الغاز المسال يدخل عصره الذهبي: سباق على الإنتاج وقفزة في الاستثمارات الجديدة

26 اغسطس 2022
تسارُع المشاريع لزيادة إنتاج الغاز (Getty)
+ الخط -

يدخل العالم فعلياً عصر أزمة تاريخية بإمدادات الغاز الطبيعي، وسط استخدام موسكو للغاز كسلاح رئيسي ضد أوروبا في الحرب التي تخوضها لغزو أوكرانيا. ولاحظ تقرير لمصرف بيكتيت ارتفاع أسعار الغاز في أوروبا بنسبة 40% خلال شهر أغسطس/ آب الجاري فقط، وبنسبة 300% خلال العام الجاري، حسب ما يقوله خبير الطاقة في المصرف السويسري لتوظيف الثروات، توماس كوستيرغ.

وحتى يوم أمس الخميس، تراجعت إمدادات الغاز الروسي عبر أنبوب "نورد ستريم1" بنسبة 20% من الطاقة المتفق عليها بين غازبروم ومفوضية الطاقة الأوروبية في بروكسل. وسط هذه الضائقة التي يصفها الخبير كوستيرغ بأنها أزمة تاريخية لم يشهدها العالم في إمدادات الغاز الطبيعي، ارتفعت أسعار الكهرباء في أوروبا 10 أضعاف ما كانت عليه قبل جائحة كورونا.

وتتجه أوروبا نحو الغاز الطبيعي المسال لتلبية احتياجاتها المستقبلية، وتُدخل الحرب الروسية بسرعة كبيرة صناعة الغاز المسال العالمية العصر الذهبي من الإيرادات والطلب والأسعار، حيث باتت الاستثمارات تتدفق على مشاريع الغاز المسال الجديدة وسط تنافس محموم بين الشركات الكبرى على الدول التي تملك احتياطات متاحة للاستخراج، وعلى رأسها الولايات المتحدة وقطر وأستراليا وكندا، وحتى بعض الدول الصغيرة في أفريقيا.

وحسب بيانات شركة رايستاد النرويجية المتخصصة في أبحاث الطاقة، ارتفع حجم الاستثمارات في مشاريع الغاز الطبيعي المسال بمعدلات خرافية خلال العامين الماضيين، مقارنة بما كانت عليه في عام 2020، أي عام جائحة كورونا، وبنسبة 200%.

وتقول شركة "رايستاد" النرويجية في دراسة حديثة عن مستقبل صناعة الغاز المسال العالمية، إن الاستثمارات في مشاريع الغاز المسال العالمية تتجه للارتفاع سنوياً من مستوياتها المنخفضة خلال العامين الماضيين، لتصل إلى 42 مليار دولار في عام 2024.

ووفق الأرقام، فقد بلغت الاستثمارات في صناعة الغاز المسال عالمياً نحو ملياري دولار فقط في عام 2020، وتخلت بعض الشركات عن مشاريع خططت لها بسبب تداعيات جائحة كورونا وما تلاها من إغلاقات للنشاط الاقتصادي في الاقتصادات الكبرى، وهو ما ضرب الطلب على الغاز الطبيعي والطاقة عموماً.

لكن الغزو الروسي لأوكرانيا، وما تلاه من عقوبات مالية واقتصادية على روسيا، ورد موسكو بخفض إمدادات الغاز الروسي، أظهرت أن إمدادات غاز الأنابيب تواجه مخاطر التوتر الجيوسياسي والحروب، وفق محللين، وبالتالي من الصعب الاعتماد عليها، وهو ما أدى إلى ارتفاع جنوني في الطلب على الغاز المسال عالمياً.

وبالتالي، رفعت الشركات والدول من استثماراتها في مشاريع الغاز الطبيعي المسال. وحسب بيانات شركة "رايستاد"، تتجه الاستثمارات في المشاريع الجديدة للغاز المسال للارتفاع من 28 مليار دولار في العام الماضي 2021 إلى 32 مليار دولار في العام المقبل 2023، لتصل إلى 42 مليار دولار في عام 2024. وحتى قبل الغزو الروسي لأوكرانيا، كانت التوقعات تشير إلى أن العقد الجاري سيكون العقد الذهبي لتجارة الغاز المسال في العالم.

ومن بين المشاريع الجديدة المتوقع أن يبدأ تشغيلها حتى عام 2024، مشروع "غولدن باس" في تكساس للغاز المسال. وهو مشروع مشترك وبكلفة 10 مليارات دولار، وهو استثمار مشترك بين شركة قطر للغاز بنسبة 70% وبين شركة "أكسون موبيل" بنسبة 30%، حسب ما ذكرته نشرة "أويل برايس" الأميركية.

وهنالك مشاريع أخرى للغاز المسال في طور الإنشاء بالولايات المتحدة وكندا وأفريقيا. كذلك تتجه شركة الطاقة القطرية لرفع طاقة إنتاج الغاز المسال من مستواها الحالي البالغ 77 مليون طن سنوياً إلى 126 مليون طن سنوياً بحلول عام 2027، وذلك عبر شراكة ضخمة بين قطر للطاقة وشركات عالمية، من بينها أكسون موبيل الأميركية وشل وتوتال الفرنسية وأيني الإيطالية وكونكوفيليبس الأميركية.

