الغلاء ينغّص فرحة المواطنين برمضان في 4 دول عربية
عمار حميد
محمد راجح
ياسر فتوح
وسام سليم
أصابت تداعيات فيروس كورونا وتراجع القدرة الشرائية للمواطنين أسواق مصر والعراق وسورية واليمن بالركود، وسط تصاعد شكاوى الشارع من ارتفاع الأسعار وعدم كفاية التحركات الحكومية لإخمادها.
ويأتي ذلك رغم أنّ التجّار كانوا يعوّلون على شهر رمضان، من أجل إنعاش تجارتهم الراكدة وتعويض خسائرهم التي تكبّدوها خلال الفترات الأخيرة بسبب الإجراءات الاحترازية والحظر الجزئي للأنشطة تفادياً لموجة جديدة للجائحة الصحية والزيادة الكبيرة في أعداد المصابين.
والقطاعات التي شهدت إقبالاً نسبياً من المستهلكين مثل السلع الغذائية صاحبها ارتفاع كبير في أسعار السلع، ما أرهق معيشة المواطنين، لا سيما محدودي الدخل، الذين يزيد إقبالهم على شراء بعض الأنواع من الخضروات والسلع الغذائية في محاولة لإدخال الفرحة على أسرهم.
مصر: غلاء الخضروات واللحوم
حالة من السعادة والبهجة التي تربط المصريين بشهر رمضان إذ يكثّفون تعليق الزينة ويذهبون لشراء أنواع محددة من الأطعمة، كما تقوم المحلات التجارية بتعليق الأضواء المبهجة أملاً في تنشيط حركة التجارة وتعويض بعض خسائرهم بسبب تداعيات كورونا لأكثر من عام.
لكن، في المقابل، شهدت الأسواق المصرية تواصلاً في ركود المنتجات وارتفاعاً بأسعار السلع، لا سيما اللحوم والخضروات، وهي ظاهرة تتكرر سنوياً بالبلاد مع بداية شهر رمضان، فيما اتهم المواطنون المصريون التجار بأنّهم وراء موجة الغلاء نتيجة غياب الرقابة الحقيقية على الأسواق، رغم نفي الحكومة المصرية ارتفاع الأسعار والسيطرة على السوق، والتوسع في معارض "أهلاً رمضان" التي لا تختلف أسعارها عن أسعار السوق بحسب آراء مواطنين لـ"العربي الجديد".
وكانت أسعار اللحوم الحمراء ارتفعت مع دخول موسم رمضان، بعد حالة من الاستقرار دامت لعدة أشهر، ليسجل سعر الكيلوغرام ما بين 130 و150 جنيهاً بدلاً من 120 جنيهاً (الدولار = نحو 15.66 جنيها)، كما ارتفعت أسعار الدجاج ليصل سعر كيلو اللحوم البيضاء إلى 36 جنيهاً.
وزادت أسعار الخضروات مع حلول شهر رمضان، وتأتي على رأس الخضروات التي شهدت ارتفاعاً الطماطم بزيادة جنيه في الكيلو ليسجل 3.5 جنيهات، وسط توقعات بمواصلة ارتفاع سعرها خلال الأيام المقبلة.
وتشهد معارض "أهلاً رمضان" التي تشرف عليها الحكومة المصرية، ممثلة في وزارتي التموين والزراعة بالمحافظات إقبالاً ضعيفاً من المواطنين، لعدة أسباب، أهمها تشابه أسعار سلعها إلى حد كبير مع الأسواق، كما أنّ تلك المعارض محدودة وتقتصر على المدن الكبرى بالمحافظات، إضافة إلى الأزمة الاقتصادية، والظروف المعيشية الصعبة المصاحبة لفيروس جائحة كورونا، وعدم إقبال المواطنين على أماكن التجمعات تزامناً مع ارتفاع أعداد المصابين.
وشكا مواطنون من ارتفاع أسعار الخضار واللحوم، إذ قال المواطن محمود عز الدين، وهو موظف، لـ"العربي الجديد" إنّ أسعار اللحوم والدجاج ارتفعت بين ليلة وضحاها، لأسباب واهية يقدمها التجار مثل أسعار الأعلاف. وأشار عز الدين إلى أنّ غياب الرقابة الحكومية وجشع بعض التجار وراء موجة الغلاء الأخيرة.
