الفساد ينهش سورية: تطويع بالتفقير وسط اتساع السوق السوداء

04 ديسمبر 2021
المخاوف تتزايد من ارتفاع نسبة الجريمة (لؤي بشارة/ فرانس برس) 
+ الخط -

التفقير تحول إلى نهج وسياسة في سورية لتطويع الناس وإذلالهم بحقوقهم البديهية. الجرائم خلعت تسمياتها الرادعة ليقابلها غض الطرف الحكومي، فأصبحت ظاهرة عادية. الفساد مقونن، وله أربابه. أما الأزمة المعيشية فتتمدد عميقاً في المجتمع السوري، بكل مؤشراتها الضاغطة من فقر وبطالة وجوع وبرد.

تكاليف معيشة الأسرة السورية ارتفعت خلال الشهرين الأخيرين بنحو 560 ألف ليرة لتصل بحسب مركز "قاسيون" في دمشق إلى نحو 1.8 مليون ليرة شهرياً، إثر ارتفاع أسعار الطاقة والمنتجات الغذائية بنحو 30 في المائة واستمرار تهاوي العملة المحلية، لتصل الليرة إلى 3600 مقابل الدولار، أما الراتب الشهري فمتوسطه لا يزيد عن 72 ألف ليرة سورية.

يلجأ كثيرون إلى التهريب والسوق السوداء لسد الفجوة ما بين الدخل والإنفاق الأسري، بعد بيع ما تبقى من ممتلكات.

أما من اختاروا درب الجريمة فيتزايدون، حيث وصل عدد الجرائم في مناطق سيطرة نظام الأسد حتى بداية الربع الثالث من العام الجاري، إلى 366 جريمة قتل و3663 حالة سرقة، بحسب مدير الأمن الجنائي التابع لنظام الأسد، حسين جمعة.

الأخير أضاف خلال تصريحات أخيراً، أن قسم الإحصاء سجل أيضاً 120 حالة تزوير للعملة، إضافة إلى 2531 جريمة معلوماتية، لتتصدر سورية قائمة الدول العربية بارتفاع معدل الجريمة، وتحتل المرتبة التاسعة عالمياً للعام 2021، بحسب موقع "نامبو كرايم أندكس" المتخصص بمؤشرات الجريمة في العالم.

أرضية الفساد

يرى الباحث السوري زيد حسون، أن الحكومة تؤمن المناخ المناسب للفساد والجريمة، فإتاوت الحواجز الأمنية المنتشرة على الطرقات، وخاصة في مدينة حلب، وطلب الرشى العلاني من الدوائر الحكومية وفساد المسؤولين واستقواؤهم بمناصبهم، تعتبر مجتمعة تشريعاً رسمياً للرشوة والجريمة، كما أن غياب الرقابة الحكومية عن الأسواق يزيد من بيئة الفساد ورفع الأسعار والتزوير.

ولكن، يستدرك الباحث السوري خلال حديثه لـ"العربي الجديد" أن تعدد الأسعار في السوق السورية وتنامي ما يسمى السوق السوداء، يعتبر العامل الأهم لزيادة الفساد والسرقات، إذ إن الدولار مثلاً له ثلاثة أسعار وللمازوت أربعة وحتى للخبز اليوم أصبح يباع بأسعار متعددة، فربطة الخبز التي تباع داخل الأفران بمئتي ليرة، تباع أمامها بأكثر من ألف ليرة.

ويكشف الباحث حسون من العاصمة السورية دمشق، أن الفقر وارتفاع الأسعار أوصلا طلبة الجامعات للتنقل بسيارات القمامة ودفع كثيرين للبحث عن غذائهم بحاويات النفايات.

يلفت حسون إلى أنه عدا سرقات المحال التجارية وحتى فروع المؤسسات الحكومية، "وثقنا خلال دراسة حتى النصف الأول من العام الجاري، سرقة 122 محل صياغة ذهب بدمشق وحمص واللاذقية فقط، ولكن أكثر حالات السرقة والابتزاز تتم بمدينة حلب، خاصة بعد اعتقال رجال الأعمال والصاغة وابتزاز أهلهم بالمال ليتم الإفراج عنهم من فرع الخطيب للأمن بدمشق (تابع لجهاز أمن الدولة)".

سرقة المقابر

والأغرب بحالات السرقة التي تعاني منها المدن السورية اليوم، هي سرقة المقابر، فبحسب جوني طربوش، من منطقة الدويلعة، تم تعيين حراس على المقبرة بعد سرقة محتويات القبور، ويشرح: "ندفن مع المتوفى بعض موجوداته من حلي ومقتنيات".

