية وبشرية، فيما تبقى الإجراءات الحكومية غير نافعة تجاه معالجة هذه المشكلة.
وقال الباحث الاقتصادي، أحمد صباح، إن الفقر في تزايد وقد يطاول مع نهاية العام الحالي إلى أكثر من 13 مليون عراقي تحت مستوى خط الفقر، وأن هذا التزايد ينذر بمخاطر كبيرة تواجه الدولة العراقية ويصعب السيطرة عليها. وحمّل صباح، خلال حديثه مع "العربي الجديد"، الحكومة العراقية مسؤولية هذا الارتفاع الكبير، بسبب عدم السيطرة على الفساد الإداري والمالي، وغياب التخطيط، والخلافات السياسية، وبناء المتنفذين إقطاعيات مالية انعكست بشكل كبير على الواقع المعيشي للفئات الهشة.
وأضاف أن هناك عوامل خارجية وطبيعية ساهمت في ارتفاع نسب الفقر، تتمثل بالمتغيرات العالمية وعوامل الجفاف التي ألمت بالعراق، بالإضافة إلى الانعكاسات التي خلفتها جائحة كورونا والتي نتج عنها حدوث تضخم عالمي انعكس بصورة مباشرة على العراق الذي يعتمد على الإيرادات النفطية فقط. وعن العوامل المحلية التي تسببت بارتفاع نسبة الفقر في العراق، أشار صباح إلى أزمة السيولة النقدية وارتفاع قيمة الدولار التي انعكست على السوق العراقية لتؤدي الى غلاء السلع وانخفاض القدرة الشرائية، حيث أصبح أصحاب الدخل المحدود غير قادرين على تغطية احتياجاتهم اليومية، بسبب غلاء المعيشة بنسبة تجاوزت 50 في المائة عما كانت عليه قبل سنوات.
وأكد الباحث الاقتصادي، نبيل جبار التميمي، أن المقياس الطبيعي للفقر في العراق بيّن أن النسبة المسجلة في العام الماضي هي الأعلى منذ 20 سنة، وأن بعض المنظمات الدولية والمحلية حددت نسب أعلى مما أعلنته وزارة التخطيط، بسبب المعايير المعتمدة بتحديد آلية نماذج الشمول وحسابات الدخل. وبيّن التميمي، لـ"العربي الجديد"، أن هذا التزايد الكبير في معدلات الفقر وقع بفعل تأثيرات التقشف الحكومي الذي اعتمدته الحكومات السابقة، وتخفيض الرواتب وفقدان الحكومات لموازنات استثمارية وتعطيل الكثير من الأعمال.
وأضاف أن عوامل التضخم تزايدت بشكل كبير، ما سبب تآكلاً لدخل الفرد ونقل الأسر من مستوى الطبقة المتوسطة الى مستويات دون الفقر، وأن التغيير الحاصل في سعر الصرف بنسبة 23 في المائة سنة 2020، رفع مستويات التضخم الذي تزايد إلى حد كبير مع تغيير سعر صرف الدولار الأخير والتقلبات التي شهدتها السوق المالية العراقية.
وللحد من مستويات الفقر في العراق، شدد التميمي على أهمية رفع قاعدة الشمول المالي والدفع باتجاه الاستقطاب الاستثماري في محاولة لتطبيق سياسات اقتصادية شاملة واستراتيجيات تحد من عمليات الهدر المالي السائد حالياً في البلاد.