الفساد موثّق بالأرقام: صفقات بتريليونات الدولارات في ظل كورونا

26 فبراير 2021
الفقر يتزايد في الوباء وثروات الأغنياء ترتفع 27% (Getty)
+ الخط -

حذّرت الأمم المتحدة، من تصاعد التهرب الضريبي وغسل الأموال حول العالم. وقال تقرير اللجنة المعنية بالمساءلة المالية الدولية والشفافية والنزاهة، إنه يتم غسل أصول توازي 2.7 في المائة من قيمة الناتج الإجمالي العالمي سنوياً. في الوقت الذي تخسر فيه حكومات الدول أكثر من 600 مليار دولار سنوياً بسبب التهرب الضريبي.

وأشار التقرير، الذي نشر الخميس على الموقع الإلكتروني للجنة الأممية، إلى أنه بعد ستة أشهر من انتشار الوباء، وجدت منظمة الشفافية الدولية حالات موثقة للفساد والمخالفات في 17 دولة، تشمل أموالاً عامة تصل إلى 1.1 مليار دولار.

هذا المبلغ يمكن أن يشتري 50 ألف جهاز تنفس. ودعا الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس إلى اتخاذ إجراءات استجابة لوباء كورونا، ليشمل مكافحة التدفقات المالية غير المشروعة، التي "تحرم بالفعل البلدان النامية من مئات المليارات من الدولارات كل عام". ارتفع عدم المساواة بشكل حاد، حيث تشير التقارير إلى أن الوباء أدى إلى زيادة بنسبة 7 في المائة في الفقر المدقع، بينما عزز ثروة المليارديرات بنسبة 27.5 في المائة في ذروة الأزمة بين إبريل/نيسان ويوليو/تموز 2020.

حتى لو لم يكن من الممكن تتبّع هذه المعادلة ربطاً بالفساد والاحتيال غير القانونيين، فإن هذا دليل مثير للقلق على الطريقة التي يميل بها النظام المالي الدولي حالياً لصالح الأثرياء، حتى أثناء الوباء. ولفت مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة إلى الانتباه مرة أخرى إلى مخاطر الفساد، المتعلقة بالتمويل الطارئ للقاح، بما في ذلك التمويل المعتمد مؤخراً بقيمة 12 مليار دولار من البنك الدولي، لمساعدة البلدان النامية على تمويل وشراء وتوزيع لقاحات وفحوصات وعلاجات كورونا.

وحذر من أن المشتريات العامة تشكل خطرا خاصا، نظرا لحجم التمويل المعني. وقال التقرير إن حجم الموارد التي يمكن أن يكتسبها العالم من خلال تحقيق التكامل المالي للتنمية المستدامة ضخم. يمكن الاحتفاظ بما يصل إلى 10 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي في أصول مالية خارجية، حيث يتم توجيه ما يقدر بـ 7 تريليونات دولار من الثروة الخاصة في العالم إلى دول الملاذات الضريبية.

ومع دراسة نوع فرعي واحد فقط من التدفقات المالية غير المشروعة، أي تحويل أرباح الشركات، أو التوجه نحو دول الجنات الضريبية من قبل الشركات متعددة الجنسيات، تكلف هذه الممارسات البلدان التي يتم فيها تحقيق هذه الأرباح فعلياً في حدود 500 إلى 650 مليار دولار سنوياً، وفق بعض التقديرات. بالانتقال إلى التدفقات غير المشروعة، يتم غسل ما يصل إلى 2.7 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي من قبل المجرمين.

وتبلغ الرشوة من جميع الأنواع في جميع أنحاء العالم ما يقدر بنحو 1.5 إلى 2 تريليون دولار كل عام. وتحدث هذه المعاملات في جميع البلدان، لكن يكون لها تأثير أكبر على البلدان النامية. واعتبر التقرير الصادر عن اللجنة الأممية أن النزاهة المالية مهمة لجميع الدول.

تمثل التدفقات المالية غير المشروعة سرقة مزدوجة، حيث تتم مصادرة الأموال، وحرمان البلدان من مليارات قد تؤسس لمستقبل أفضل. إن اتخاذ إجراءات لاستعادة التدفقات الخارجة الخفية يمكن أن يقلل من عدم المساواة في كل مكان، ويحسن رفاهية الناس، فضلاً عن النتائج الاجتماعية والاقتصادية والصحية.

ويمكن لهذه الإجراءات أن تمنح البلدان النامية القدرة على تزويد مواطنيها بالخدمات الاجتماعية الأساسية، مثل المياه الملائمة والصرف الصحي، والكهرباء والرعاية الصحية والإسكان. المواطنون العاديون في البلدان المتقدمة أيضا سيستفيدون.

يمكن للأموال التي يتم استنزافها من خزائن بلدانهم أن تكون كذلك آلية لدعم الإسكان ميسور التكلفة، وتمويل حماية اجتماعية أفضل للمجتمعات الضعيفة في الدول المتقدمة، وتقوية البنية التحتية لشبكات الطاقة المتجددة. في سبتمبر/أيلول 2020، جادل الأونكتاد بأن كبح صناديق التمويل الدولية في أفريقيا يمكن أن يخفض بمقدار النصف فجوة التمويل السنوية للقارة البالغة 200 مليار دولار.