ويضيف طربوش خلال اتصال مع "العربي الجديد" أن بعض تجهيزات "المقبرة المسيحية" بالمنطقة، من عداد المياه والأنابيب وأسلاك الكهرباء، تمت سرقتها مراراً، ووصل الأمر إلى سرقة رخام المقابر وحجارة الزينة الموجودة على القبور.

اقتصاد الناس
التحديثات الحية

ويؤكد راشد ماليل من منطقة دمر بدمشق لـ"العربي الجديد" سرقة رخام القبور، ما اضطر أهل المنطقة لمضاعفة الحراسة، "لكن السرقات مستمرة من ناحية الجبل الذي يضم لواء عسكرياً". ويضيف ماليل خلال اتصال أن تجارة القبور مزدهرة بدمشق، فسعر الرخام أكثر من 400 ألف ليرة، كاشفاً أن تكاليف الموت ارتفعت بدمشق، ووصل سعر القبر بمقبرة دمر إلى نحو مليوني ليرة، وفي مقبرة الدحداح قرب شارع بغداد وسط دمشق بين 5 و7 ملايين ليرة سوري.

برعاية الكبار

تستمر حالات التهريب باتجاه العراق ولبنان، لتتعدى الأغنام والمازوت والأدوات الكهربائية، وتصل بحسب الاقتصادي حسان مظفر من منطقة سرغايا القريبة من الحدود اللبنانية إلى الأدوية، بعد ارتفاع أسعارها في لبنان وسحب الدعم الحكومي هناك "رغم قلة الدواء في سورية ولكن الطريق أصبح بالعكس، صار يهرب الدواء من سورية إلى لبنان، إضافة للمازوت والأغنام".

ويقول مظفر إن سوق لبنان هذه الفترة "مزدهر" بالنسبة للمهربين، وبالمقابل، لوجود سلع غير نظامية لا تزال تدخل من لبنان، بمقدمتها التبغ والكحوليات وأجهزة إلكترونية وموبايلات ومواد تجميل، مبرراً استمرار تهريب هذه السلع، إلى منع استيرادها بسورية أو إلغاء تمويل الاستيراد. ويؤكد مظفر أن بسورية اليوم معامل لإنتاج الحبوب المخدرة، وعمليات إدخال "الحشيش" تتم عبر المسؤولين أو عناصر عسكرية "يعني حاميها حراميها".

ويشير وزير العدل السابق في حكومة الأسد، نجم الأحمد، إلى عدم ظهور تطبيق "شعار مكافحة الفساد" على أرض الواقع، لافتاً إلى الأثر السلبي للحرب التي مرت بها البلاد على مدار عقدٍ من الزمن، والتي أفرزت نتائج سلبية كثيرة. وفي إشارة إلى المهربين والفاسدين بنظام الأسد، يقول الأحمد لقد انتشرت ثقافة التعاطف مع الفساد أو القبول بالأمر الواقع، وتكرست ثقافة من لا يدفع المال لن يتمكن من الحصول على الخدمة، لكن الأخطر برأي الوزير السابق، هو تسويق الفاسدين ليتحدثوا بوسائل الإعلام عن الفساد "وينظرون له"، ما أدى لتشكيل كتلة فساد صلبة "أفرادها في موقع اللا مساءلة".

تدمير مجتمعي

وفيما يكشف الإعلامي "ع.ح" كثرة انتشار بيوت الدعارة على مرأى ومعرفة النظام وأجهزته الأمنية. يرى الاقتصادي السوري محمود حسين أن "هناك خططاً ممنهجة لتدمير المجتمع السوري، فبعد التفقير الذي تلى القتل والاعتقال والتهجير، رأينا تأجير وبيع مقدرات وثروات السوريين ومن ثم الانتقال إلى تهديم القيم الأخلاقية بالمجتمع، فبات الفساد موضع تفاخر والمخدرات سلعة تباع بالأسواق، لتستمر الجريمة مع تفشي حالات الدعارة، وحتى سرقة الأعضاء البشرية للمعتقلين بعد إجراء جراحات لهم وإعلان وفاتهم بسكتات قلبية وإلزام الأهالي على التوقيع على ذلك، من دون تسليم الجثث و"لدينا مئات الأمثلة الموثقة".

ويعتبر حسين خلال حديثه لـ"العربي الجديد" أن طاقة السوريين بمواجهة الفقر والجوع محدودة، خاصة بعد تخلي العالم عنهم. فالدخل الشهري، لمن لديه دخل ثابت، لا يكفي لبضعة أيام.

المساهمون