وقال مصطفى سليمان، وهو سائق، لـ"العربي الجديد" إنّ المواد الغذائية الرمضانية متوفرة في الأسواق، إلاّ أنّ أسعارها مرتفعة مقارنة بما قبل رمضان. وانتقد محمد عبد العال، وهو محاسب، المعارض الرمضانية، مؤكداً أنّ أسعارها لا تختلف عن السوق، رغم إعلان الحكومة عن تخفيضات. وأيدت فاطمة جمال، وهي ربة منزل، المعارض الرمضانية، قائلة إنّ أسعار هذا العام ربما تكون أعلى من العام الماضي في المعارض، إلاّ أنّها تثق في منتجاتها أكثر من ثقتها في بضائع المحال.
من جانبه، قال نائب رئيس شعبة الخضروات والفاكهة بالغرفة التجارية بالقاهرة، حاتم النجيب، إنّ تجار سوق العبور بالقاهرة، وهو سوق الجملة الأول في مصر، تلقوا كميات كبيرة من الخضروات من قبل المزارعين خلال الـ48 ساعة الماضية، بما يزيد عن 40% عن معدلاتها اليومية، موضحاً أنّ الإقبال الشديد على الشراء، وتخزين عدد من أنواع الخضروات من قبل ربات البيوت والمواطنين، لتحضير العزائم (الولائم) خلال الأسبوع الأول من شهر رمضان لأغلب الأسر المصرية، ساعد في استنزاف الخضروات من الأسواق.
العراق: ركود بسبب كورونا
على غير عادتها في كلّ عام، تكاد الأسواق والمراكز التجارية في العراق تخلو من المتبضعين، منذ عدة أيام، إذ عادة ما تزدحم أسواق العراق مع حلول موسم شهر رمضان، بالمتبضعين. وفي جولة أجراها مراسل "العربي الجديد" في عدد من أسواق العاصمة بغداد رصد حالة من الركود الاقتصادي، وضعف إقبال المواطنين على التبضع قبيل رمضان.
في هذا الإطار، قال حسام المرسومي، وهو بائع مواد غذائية في سوق الشورجة للبيع بالجملة، وسط العاصمة العراقية بغداد إنّ "حركة البيع في السوق أصبحت شبه معطلة"، مبيناً أنّ "حركة البيع اقتصرت على الميسورين، لشراء الحاجات الأساسية مثل الأرزّ والبقوليات وبعض المواد الرئيسية في الموائد العراقية". وأوضح لـ"العربي الجديد" أنّ نسبة المتبضعين، هذا العام، انخفضت بشكل كبير عن السنوات السابقة، عازياً ذلك إلى الارتفاع المخيف في عدد الإصابات بكورونا، وتدهور الوضع الاقتصادي لمعظم العراقيين وتراجع القدرة الشرائية لديهم، فضلاً عن "الارتفاع الفاحش في الأسعار نتيجة لارتفاع سعر صرف الدولار مقابل الدينار العراقي".
من جهته، قال المواطن مصطفى أحمد إنّ "أسعار البضائع، خصوصاً المواد الغذائية ارتفعت بنسبة تتجاوز 30% بعد ارتفاع سعر صرف الدولار" مضيفاً لـ"العربي الجديد" أنّ "غلاء الأسعار الفاحش تتحمله الحكومة بسبب سياستها النقدية الخاطئة وعدم سيطرتها على السوق والسماح للتجار بالتلاعب بالأسعار". وفي السياق، قالت هديل النعيمي، إنّ "رمضان هذا العام يبدو مختلفاً عنه في السنوات السابقة، إذ يدخل المواطنون إلى السوق ويخرجون بأيدٍ فارغة".
وللحدّ من الغلاء الفاحش في الأسواق العراقية قبيل شهر رمضان، اتخذت الحكومة العراقية جملة من الإجراءات لمنع ارتفاع الأسعار واحتكار المواد الغذائية، أول تلك الإجراءات بحسب وزارة الداخلية العراقية، نشر مفارز أمنية لمراقبة السوق ومحاسبة التجار الذين يحتكرون المواد الغذائية. وكان عضو اللجنة المالية في البرلمان العراقي، جمال جوكر، قد أكد وقت سابق، أنّ بعض أسعار المواد الغذائية الأساسية والاستهلاكية ارتفعت بنسبة 30% رغم أنّ الزيادة في سعر صرف الدولار هي 18% فقط.
