تواصل أسعار السلع والمواد الغذائية في لبنان ارتفاعها على الرغم من ثبات سعر صرف الدولار عبر "منصّات السوق السوداء" الإلكترونية على خطّ الـ89 ألف ليرة لبنانية منذ أشهر عدّة من دون أن يهتزّ حتى في ظلّ الأحداث الأمنية التي تشهدها البلاد جنوباً.
ويأتي ذلك وسط انتقادات لاختباء السلطة وراء التوترات الناجمة عن العدوان الإسرائيلي على غزة، وبالتالي تخلي الجهات المختصة عن مسؤوليتها في ضبط الأسعار، ما يفاقم فوضى الأسواق.
ويلاحظ المواطنون عند دخولهم المحال التجارية أو السوبرماركت غلاء فاحشاً خصوصاً مع اقتراب موسم الأعياد، إذ تُعتَمد أسعار مرتفعة بالدولار وكذلك بالليرة مع احتساب غالبية التجار الدولار الواحد بمائة ألف ليرة.
ويقول عددٌ من المواطنين خلال شرائهم بعض الحاجيات المنزلية الأساسية من أحد المتاجر في بيروت لـ"العربي الجديد"، إن "الأسعار تفوق الخيال، سواء بالدولار أو بالليرة اللبنانية، إذ عاد المشهد كما كان قبل عام 2019، أبسط السلع مسعّرة بـ10 دولارات، علماً أنها في فترات 2020 و2021 وحتى 2022، كانت نفسها تسعّر بدولارين أو ثلاثة، بحيث يستغل التجار فكرة أن اللبناني يعتاد على الأزمة، عدا عن أن بعض المؤسسات الخاصة عادت لدفع الرواتب أو جزء منها بالدولار".
ويقول أحدهم: "على المسؤولين والعاملين في القطاعات السياحية أن يكفوا عن القول إن لبنان بلد رخيص والتسعير بالدولار أقلّ مقارنة مع دول أخرى، هذا الكلام مضحك جداً، ولا مجال للتشبيه خصوصاً بدول تؤمِّن لمواطنيها كامل الخدمات الاجتماعية والطبية والتعليمية الأساسية للعيش والصمود".
في هذا الإطار، أعلنت جمعية المستهلك في لبنان بتقرير مفصّل، أمس الثلاثاء، عن ارتفاع بمؤشر الأسعار في الفصل الثالث من السنة الحالية بنسبة 22 في المائة عن الفصل الثاني، علماً أن المحروقات سجلت وحدها انخفاضاً بنسبة 8 في المائة.
وارتفعت الأسعار في أشهر يوليو/ تموز، وأغسطس/ آب، وسبتمبر/ أيلول، على الشكل الآتي: الخضار 32%، الفواكه 42.9%، اللحوم 91%، الألبان والأجبان 5.52%، المواد المنزلية والشخصية 12.6%، المعلّبات والزيوت والحبوب 29%، الخبز 3.7%، المواصلات 2.4%، والاتصالات 10.9%.
ولاحظت جمعية المستهلك غياب السلطة التام، بأجنحتها التنفيذية منها والتشريعية والقضائية، عن هموم الناس، بخاصة النازحين منهم، في ظلّ الاعتدءات الإسرائيلية اليومية على الجنوب.
وأشارت إلى أنه بالرغم من استمرار استقرار سعر صرف الدولار على 89 ألف ليرة، فإن أسعار 140 سلعة وخدمة من تلك التي تشكل أساس حياة الأكثرية الساحقة من سكان لبنان ما زالت ترتفع منذ ستّة أشهر، وها هي نسبة الارتفاع في الفصل الثالث من عام 2023 ترتفع إلى 22% بالنسبة إلى الفصل الثاني.
ولفتت الجمعية إلى أن فشل أحزاب الطوائف الحاكمة في وضع خريطة طريق للحل السياسي والاقتصادي بعد أكثر من أربع سنوات من الانهيار، ليس بسبب الجهل أو العجز بل لأنها الشريك الأساسي لنظام الفساد والمحاصصة الذي يتحكّم بالبلاد.
