وضع مؤشر الفساد مصر في المرتبة 130 من بين 180 دولة، بعد منحها 30 درجة فقط من 100 درجة يحددها للدولة الخاضعة للتقييم السنوي، عند نقطة متساوية مع دولتي جيبوتي وموريتانيا، بمعدل فساد أعلى من جميع الدول العربية عدا التي تخوض حروبا أهلية أو عديمة الاستقرار، منها العراق وسورية وليبيا والصومال والسودان ولبنان.
تظل مصر في المنطقة الحمراء، وهي أكثر المناطق خطورة في انتشار معدلات الفساد، التي تبدأ باللون الأصفر للدول قليلة الفساد، وعلى رأسها الدانمارك فنلندا ونيوزيلاند والنرويج وسنغافورة، ويتدرج إلى البرتقالي فالأحمر، ثم شديد الاحمرار، حيث الدول الفاشلة وشديدة الاستبداد.
يرصد التقرير تصاعدا هائلا في معدلات الفساد منذ عام 2016، حيث تراجعت مصر ثلاثة مراكز بالمؤشر عام 2022، عن العام السابق وبأكثر من 20 مركزا خلال 10 سنوات، حيث ظلت في المرتبة ما بين 97 إلى 114 منذ صدور بيان المؤشر، عام 1995 حتى عام 2012، واعتبر انتشار الفساد في تلك الفترة من أهم الدوافع التي أدت إلى تأييد أغلبية المواطنين لثورة 25 يناير 2011.
بينت دراسات اقتصادية، أجريت خلال تلك الفترة أن الفساد، يلتهم نحو 33% من الناتج الإجمالي للدولة، بما فاقم معدلات الفقر، وعدم المساواة في الدخول، ودفع المواطنين للمناداة بــ"العيش والحرية والعدالة الاجتماعية" ومحاولة حكومة المجلس العسكري وما بعد 3 يوليو 2013 إلى إصدار تعهدات بمكافحته. أصدرت الحكومة تعديلات قانونية وضعت جميع الأجهزة الرقابية تحت سلطة مباشرة لرئاسة الجمهورية، مع إلغاء خضوع الجهاز المركزي للمحاسبات للرقابة الشعبية والبرلمانية، ومنح الرئاسة سلطة إزاحة رؤساء الأجهزة الرقابية، بدون موافقة البرلمان أو محاكمات قضائية، ومنع وسائل الإعلام من نشر أية بيانات متعلقة بالفساد، دون موافقة مسبقة من الجهات الرقابية.
حجبت الحكومة موقع "الشفافية الدولية" من الظهور محليا، وأوقفت التواصل مع منظمة "الشفافية الدولية" المصدرة للتقرير، رغم تبعيتها للأمم المتحدة.
وفقا لبيان منظمة الشفافية الدولية، الذي أصدرته الأسبوع الماضي، بمناسبة اليوم العالمي لمكافحة الفساد، يحصل المؤشر على بياناته عن معدلات الفساد من 3 مصادر على الأقل مستمدة من 13 دراسة استقصائية، وتقييمات مختلفة للفساد، من المؤسسات" ذات السمعة الجيدة" بما في ذلك البنك الدولي والمنتدى الاقتصادي العالمي "دافوس" حتى لا تعكس درجات المؤشر وجهات نظر المنظمة أو موظفيها.
أكد مؤسس تيار النقابات المستقلة، كمال عباس، أن المناخ العام في مصر أصبح بيئة جيدة لنمو الفساد، في ظل غياب الديمقراطية وعدم وجود صحافة أو برلمان يراقب ما تفعله الحكومة، وحرمان الشعب من حرية التعبير، بما يمكنه من مواجهة انتشاره. قال الخبير الدولي في مكافحة الفساد، وحماية حقوق العمال، لــ"العربي الجديد" إن ثورة 25 يناير قامت للحد من الفساد، وتمكنت من فرض قوانين تضمن مواجهته، ولكن سرعان ما غير النظام تلك القوانين، ولم يفعل المواد المنصوص عليها في دستوري 2012 و 2014، فلم نعد نسمع عن أي نشاط للجهاز المركزي للمحاسبات وهو أعلى سلطة رقابية على إنفاق المال العام، أو الرقابة الإدارية، التي تتحرك ببطء في مواجهته. أضاف عباس أنه وفقا لتصريحات رئيس الدولة التي يذكرها على الملأ، هناك مشروعات تتم بدون دراسات جدوى، وتسند بالأمر المباشر، منوها إلى أن هذه الأمور تؤدي إلى الفساد وتهدر قيمة ما يحقق من مشروعات أخرى. يدعو عباس إلى وقفة من الدولة، لبدء إصلاح منظومة العدالة والشرطة التي أصبحت كل مهمتها إسكات أصوات المعارضة وملاحقة السياسيين، مطالبا، بعودة دولة القانون ومحاسبة المواطنين جميعا وفقا لمعيار واحد للعدالة. يحذر عباس من تراجع الدولة عن ملاحقة الفساد والفاسدين.
يشير الناشط الحقوقي والقيادي بحزب الوفاق، علي طه، إلى تكتم الحكومة حول نشر الوقائع الخاصة بالفساد، في الصحف وتناولها في البرلمان مع ذلك تظهر بعض القضايا الكبرى التي تخرج للأضواء رغم القيود المفروضة على الإعلام. ينوه طه إلى القبض على قيادات رفيعة المستوى بالمحكمة الإدارية العليا بتهمة الرشوة، والاتجار بالعملة، وقاض آخر لقتله مذيعة، بعد خلافات بينهما على أموال حصل عليها عن طريق الرشوة وابتزاز المواطنين، وأخيرا القبض على مساعد أول وزير التموين بتهمة الفساد المالي وتسببه في أزمة السكر التي تحرم ملايين المصريين من حقهم الطبيعي في الحصول على سلع أساسية بكل منزل.
يبين طه في حديثه مع "العربي الجديد" أن خروج بعض القضايا الكبرى، يلازمه أخبار تنشر كثيرا على وسائل التواصل الاجتماعي تطاول مشروعات في الإسكان وإهدار المال على مشروعات الطرق، وغيرها.
يذكر طه أن الحكومة أصبحت تشارك في منظومة الفساد، بعدم تنفيذها العقود والتصرف في شكاوى المقاولين الذين لم يحصلوا على حقوقهم من الشركات العامة، والذين انتهوا من بناء المشروعات المكلفين بها منذ فترة تزيد عن 5 سنوات، مبينا أن دخول الدولة كطرف في إجهاض الحقوق وإضعاف الحكومة المؤسسات الرقابية والإدارية، عمدا أو عبر الإهمال المستمر، يدفع الناس للبحث عن طرق بديلة للحصول على حقوقهم.