ولشرح تأثيرات الفساد على المجتمعات، أورد تقرير اللجنة الأممية عدداً من الأمثلة. وقال إن المبلغ السنوي للرشوة وحده يقدر بحوالي 1.5 إلى 2 تريليون دولار، لكن هذا التقدير تخميني، ومن الصعب العثور على تقديرات موثوقة على مستوى الدولة تُظهر الحالات الفردية للفساد، وبالتالي حجم الخسارة قد يكون أكبر بعشرات المليارات من الدولارات.

ومع ذلك، فإن تكلفة الفساد، كما يتم التعبير عنها من خلال المبالغ المقدرة للرشاوى مثلاً، لا تعكس التكلفة الأكبر بكثير على المجتمع. إذ يمكن أن تؤدي الرشوة التي تبلغ قيمتها مليون دولار بسهولة إلى إحداث أضرار بقيمة 100 مليون دولار، في شكل تكاليف إضافية وقرارات استثمار سيئة.

إذ تُقدّر خسارة الإيرادات الضريبية السنوية من التهرب الضريبي في لبنان بنحو 5 مليارات دولار (10 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2019)، أي أكثر من ضعف إجمالي التكلفة السنوية لتأمين التغطية الصحية لجميع المقيمين اللبنانيين. في تايلاند، يُعتقد أن البلد يخسر 1.1 مليار دولار بسبب تهريب أرباح الشركات سنوياً. وبهذا المبلغ، ستكون قادرة على زيادة برنامج الرعاية الاجتماعية.

وفي ألمانيا تخسر الدولة 35 مليار دولار سنوياً بسبب التهرب الضريبي، وهو ما يعادل إجمالي تكاليف تركيب لـ 19 غيغاوات إضافية من مشاريع توليد كهرباء الرياح البرية الجديدة سنوياً (ما يقرب من 8000 توربين). وفي بنغلادش، ستسمح الخسارة السنوية المقدرة للتهرب الضريبي بتوسيع شبكة الأمان الاجتماعي الخاصة لكبار السن، من 4 ملايين شخص فوق سن 60 إلى 13 مليون مسن.

في الهند، يُعتقد أن الدولة تخسر بسبب التهرب الضريبي ما يمكن أن يغطي علاجات المستشفى لـ 55 مليون مريض من ذوي الدخل المنخفض سنوياً. كذا، تشير التقديرات إلى أن جنوب أفريقيا تخسر أكثر من 3 مليارات دولار في تهريب الأرباح سنوياً، والتي يمكن استخدامها لبناء 3500 مدرسة جديدة، أو دفع تكاليف العلاج الوقائي أو المضاد للفيروسات لأكثر من 6 ملايين شخص إضافي.

في غامبيا، تبلغ الخسارة السنوية بسبب التجاوزات الضريبية أقل من 200 مليون دولار، ويمكن استخدامها لبناء 6500 بئر للمواطنين الذين يعانون من نقص الوصول إلى المياه النظيفة. وتقدر خسارة الإيرادات الضريبية السنوية في البرازيل بحوالي 15 مليار دولار، والتي يمكن أن تدفع تكاليف تجديد أو توسعة أو استكمال منازل لـ 8 ملايين أسرة منخفضة الدخل.

ولفت التقرير الأممي إلى أن الأزمة أدت إلى زيادة حدة التفاوتات الموجودة داخل وبين البلدان. أما المتحمسون خلال التصريحات الصادرة في بداية الجائحة حول "أننا نحن جميعاً في هذا معاً" هدأت حماستهم. إذ كانت جميع البلدان في نفس العاصفة، لكنها لم تكن على القارب ذاته. حيث لا يمكن للبلدان النامية تحمل تكاليف شبكات الأمان الاجتماعي، والمعدات الطبية، واللقاحات، مقارنة بالدول المتقدمة.

وبعد مرور عام على الأزمة، كان هذا الاتجاه الكئيب يتكثّف. ويهدد الوباء بعكس نتائج التقدم التنموي الذي تم إحرازه بشق الأنفس، وأصبحت الفئات الأكثر ضعفا على حافة الهاوية.

وكان الأطفال وكبار السن والأشخاص ذوو الإعاقة والمهاجرون واللاجئون والنساء يتعرضون لأسوأ أنواع الخراب في جائحة. كذا تتزايد البطالة والعمالة الناقصة الناجمة عن تبعات كورونا. لقد أهلكت الأزمة سبل عيش ما يصل إلى 1.6 مليار عامل في الاقتصاد غير الرسمي. وأيضاً قدر البنك الدولي أن 176 مليون شخص إضافيين سوف يسقطون في براثن الفقر المدقع يضافون إلى 736 مليون شخص آخرين.

المساهمون