واعتبرت أن المخاطر التي تتعرّض لها البلاد والمنطقة هي سببٌ إضافيٌّ لكي تتحمّل أحزاب الطوائف مسؤوليتها، ومشاركتنا في مقاومة إسرائيل لا تبرر كل هذا الفشل الداخلي الذي تدفع ثمنه أكثرية سكان البلاد ولمصلحة بضعة آلاف من الممسكين بالسلطة.
وفي هذا المجال، يقول رئيس جمعية المستهلك زهير برو لـ"العربي الجديد"، إن تأثير الحرب الدائرة في الجنوب اللبناني لا يزال محدوداً جداً، وارتفاع الأسعار هو سابقٌ للأحداث، خصوصاً أنّ الاشتباكات الدائرة تقتصر راهناً على الشريط الحدودي.
ويشير برو إلى أنّ أساس ارتفاع الأسعار يبقى في طبيعة الاقتصاد اللبناني الريعي غير المنتج، والذي تطغى عليه صفة عدم الاستقرار، إلى جانب الغياب شبه التام لمؤسسات الدولة وأجهزتها الرقابية.
ولفت إلى أنّ الدولرة المعتمدة منذ أكثر من 9 أشهر خلقت مشكلة إضافية باعتبار أنها اتبعت من خارج خطة اقتصادية مالية شاملة ولم تكن مبنية على أسس اقتصادية سليمة.
ويرى أنّ ارتفاع أسعار السلع والمواد الغذائية رغم استقرار سعر الصرف في محيط الـ89 ألف ليرة يشير إلى خلل حقيقي بنيوي في الاقتصاد وغياب أي رؤية إصلاحية شاملة إلى جانب فشل أحزاب الطوائف الحاكمة في وضع خريطة طريق للحل السياسي كما الاقتصادي.
ويشير إلى أن هناك عجز تخطى السنة عن انتخاب رئيس للجمهورية وتجديد السلطة التنفيذية والأمنية وإعادة تفعيل المؤسسات، وكلّه يعود إلى أنها شريك أساسي في نظام الفساد والمحاصصة الذي يتحكّم بالبلاد.
ويلفت رئيس جمعية المستهلك إلى أن أحزاب الطوائف مستمرة في أخذ البلاد من أزمة إلى أخرى ولن تفرز سوى الصراعات، خصوصاً أن طبيعة النظام الطائفي تتمثل بالحضّ على الكراهية بين اللبنانيين والمحاصصة والصراع الدائم على الحصص ومواقع النفوذ، لذلك على اللبنانيين أن يعوا أنه آن الأوان لتغيير جميع هذه المعطيات الاقتصادية والسياسية.
من ناحية ثانية، يعتبر برو أنّ استقرار سعر صرف الدولار رغم الأحداث الأمنية التي تشهدها البلاد والمخاوف المتزايدة من اتساع رقعة الحرب يؤكد مرّة جديدة أن الدولار ممسوكٌ وليس على الإطلاق في مهبّ الريح.
ويضيف أن "تثبيت أسعار الدولار وبفتراتٍ معينة ليس صدفة، وواضح أنّ الهدف من وضع أسعار مختلفة بالدولار، متعدّد الوجهات، منها الاستمرار بالاستيلاء على الودائع، وتملّص المصارف وحلفائها من دفع استحقاقات الناس وتحميل المواطنين نتائج الأزمة وضمنهم المودعون".
ويتابع برو: "الأبرز في السياق أنّ قسماً كبيراً من الفئات الاقتصادية المهنية في البلاد تشتري القوّة العاملة بأرخص الأسعار، بحيث أصبح الحد الأدنى للأجور لا يتجاوز الـ100 دولار بينما كان 450، الأمر الذي يسمح لها بمراكمة ثروات جديدة وأرباح كبيرة وتحميل الناس في المقابل عبء الضرائب وكل أعباء الأزمة".