اليمن: فرصة للاستغلال
من وسط كومة كبيرة من البضائع في أحد المخازن التجارية الواسعة في منطقة تجارية في العاصمة اليمنية صنعاء، تساءل أحد التجار عن ضعف إقبال المستهلكين وما تمرّ به الأسواق من تأرجح واضطراب منذ فترة في رده على استفسارات "العربي الجديد" حول استعداداتهم للموسم الرمضاني ومدى توفر السلع والمنتجات الغذائية. وأكد التاجر وائل المسني، أنّ الأسواق تشهد تارة إقبالاً نسبياً وتارة أخرى ركوداً في المبيعات يستمر لفترات طويلة.
ردّ المواطن عبد القدوس الحياني، على التاجر، موضحاً أنّ المشكلة ليست بتوفر السلع بل في ارتفاع أسعارها بشكل مبالغ فيه بمقابل معاناة المواطنين من انعدام الدخل بعدما جردتهم الحرب من كلّ ممتلكاتهم وسبل عيشهم ومصادر دخلهم وأعمالهم ورواتبهم. كان الحياني يقف أمام هذا المتجر مكتفياً بالمشاهدة، وقال لـ"العربي الجديد" إنّ البضائع مخزنة في المتاجر منذ فترات طويلة وشارف كثير منها على انتهاء صلاحيته.
وتشهد الأسواق اليمنية ارتفاعاً متصاعد في أسعار السلع الغذائية، إذ يأتي الدقيق في طليعة هذه السلع التي يعاني من ارتفاعها اليمنيون، إذ يشير آخر تحديث لسعر كيس الدقيق (50 كيلوغراماً) إلى أنّه بلغ نحو 26 ألف ريال، ما جعل المواطنين يعتمدون على توفير احتياجاتهم بالتجزئة بسعر 500 ريال للكيلوغرام الواحد، بينما يصل سعر الزيوت عبوة 5 لترات بنحو 9000 ريال، وما ساهم في ارتفاع أسعار السلع تدهور العملة اليمنية إلى نحو 850 ريالا في صنعاء للدولار الواحد، ونحو 600 ريال في عدن.
وتفيد تأكيدات رسمية من وزارة التجارة والصناعية أنّ الأوضاع مستقرة نسبياً، والمواد الغذائية الأساسية متوفرة وتتدفق بانسيابية وبشكل طبيعي إلى مختلف الأسواق بمحافظات الجمهورية.
مسؤول في الإدارة العامة للأسواق أفاد "العربي الجديد" بأنّ هناك فرقاً رقابية رسمية تنشط في الأسواق لضبط الحركة التجارية والتأكد من سلامة تداول السلع وفق معايير السلامة المطلوبة، إذ يجري ذلك بالتعاون مع بعض الجهات المختصة مثل الهيئة العامة للمواصفات والمقاييس وضبط الجودة.
عضو الاتحاد العام للغرف التجارية والصناعية في اليمن علي عيسى، أشار بدوره، إلى حرص القطاع الخاص التجاري على استقرار الأسواق. وأضاف لـ"العربي الجديد" أنّ أزمة العملة وسعر الصرف والتشظي المالي القائم في البلاد، أضاف أعباء كبيرة على القطاع الخاص.
من ناحيته، قال رئيس الجمعية اليمنية لحماية المستهلك فضل منصور لـ"العربي الجديد" إنّ أهم السلع متوفرة في جميع الأسواق اليمنية مع حلول شهر رمضان، لكنّه استدرك متهماً بعض التجار الذين يصفهم بـ"ضعاف النفوس وعديمي الضمير" بإنزال مواد قريبة الانتهاء أو منتهية الصلاحية أعيدت تعبئتها، مستغلين إقبال المستهلكين على شراء حاجاتهم.
وترصد جمعية المستهلك اليمنية تلاعباً بالأوزان والمكاييل لكثير من السلع في مختلف الأسواق اليمنية.