وفي ذات الصدد، نقلت وكالة رويترز عن 3 مصادر مطلعة، أن شركات نفط وطنية كبرى في الصين تجري محادثات في مرحلة متقدمة مع دولة قطر، من أجل الاستثمار في توسعة حقل الشمال الشرقي، في أكبر مشروع للغاز الطبيعي المسال في العالم، وشراء الغاز بموجب عقود طويلة الأجل.

وستكون هذه أول شراكة من نوعها بين البلدين، الصين أكبر مستهلك، وقطر أكبر منتج للغاز الطبيعي المسال في العالم، مع سعي الدولة المصدرة للطاقة في الشرق الأوسط لتوسيع قاعدة عملائها الآسيويين. ولا يتوقع خبراء في صناعة الغاز المسال عودة إمدادات الغاز الطبيعي عبر الأنابيب من روسيا إلى أوروبا حتى في حال نهاية الحرب الروسية في أوكرانيا، وذلك ببساطة لأن الثقة باتت شبه معدومة بين موسكو ودول الاتحاد الأوروبي، والشركات الروسية لا يمكن الاعتماد عليها كمورد ثابت للطاقة في المستقبل.

وتتجه أوروبا للاستثمار أكثر في منصات تحويل الغاز المسال من حالة التجميد إلى الحالة الغازية. وبناءً على ذلك، تتوقع نشرة "أويل برايس" ارتفاع إمدادات الغاز المسال العالمية من مستواها الحالي البالغ 380 مليون طن سنوياً إلى 636 مليون طن سنوياً في عام 2030. يذكر أن مليون طن من الغاز المسال يساوي 1.379 مليار متر مكعب.

ويتوقع تقرير "رايستاد" ارتفاع الطلب العالمي على الغاز المسال بنسبة 12.5% سنوياً بين العام الجاري وحتى عام 2030، وبالتالي يتوقع التقرير ارتفاع الطلب العالمي على الغاز المسال من مستواه الحالي البالغ 4 تريليونات متر مكعب إلى 4.5 تريليونات متر مكعب في عام 2030.

وكانت البروفيسورة في جامعة أوكسفورد، أجينا غير غاس، قد لخصت الأسباب التي ستؤدي إلى ازدهار تجارة الغاز الطبيعي بعد عام 2020، في دراسة نشرتها في كتاب بعنوان "العصر الذهبي للغاز" في عام 2020.

وأشارت غيرغاس إلى أربعة عوامل رئيسية ستؤدي إلى ازدهار تجارة الغاز المسال، هي: أولاً: نقل الغاز المسال إلى مناطق العالم المختلفة والأسواق الاستهلاكية أصبح سهلاً، وهو البديل المتاح بكميات كبيرة لتوليد الكهرباء في حال حدوث توترات سياسية وعسكرية تقود إلى توقف غاز الأنابيب.

ثانياً: عقود الغاز المسال الفورية وقصيرة الأجل أصبحت متوافرة الآن، ومنتشرة في تجارة الغاز مقارنة بالعقود طويلة الأجل في السابق، التي كانت مرتبطة بأسعار النفط وتحدّ من تجارة الغاز المسال في السوق الفورية.

وهذا العامل جعل هنالك مرونة في تجارة الغاز المسال. ثالثاً: دول العالم استثمرت في الفترة الأخيرة في البنى التحتية والمنشآت الخاصة بمعالجة الغاز المسال وتحويله إلى الحالة الغازية مرة أخرى في دول الاستهلاك، ومن ثم تمريره في أنابيب الاستهلاك. ويلاحظ أن هذه المنشآت في تزايد بأوروبا وآسيا.

أما العامل الرابع والأخير، الذي تشير إليه البروفيسورة غيرغاس التي أثار كتابها "العصر الذهبي للغاز" ضجة في أسواق الطاقة العالمية، فهو أن استخدام الغاز الطبيعي في توليد الطاقة أصبح الخيار البيئي الأفضل في تقليل انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، مقارنة بكل من النفط والفحم الحجري. ومن المتوقع أن ترفع الشركات الأميركية من حجم استثماراتها في الغاز المسال خلال السنوات المقبلة، وسط الطلب المرتفع في أوروبا وآسيا وارتفاع الأسعار، مقارنة بالأسعار في السوق الأميركي.

ويلاحظ أن الولايات المتحدة تعمل لرفع طاقة الغاز المسال حتى تحمي أوروبا من الضغوط الروسية على استقلالية قرارها السياسي. كذلك من المتوقع أن تكون الصين المحرك الرئيسي لصناعة الغاز المسال مع التداعيات الخطرة في التلوث البيئي على المناخ في المدن الكبرى وتأثير التسخين الحراري بالجفاف وإنتاج المحاصيل. وتنظر بكين إلى الغاز على أنه بديل للفحم في الطريق نحو التخلص من الانبعاثات الكربونية بحلول عام 2060.

المساهمون