سورية: معيشة صعبة
يستقبل السوريون شهر رمضان هذا العام، وسط ظروف معيشية واقتصادية قد تعتبر الأسوأ منذ بداية الحرب في بلدهم عام 2011، لا سيما مع انهيار قيمة الليرة السورية وارتفاع أسعار المواد الأساسية بشكل كبير، فيما تبقى وعود بعض المسؤولين في حكومة النظام بتخفيض الأسعار في موسم رمضان مجرد تصريحات يأمل المواطنون أن يلمسوا نتائجها.
وأفادت مصادر تواصلت معها "العربي الجديد" في العاصمة دمشق بأنّ تحسن سعر صرف الليرة بشكل طفيف خلال الأسبوعيين الماضيين، لم يؤثر في تخفيض أسعار المواد الأساسية (السعر الفعلي غير الرسمي لصرف الدولار الأميركي بلغ نحو 3200 ليرة أمس). وتوقعت المصادر أن تشهد المواد الاستهلاكية التي يزيد الطلب عليها في رمضان مزيداً من الارتفاع كما حال السنوات الماضية مع بدء أيام الشهر الفضيل.
وأرجعت المصادر السبب في عدم انخفاض الأسعار إلى عدم ثقة التجار بثبات أسعار الصرف، وإجراءات حكومة النظام بالإبقاء عليه مستقراً لفترة طويلة. وبحسب مصادر في دمشق، يباع سعر كيلوغرام الأرزّ حالياً بسعر 3 آلاف ليرة فيما كان سعره الشهر الماضي 1700 ليرة، وتضاعف سعر كيلوغرام السكر خلال الفترة نفسها من 1500 ليرة إلى 3 آلاف.
وقبل أيام من بداية الشهر الفضيل، توقع عضو لجنة الخضار والفواكه في سوق الهال بدمشق، أسامة قزيز، في تصريح لصحيفة "الوطن" المقربة من النظام السوري، ارتفاع أسعار الخضار مع بداية رمضان بين 20% و30%، بسبب زيادة الطلب عليها، مشيراً في الوقت نفسه إلى أنّ هذا الارتفاع لن يدوم طويلاً وهو عائد إلى "ثقافة الاستهلاك" التي عادة ما تترافق مع الأيام الأولى من شهر رمضان.
من جانبه، وعد مدير فرع المؤسسة السورية للتجارة بدمشق، لؤي حسين، بالتدخل في الأسواق لتخفيض الأسعار في رمضان من خلال طرح عدد من المواد الغذائية (مثل البندورة والبطاطا والخيار والباذنجان والكوسا) في أسواق الهال وبيعها بسعر الجملة على المواطنين.
وفي مناطق شمال شرقي سورية، حيث تسيطر قوات سورية الديمقراطية "قسد" يتزامن حلول شهر رمضان مع قرار من الإدارة الذاتية، برفع أسعار الخبز ابتداء من اليوم الثلاثاء لثلاثة أضعاف.
ويتزامن هذا القرار بحسب الناشط الإعلامي في الرقة عبد الرحمن باكير مع فرض الإدارة الذاتية، حظر تجول، والإعلان عن استمراره في بداية رمضان. وقال عبد الله وهو من سكان مدينة الحسكة، إنّ فرض حظر التجوال أدى لارتفاع الأسعار بشكل كبير قبل بداية شهر رمضان مع زيادة الطلب وقلة المعروض، ولفت إلى أنّ "الإدارة الذاتية لم تتخذ أيّ إجراء لتخفيض الأسعار".
في شمال غربي سورية (مناطق المعارضة) يستقبل عدد كبير من النازحين شهر رمضان هذا العام داخل الخيم. يعتمد عدد كبير من هؤلاء على المساعدات الأممية المقدمة لهم في ظل اكتظاظ سكاني كبير وصعوبة في تأمين فرص العمل.
أم علاء وهي أم نازحة تربي ثلاثة من أبنائها بعد مقتل زوجها تقيم في مخيم عشوائي قرب الحدود السورية – التركية، أكدت في حديث إلى "العربي الجديد" أنّ خيمتها لا تحوي أكثر من بضع أوقيات من الأرز والعدس وبعض حبات البطاطا والبندورة.
من جانبه، لفت خالد خليلو المقيم في مخيمات غربي إدلب، إلى أنّ بعض النازحين لم يتسلموا أيّ معونات منذ عدة أشهر.